بحث
بحث
إحدى مقابر العاصمة دمشق ـ صوت العاصمة

ريف دمشق: القبور ممنوعة عن النازحين، وشهادات الوفاة المزورة آخر الحلول

رغم القرارات المتتالية، لا تزال القبور ممنوعة عن النازحين المتوفين جراء الإصابة بفيروس كورونا

بالقرب من باب مقبرة جمرايا، وقف سعد مع من يشاركه مراسم الدفن، منتظراً الحصول على موافقة “غير رسمية” تصدر عن ميليشيا فرضت سطوتها على المنطقة، للسماح له بدفن جثمان والده الذي سُجّل ضمن أوائل ضحايا فيروس كورونا في وادي بردى.

لم يحظ سعد (29 عاماً- مستعار) النازح من مدينة دير الزور إلى بلدة جمرايا في وادي بردى بريف دمشق، على الموافقة الأمنية التي فرضتها ميليشيا “اللجان الشعبية” على النازحين في المنطقة، للسماح لهم بدفن ذويهم ضمن القبور المخصصة لعائلات البلدة الأصلية، لا سيما المتوفين جراء الإصابة بفيروس كورونا.

لا مكان للنازحين في المقابر الرسمية!
“وصلنا إلى باب مقبرة جمرايا بمراسم تشييع أُقيمت بالطريقة التقليدية، وبحضور عشرات الأشخاص من الأقارب والجوار وبعض أبناء البلدة، إلا أن حارس المقبرة منعنا من الدخول إليها لدفن جثمان والدي، مطالباً بإبراز الموافقة الأمنية الخاصة بإجراءات الدفن”، يقول سعد.

بعد استفسار سعد عن الموافقة المطلوبة، تبيّن أنها موافقة تصدر عن ميليشيا اللجان الشعبية التابعة للحرس الجمهوري، والتي تتولى الملف الأمني للمنطقة، ما دفعه لإرسال أحد أشقائه لاستصدارها، في الوقت الذي بقي فيه مع المشاركين بمراسم التشييع بالقرب من باب المقبرة، موضحاً: “لم يكن لدينا أدنى فكرة عن فرض تلك الموافقات”.

ويضيف سعد في حديثه لـ “صوت العاصمة: “تقدّم شقيقي بطلب للجان الشعبية للحصول على موافقة الدفن، ليتفاجأ بإنها مخصّصة لأبناء المنطقة فقط، وأن الميليشيا تمنع دفن النازحين في مقبرة البلدة، وفقاً لتعليمات وزارة الأوقاف.

ويختم سعد: “لم يبق أمامنا سوى مقبرة نجها في محيط العاصمة دمشق، والتي خُصّصت لدفن ضحايا كورونا، لا سيما النازحين من المحافظات الأخرى، لدفن جثمان والدي، وهو ما تم بالفعل بعد الاتصال بمكتب دفن الموتى، الذي عمل على نقل الجثمان إلى مقبرة نجها بواسطة سياراته الخاصة، دون السماح لنا بمرافقتهم وحضور عملية الدفن، ولا حتى معرفة القبر الذي دُفن فيه”.

والد سعد واحد من خمسين ضحية من النازحين إلى بلدات وادي بردى في ريف دمشق الغربي، الذين توفوا جراء إصابتهم بفيروس كورونا خلال الأشهر القليلة الماضية، ومُنعوا جميعاً من الدفن داخل القبور المخصصة للمتوفين من عائلات البلدات الأصلية في المقابر الرسمية، رغم السماح مؤخراً لذوي المتوفين جراء الإصابة بالفيروس بدفن ضحاياهم في المقابر الرسمية، ضمن شروط وضوابط لا تُطبق في معظم الأحيان، إلا أنها ما زالت تمنع النازحين من الدفن داخل المقابر.

قرارات “حبر على ورق”، والنازحون خارج الخطة:
منتصف نيسان 2020، ومع تسجيل أولى ضحايا فيروس كورونا في وادي بردى، سارعت لجان الأوقاف ومكاتب دفن الموتى بريف دمشق، إلى إصدار قرار منعت بموجبه دفن ضحايا الفيروس في مقابر البلدات الرسمية، مستندة إلى معايير السلامة الصحية الصادرة عن وزارة الصحة، وخطر دفن ضحايا كورونا في المقابر الرسمية على سلامة الأهالي.

