شهد محيط مدينة حرستا في غوطة دمشق الشرقية، توافداً لمئات العناصر من مليشيات موالية للنظام، خلال الأيام الماضية، بأسماء رنانة لا توحي بأن هؤلاء هم عناصر لجيش بلد ما، بل هم أشبه بعصابات صغيرة لكل منها قائدها، هدفها التلذذ بقتل السوريين، وتدمير أكبر عدد من الأبنية فوف رؤوس ساكنيها.
حرستا التي عاشت سنين طويلة في هدنة غير معلنة مع النظام، تشهد اليوم معركة ربما تكون الأكبر في تاريخ الثورة في ريف دمشق؛ فمحيط المدينة أصبح محشراً بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، ولم تعد الشوارع الخاضعة لسيطرة النظام تتسع للمزيد من العسكر.
خلاف كبير بدا واضحاً بين صفوف المليشيات التي تقاتل باسم النظام في حرستا، منذ اليوم الأول للمعركة، وسيطرة المعارضة على مفاصل مهمة في المدينة جعلت من “إدارة المركبات” العسكرية محاصرة تماماً. الخلاف بدا لمن يراقب وسائل التواصل الاجتماعي على أنه لا يتعدى العالم الالكتروني، فحملات التخوين بين “الحرس الجمهوري” و”الفرقة الرابعة” ومقاتلي “المصالحات” لم تهدأ منذ أيام. لكن الأمر في الحقيقة تجاوز الجانب الإعلامي، ليكون واقعاً على الأرض، ولتتحول حرستا ساحة لعرض البطولات، وكسب ثقة القيادة، وتهميش الآخرين، بالنسبة للمليشيات الموالية.
ويُعتبر “الحرس الجمهوري”، ممثلاً بـ”اللواء 104” و”اللواء 105″، المسؤول الفعلي عسكرياً عن حرستا منذ زمن طويل، لكن الضربة التي تلقاها عند بدء المرحلة الثانية من معركة “بأنهم ظلموا”، وخسارته لمواقع حساسة، افقدته الثقة لدى قيادة النظام. وكأن “الحرس الجمهوري” بات “الطريدة” التي سقطت، وتكاثرت السكاكين حول رقبتها، فبدأت جحافل المليشيات تصل المدينة ومحيطها لاستعادة ما خسره “الحرس الجمهوري”.
أولى تلك المليشيات كانت “درع القلمون”، إذ خرج القيادي فيها أبو زيدون شمّو، ابن مدينة التل، على رأس مجموعات مقاتلة إلى مدينة حرستا، وجاءت حادثة انشقاق عدد من عناصره وقتلهم لعناصر في “الحرس الجمهوري” وتسليم المنطقة للمعارضة، بمثابة صفعة طالت “درع القلمون” التي لم تنجح في امتصاص هجمات المعارضة. وبدأت حملات التخوين من قبل المواليين و”الفرقة الرابعة” لمليشيا “درع القلمون” وعناصر “المصالحات”، ووصل التخوين إلى وزير المصالحة علي حيدر، الذي يرعى “التسويات” التي تنقل مقاتلي المعارضة إلى مليشيات النظام. وانسحب شمّو إلى التل مجدداً، وسحب معه بعض عناصره، وأبلغ قيادة المعركة أنه غير مستعد للمشاركة بعدما جرى.
مصدر إعلامي في مدينة التل، نشر في مواقع التواصل الاجتماعي خبراً يفيد بتعرض عناصر من “درع القلمون” لإصابات قريبة ومن الخلف أثناء تواجدهم مع “الحرس الجمهوري” في مدينة حرستا، مُرجحاً حدوث عملية انتقام من عناصر “المصالحات” تمت على يد عناصر “الحرس الجمهوري” لإبعادهم عن تلك الجبهة.
القياديين السابقين في “اللواء الأول” معاوية البقاعي الملقب “أبو بحر”، وسمير الشحرور الملقب بـ”المنشار”، اللذان شكلا مليشيا خاصة بهما تتبع لـ”درع القلمون” حاربت في البادية وريفي حماة وإدلب، رفضا مؤازرة القوات المشاركة في عملية حرستا. وعند اشتداد الخلاف مع قيادة “درع القلمون” في “الفرقة الثالثة”، أوضح البقاعي والشحرور أن المليشيا التابعة لهما لم تتلقَ دعماً من النظام حتى الآن، وأن كل الأموال التي تم صرفها هي من الأموال الخاصة بهما. أبو بحر والمنشار، شكلا ثروة هائلة من تجارة الحرب عبر الانفاق الواصلة إلى الغوطة الشرقية في السنوات الماضية. وأعلن أبو بحر والمنشار، للقيادة، أن مجموعتهما لن تخرج إلى حرستا، ولن تطيع الأوامر وستحارب أينما يروق لها، ولن تتلقى املاءات من أحد، فالقيادة لم تقدم على دعمهم مادياً منذ أكثر من ستة أشهر.
