ساعات من البحث عن فرصة عمل جديدة في أسواق العاصمة الأردنية عمان، يقضيها الشاب محمد يومياً، “إنما من دون جدوى”، كما تروي والدته (45 عاماً) لـ”سوريا على طول”، ليعود ويتقاسم مع والديه “هموم البحث عن مورد لتأمين مصاريفنا اليومية، كما مخاوف من عجز مالي قد يتسبب في طردنا من منزلنا”.
منذ لجوئها إلى الأردن في العام 2013، قادمة من مدينة معضمية الشام بريف دمشق، عاشت عائلة أم محمد ظروفاً اقتصادية جيدة مقارنة بغيرها من اللاجئين السوريين في الأردن، إلى أن خسرت العائلة مؤخراً، نتيجة تداعيات وباء فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19)، موردين ماليين كانا يتأتيان من عمل الزوج في شركة سياحة وسفر والابن في مصنع للحلويات. أما ما تحصل عليه العائلة المؤلفة من 5 أفراد من المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، فعبارة عن “مساعدات غذائية بقيمة 75 ديناراً أردنياً [105 دولارات أميركية]، غير كافية لتغطية احتياجاتنا” بحسب أم محمد.
ظروف اقتصادية مشابهة يعيشها في مدينة إربد شمال الأردن عدنان بشير (35 عاماً)، الأب لأربعة أطفال والذي لجأ إلى المملكة من محافظة القنيطرة جنوب سوريا. إذ بعد فقدانه عمله، بات عاجزاً عن إيجاد عمل بديل في ظل أزمة “كوفيد-19”. وإضافة إلى أنه لم يحصل على تعويض من صاحب العمل طيلة فترة تعطله منذ آذار/مارس الماضي، كما قال لـ”سوريا على طول”، فإن بشير غير مشمول ببرنامج مؤسسة الضمان الاجتماعي لدعم المتعطلين عن العمل (مساند) الذي أطلقته الحكومة الأردنية لدعم العمالة غير الأردنية المتعطلة عن العمل. ذلك “أنني غير مشترك في الضمان الاجتماعي. ولا أملك تصريح عمل أصلاً”، كما أوضح. مبدياً في الوقت ذاته تعاطفه مع صاحب العمل الأردني الذي يرى بشير أن “مصيبته أكبر من مصيبتي. فأنا خسرت الوظيفة، ولكنه أغلق متجره وخسر رأس ماله في الأزمة الحالية”.
وكان ممثل بعثة المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في الأردن، دومينيك بارتش، أكد في تصريح لوسائل إعلام أردنية، في حزيران/يونيو الماضي، أن “نسبة اللاجئين المحتاجين للدعم النقدي المباشر ارتفعت بشكل كبير خلال الأشهر الأخيرة نتيجة جائحة كورونا”. واستناداً إلى مسح أجرته المفوضية، كاشف بارتش عن أن “ثلث اللاجئين ممن كانوا يعملون سابقاً ليس لديهم عمل الآن”.
فوق ذلك، حذرت مسؤولة في منظمة مجتمع مدني أردنية تعمل مع اللاجئين السوريين من أن تداعيات أزمة كورونا على هؤلاء اللاجئين “كبيرة، بحيث لا يمكن حصرها أو معرفة أبعادها حتى الآن”. موضحة في تصريح لـ”سوريا على طول” شريطة عدم الكشف عن هويتها لأنه غير مصرح لها التحدث إلى الإعلام، أن المنظمة ما تزال في “في مرحلة تشارك البيانات مع المنظمات الأخرى وتحليلها لمعرفة حجم الكارثة”.
مخيمات اللاجئين
منذ شباط/فبراير 2017، سمحت الحكومة الأردنية للاجئين السوريين في المخيمات بالعمل خارجها. قبل ذلك، كان عشرات يزاولون أعمالهم خارج المخيمات، لكن بعيداً عن مظلة القانون،
في 15 آذار/مارس الماضي، وضمن التدابير الحكومية الاحترازية لمنع تفشي “كوفيد-19″، تم منع خروج ودخول جميع اللاجئين من وإلى المخيمات. وهو ما أدى بالشاب إبراهيم الحوراني (اسم مستعار) المقيم في مخيم الزعتري منذ العام 2012، إلى فقدان عمله في ورشة حدادة بمدينة المفرق القريبة.
ومع أن اللاجئين السوريين في المخيمات الرسمية على الأراضي الأردنية، والمقدر عددهم بنحو 120 ألف لاجئ، يستفيدون من السكن وخدمات مجانية من قبيل الخدمات الصحية والمساعدات الإنسانية، إلا أن ذلك “لا يكفي لتلبية احتياجاتنا اليومية”، كما يقول الحوراني (32 عاماً) الأب لطفلين، لـ”سوريا على طول”. مضيفاً أن “من لا يعمل، حتى وإن كان داخل المخيم، يبقى عاجزاً عن تأمين احتياجات أسرته”. لهذا، فإنه منذ تعطله عن العمل، لجأ الحوراني إلى الاستدانة لتأمين مصاريفه اليومية، في وقت صار “إيجاد فرصة عمل داخل المخيم حالياً أشبه بالحلم”، على حد تعبيره.