ووجّهت وزارة الصحة في حكومة النظام السوري، جميع مكاتب دفن الموتى واللجان التابعة لها في دمشق وريفها، بتحويل جثامين المتوفين جراء الإصابة بالفيروس للدفن في مقبرة نجها على أطراف العاصمة دمشق.

ما أن صدر القرار المذكور، حتى بدأت التجاوزات بمنح موافقات على دفن المتوفين من أهالي بلدات وقرى وادي بردى جراء إصابتهم بالفيروس ضمن مقابر بلداتهم الرسمية، وذلك وفقاً لمعارف وعلاقات ذوي كل من المتوفين، وسرعان ما تلاشى القرار وسُمح بدفن جميع المتوفين بصرف النظر عن أسباب الوفاة، إلا أن النازحين كانوا خارج خطة التجاوزات والقرار المتلاشي.

شهادات الوفاة المزورة آخر سبيل للدفن!
لطالما كانت قضية دفن المتوفين من النازحين داخل سوريا، مشكلة تُعد الأكثر تعقيداً بالنسبة لذويهم، كونهم منعوا من الدفن في مقابر البلدات الرئيسية في معظم المناطق، وما أن صدرت قوانين تتيح لهم عمليات الدفن في مقابر مخصصة ضمن البلدات، حتى عادت الأوقاف والصحة لتمنع دفن المتوفين جراء الإصابة بفيروس كورونا داخل البلدات، ووجهّت لدفنهم في مقبرة نجها.

عشرات العائلات سلكت طريق تزوير شهادات الوفاة للتخلص من مشكلة دفن أقاربها المتوفين جراء الإصابة بالفيروس، عمدت خلالها إلى تغيير سبب الوفاة، وتحديده بمرض مزمن أو أزمة قلبية، لقاء مبالغ مالية وصلت إلى نصف مليون ليرة سورية في بعض الأحيان.

قصد أحمد (مستعار) أحد الأطباء لاستصدار شهادة وفاة مزورة لتغيير سبب وفاة جده الذي مُنع من الدفن في مقبرة كفير الزيت التابعة لناحية الزبداني في ريف دمشق، ليتمكن من دفنه في إحدى مقابر المنطقة.

يقول أحمد: “بعد بحث ليس طويلاً، عثرنا على طبيب قبل منحنا شهادة وفاة مصدقة، يُثبت فيها أن جدي توفي جراء أزمة قلبية عوضاً عن وفاته بفيروس كورونا، لنتمكن من دفنه في المنطقة، مقابل مبلغ 250 ألف ليرة سورية، وهو ما حصل بالفعل، فأقمنا مراسم التشييع في مقبرة دير قانون المجاورة، بعد تقديم شهادة الوفاة إلى مكتب دفن الموتى”.

ثلاث عائلات أخرى في بلدة “جديدة الشيباني” المجاورة، سلكوا الطريقة للحصول على شهادات وفاة مزورة تمكنهم من دفن ذويهم في مقبرة البلدة، وضعوا خلالها أسباب الوفاة الإصابة بأمراض القلب والشرايين والعضال وغيرها، لقاء مبالغ قاربت تلك التي دفعها أحمد لاستصدار شهادة وفاة لجده.

أعداد وإحصائيات:
عدد الوفيات جراء الإصابة بفيروس كورونا في قرى وادي بردى بريف دمشق، تجاوز الـ 80 حالة وفاة، بينها 50 حالة لأبناء القرى الأصليين، و30 حالة للنازحين إليها، كونها تضم أكثر من 50 ألف نازحاً، معظمهم من محافظتي دير الزور والرقة شمالي شرق سوريا.

ووفقاً لمصادر طبية في المنطقة، فإن أعداد الإصابات بفيروس كورونا في وادي بردى، تجاوز الـ 1500 إصابة، بين أهالي المنطقة الأصلية والنازحين إليها.

المصدر: صوت العاصمة
الكاتب: فريق التحرير