قيادة مليشيا “الدفاع الوطني” في دمشق، رفضت أيضاً أوامر المشاركة في معركة حرستا، وأبلغت قيادة النظام أن عناصرها لن يكونوا وقوداً لتلك المعركة، في الوقت الذي يجلس فيه عناصر “التسويات” في منازلهم، ويحصلون على مهمات تخوّلهم التجول في أنحاء سوريا بلا قتال أو زج على الجبهات. رئيس “قطاع دمشق القديمة” في “الدفاع الوطني” قال: “ها هي مناطق المصالحات تعج بالشباب الذين سويت أوضاعهم ومئات المتخلفين عن الخدمة، اذهبوا وزجوا بهم في جبهة حرستا، عناصرنا ليسوا للحرق ولن نعيد ما حصل في جوبر وداريا سابقاً”.
“الفرقة الرابعة” كانت قد صنعت من قائد “قوات الغيث” فيها؛ غياث دلة، “إله للحرب” أينما وضع قدميه ومجموعاته يحلّ النصر، خاصة مع النصر الأخير في السيطرة على بيت جن بعد عجز المليشيات الأخرى عن ذلك. “قوات الغيث” المشهورة باستخدام صواريخ “جولان” محلية الصنع، ذات القدرة التدميرية الكبيرة، بدأت الوصول إلى حرستا وسط تهليل إعلامي من قبل أذرع الـ”دلة” الإعلامية في مواقع التواصل الاجتماعي.
وفور وصول تلك القوات، بدأ الخلاف مع مجموعات “الحرس الجمهوري”. خلاف متجدد في كل معركة تلتقي فيها “قوات الغيث” مع مجموعات “الحرس الجمهوري”، حول آلية التوزع والانتشار وقيادة المعركة. فتم تسليم “قوات الغيث” منطقة “البعلة” في حي القابون، والتي سيطر عليها النظام قبل أشهر لتأمين المنطقة والحفاظ على الاتوستراد الدولي من أي خرق قد يحدث من مدينة حرستا، ولتكون المنطقة منصة إطلاق الصواريخ قصيرة المدى “جولان”. “قوات الغيث” بدأت بعمليات القصف بمعزل عن باقي التشكيلات، ومن دون تنسيق مباشر معها. الأمر الذي زاد من حدة التوتر بين تلك المجموعات المقاتلة، وسط تخوين مستمر لـ”الحرس الجمهوري” وتأكيد على ضرورة تسليم مواقعه لـ”الفرقة الرابعة”.
وتحت اسم “الفرقة الرابعة”، وبلا دعوة رسمية، وصلت مجموعة تُطلق على نفسها اسم “قوات النخبة”، يقودها سامر شاليش، قادمة من الساحل، لتشارك في معارك حرستا وتحصل على ثقة إضافية من القيادة، في حال استطاعت التقدم على حساب المعارضة.
ساحة لعرض العضلات؛ هكذا أضحى اتوستراد حرستا الدولي في الأيام الماضية. مجموعات تابعة لـ”قوات النمر” سهيل حسن، وصلت حرستا يقودها المدعو “ابو عرب شحيمي” من أبناء حرستا الموالين للنظام، وأحد المقربين من ذو الهمة شاليش سابقاً، والمرتزق الذي عمل مع سهيل الحسن منذ سنوات. “قوات النمر” أرادت عبر ابن حرستا “ابو عرب” الظهور في ريف دمشق، لتفرض اسمها في المنطقة، فلطالما ارتبطت بجبهات الشمال والشرق، وباتت تريد حجز مقعد لها في دمشق. وأحدث وصول مقاتلي “النمر” بلبلة إضافية، ووضعوا قيد الانتظار عند الاتوستراد الدولي في محيط كراجات العباسيين، ليحين دور مشاركتهم.
من الصنمين في درعا إلى حرستا في ريف دمشق، وصلت مجموعات مقاتلة من “الفرقة التاسعة” على رأسها العقيد نزار فندي، لتشارك كمثيلاتها في “ملحمة” فك الحصار عن إدارة المركبات، وسط تهليل “الوسائل” الإعلامية للفرقة. الفندي الذي لم يعمل في حرستا سابقاً جمع عناصره في محيط المدينة، وقام بإلقاء خطبة عصماء بهم، مشيراً إلى أن المعركة لن تستغرق إلا ساعات وسيتم فك الحصار عن المجموعات المحاصرة في إدارة المركبات، وتم تصوير ذلك الخطاب ونشره في وسائل التواصل الاجتماعي كإعلان لانطلاق المعركة.
ولم تقتصر المشاركة على كل من سبق ذكرهم، بل وصلت تعزيزات من المخابرات الجوية والأمن العسكري وميليشيا “درع الأمن العسكري”، ومقاتلين ممن “سويت أوضاعهم” في قدسيا والهامة في ريف دمشق، وحتى وزارة الداخلية أرسلت تعزيزات من “قوى الامن الداخلي” لحماية مبنى “الأمن الجنائي” في حرستا.
كثرة الفصائل المشاركة وحدة الخلافات بينها، حالت دون إطلاق المعركة، فالخلاف على تسمية قائد المعركة، ومناطق الانتشار، ومجموعات الاقتحام تسبب بتأجيل ساعة الصفر أكثر من أربع مرات. ولم تتوصل تلك المليشيات التي تنتشر في محيط مدينة حرستا إلى قرار واضح حول آلية خوض المعركة.
المصدر: جريدة المدن