وفيما كانت المعلمة رهف عادل (اسم مستعار) أفضل حالاً من نظرائها في المخيمات، إذ استمرت طيلة أشهر حظر التجول الذي فرضته الحكومة الأردنية منذ منتصف آذار/مارس الماضي إلى الآن، في مزاولة عملها عبر الإنترنت مع إحدى المنظمات الدولية التي تدعم قطاع تعليم اللاجئين السوريين. لكن في مطلع حزيران/يونيو الماضي تلقت إنذاراً من المنظمة “بعدم إمكانية تجديد عقدي مع المنظمة، لأسباب مرتبطة بانخفاض الدعم وعدم قدرة المنظمة تجديد المشروع الذي كنت أعمل فيه”، كما قالت لـ”سوريا على طول”، بحيث توقف عملها رسمياً منذ مطلع الشهر الحالي.
وكما حال غالبية اللاجئين، فإن معاناة عادل التي كانت تتقاضى 120 ديناراً أردنياً (170 دولار) راتباً شهرياً، ليست معاناة فردية، كونها المعيل الوحيد لأسرتها المكونة من خمسة أفراد، إذ “لا يسمح بعمل أكثر من شخص في وثيقة المفوضية الواحدة لمن هم داخل المخيم”، كما ذكرت، وهو ما أكده المتحدث باسم المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في الأردن، محمد الحواري، في حديثه إلى “سوريا على طول”.
وأوضح الحواري أن “برنامج المال مقابل العمل، هو برنامج تطوعي يتم تنفيذه داخل المخيمات يشترط عمل فرد واحد من الأسرة، وذلك بهدف إتاحة العمل للجميع داخل المخيمات”، أما بالنسبة “لتصاريح العمل في سوق العمل الأردني فلا يشترط حصر العمل بشخص واحد في الأسرة، وأي شخص يبلغ السن القانوني بإمكانه دخول سوق العمل والحصول على تصريح ضمن شروط وزارة العمل الأردنية”.
ورغم أن الأردن بدأ بتخفيف الإجراءات الاحترازية منذ مطلع حزيران/يونيو الماضي، من قبيل فتح مزيد من القطاعات التجارية والصناعية، وتالياً السماح بالتنقل بين المحافظات الأردنية، فإن منع الخروج من المخيمات أو الدخول إليها ما يزال سارياً، كما أكدت مصادر عدة لـ”سوريا على طول”.
لكن “حتى إن سمح بالحركة خارج المخيمات، تظل هناك تحديات أخرى للعاملين من سكانها”، كما يلفت مسؤول في منظمة دولية تحدث إلى “سوريا على طول” شريطة عدم الكشف عن اسمه لأنه غير مخول بالحديث إلى الإعلام، لاسيما وأن العاملين من قاطني المخيمات “يسمح لهم بالخروج بموجب تصريح العمل، والعشرات منهم انتهت صلاحية تصاريح عملهم خلال فترة الحظر أو شارفت على الانتهاء”.
التداعيات على الأسرة
لطالما كان نمط حياة أم محمد، منذ لجوئها قريباً مما كان عليه قبل ذلك. إذ تتقاسم مع زوجها إدارة بيتها، لكن لا يشغل اقتصاد العائلة أو عمل زوجها وابنها حيزاً من تفكيرها كما اليوم. إذ إن انقطاع زوجها وابنها عن العمل وضعها “في وسط المشكلة” كما تقول. فإلى “جانب تدهور الأوضاع المادية للعائلة، بما انعكس على صحة زوجي، أجد نفسي مجبرة على إيجاد حل، لكنني عاجزة في الوقت نفسه عن ذلك”.
وإضافة إلى الاضطرار إلى “الاستغناء عن اللحوم والفواكه”، يبدو الأصعب، كما تضيف أم محمد، وقوفها “عاجزة أمام طلبات ابنتها الصغيرة، ذات الخمس سنوات.
العجز ذاته تصفه رهف إزاء احتياجات أطفالها. يضاف إلى ذلك جانب مهم آخر، هو أن “عدم السماح للاجئين بمغادرة المخيمات يعني حرمان الأطفال من زيارة ذويهم خارج المخيم أو قضاء أوقات بعيداً عن أجوائه” كما تلفت رهف.
في هذا السياق، يرى بشير أن “تداعيات فقدان فرصة العمل أكبر من أن توضع في إطار اقتصادي، لأن انعكاسها على الظروف العائلية والنفسية ربما يكون أكثر خطورة”.
مع ذلك، لا يبدو أن ثمة رغبة لدى اللاجئين في العودة إلى سوريا، وفقاً لبارتش، الذي عد هذا الأمر مفهوماً. إذ رغم أن نحو 79% من اللاجئين السوريين في الأردن، والذي يبلغ عدد المسجلين منهم لدى المفوضية 657,287 لاجئاً، يعيشون تحت خط الفقر حتى ما قبل ظهور وباء كورونا، فإن “أسباب اللجوء التي دفعت هؤلاء الأشخاص إلى مغادرة بلادهم؛ ما تزال قائمة، ولم يتغير الكثير”، بحسب بارتش.
هكذا لا يبقى من حل برأي أم محمد التي تخشى على ابنها الخدمة العسكرية الإلزامية في حالة العودة إلى سوريا، حيث عانى زوجها الاعتقال سابقاً في سجون النظام، إلا “الحصول على فرصة توطين عبر المفوضية حتى نعيش بكرامة”.
المصدر: موقع سوريا على طول Syria direct