المدن –
نشرت وسائل إعلام مقربة من النظام، خلال الأيام الماضية، تقارير تتحدث عن مفاوضات تجري لتوقيع اتفاق “مصالحة” بين فعاليات القلمون الشرقي المدنية وقوات النظام، كما نقلت صفحات في مواقع التواصل الاجتماعي الخبر، وتحدثت عن اجتماعات واسعة لتمرير هذا الاتفاق، لتبدو الصورة وكأن النظام سيستعيد السيطرة أخيراً على جبال القلمون الشرقية، بعد أيام من انسحاب تنظيم “الدولة الإسلامية” من القلمون الغربي إلى ريف ديرالزور.
ونشر بعض المتابعين صوراً لتجمع أهلي في بلدة القريتين في ريف حمص، الخاضعة لسيطرة النظام، قيل إنه ضمّ ممثلين عن بلدتي جيرود والرحيبة (رؤساء بلديات ومخاتير سابقين) التقوا مع وفد من النظام وآخر روسي، لمناقشة “المصالحة”.
الوقائع كانت على عكس ذلك؛ إذ إن الفصائل الرئيسية العاملة في القلمون الشرقي كانت قد دخلت في مفاوضات مباشرة مع الجانب الروسي لضمّ القلمون الشرقي إلى اتفاق “خفض التصعيد”. عضو المجلس المحلي لمدينة جيرود أبو الحسن، قال لـ”المدن”: “النظام حاول الالتفاف على اتفاق تم توقيعه بشكل مبدئي مع روسيا، لينضم القلمون الشرقي إلى مناطق خفض التصعيد”.
الناطق باسم “تجمع أحمد العبدو” سعيد سيف، قال لـ”المدن”: “لقد اتفق مندوبنا خلال اجتماعات جرت مع مندوبين من الحكومة الروسية، على ضم القلمون الشرقي إلى مناطق خفض التصعيد، بعد التنسيق مع فصائل الجبهة الجنوبية، على أن يتم التوقيع النهائي بعد دخول وفد روسي إلى المنطقة وتحديد مناطق انتشار قوات المعارضة والنظام لترسيمها في الاتفاق وتعيين المعابر التي سينتشر فيها عناصر الشرطة العسكرية الروسية”.
وكان من المقرر أن يدخل الوفد الروسي إلى المنطقة، الإثنين، إلا أن قيادة “الفرقة الثالثة” و”المخابرات الجوية”، رفضت ذلك بحجة وجود مخاطر أمنية، في ما يبدو محاولة لعرقلة الجهود الرامية إلى توقيع الاتفاق.
وكانت فصائل القلمون الشرقي المنتشرة بين مهين والضمير، قد سعت منذ بدأ “فيلق الرحمن” التفاوض مع روسيا للانضمام إلى اتفاق “خفض التصعيد” في الغوطة الشرقية، إلى ضم ملف القلمون الشرقي إلى هذا الاتفاق. وبدأ بعد ذلك مسار من المباحثات بين مندوبين عن الفصائل وروسيا، انتهى بعقد اجتماعات في الأردن، ضمّت ممثلين عن “الجبهة الجنوبية” بالإضافة إلى فصائل القلمون الشرقي ومندوبي الحكومة الروسية.
مسؤول التواصل في قطاع جيرود أبو خالد، قال لـ”المدن”: “خلال الاجتماع الذي جرى في الأردن تم التوقيع بالحروف الأولى على الاتفاق، على أن يتم الإعلان عنه بعد دخول الوفد الروسي إلى المنطقة”. وتؤيد غالبية الفعاليات المدنية والثورية في المنطقة، فصائل المعارضة في توقيعها على الاتفاق، الذي سيضمن الحد الأدنى من وجهة نظرهم.
وعلى خلاف اتفاقيات “المصالحة” فإن الانضمام إلى اتفاقيات “خفض التصعيد” المتفرع عن مقررات أستانة، يعني عدم تقديم تنازلات للنظام، والإبقاء على أوراق ضغط أساسية في يد المعارضة من بينها السيطرة على مناطق عبور خط الغاز الرئيسي الذي يخدّم دمشق ومحيطها. في المقابل، يريد النظام الالتفاف على هذا المسار بأي طريقة، عبر استخدام شخصيات مقربة منه في المنطقة، واستباق التوقيع النهائي على اتفاق “خفض التصعيد” باتفاق “مصالحة” يقطع الطريق أمام التحرك الروسي. الأمر الذي أكدت الفصائل والفعاليات الثورية في المنطقة على رفضه بشكل قاطع.
وتأتي محاولات النظام لعرقلة الاتفاق لأسباب متعددة؛ فمنطقة القلمون الشرقي تشكل جزءاً من السوار الجبلي الواسع حول العاصمة دمشق، وتعتبر نقطة اتصال استراتيجية مع البادية، كما تنتشر ضمنها “الفرقة الثالثة” التابعة لقوات النظام التي تشكل جزءاً رئيسياً من قدرات النظام العسكرية، هذا عدا عن وجود مطارات عسكرية رئيسية في المنطقة منها مطار “السين” العسكري ومطار الضمير، كما تضم المنطقة “اللواء 155 صواريخ” المتخصص بالصواريخ الباليستية.
لذا، فإن بقاء القوة العسكرية الكاملة للمعارضة في المنطقة، من دون ترحيلها كما جرى في اتفاقات “مصالحة” سابقة رعاها النظام خلال العام الماضي، يعني استمرار تهديد تلك المواقع الحيوية. وبحسب مصدر مطلع من المنطقة، فإن تحركات أجهزة النظام تحمل بصمات إيرانية؛ فالحليف الإقليمي الأكبر للنظام قد يرى في ذلك إضعافاً لنفوذه الواسع في محيط دمشق، واستمراراً لتهديد مواقع ذراعه “حزب الله” في القلمون الغربي.
وفي حين لم يعلن عن اتفاق “خفض التصعيد” رسمياً حتى اللحظة، فإن محاولات النظام قد تنجح في تأجيله، إلا أن مسار التفاوض قد بدأ ليُثبّتَ خلال الفترة المقبلة الخريطة الاستراتيجية لمنطقة ريف دمشق. “خفض التصعيد” سيؤمن الاستقرار للقلمون الشرقي، الأمر الذي سيخفف الضغط معنوياً على الأقل على قطاع البادية في “تجمع أحمد العبدو”، والذي يقاتل قوات النظام إلى جانب “جيش أسود الشرقية” في معركة مفتوحة لتثبيت وجودهم جنوبي البادية السورية.
المعارضة في المنطقة مطمئنة إلى سير الاتفاق مع روسيا، رغم مضايقات النظام. مسؤول التواصل في قطع جيرود قال لـ”المدن”: “قدمت فصائل الجبهة الجنوبية لنا ضمانات بربط استمرار اتفاقها مع روسيا بضم القلمون الشرقي إلى مناطق خفض التصعيد، وسيكون هذا الضغط حاسماً لجهة تطبيق الاتفاق”.
وبالرغم من حصارها من قبل قوات النظام، فإن ثبات قوات المعارضة في منطقة تقع على طريق دمشق-حمص، وتعد الحد الفاصل بين ريف دمشق والبادية، يعتبر إنجازاً سياسياً وعسكرياً في مواجهة ظروف إقليمية ودولية أتاحت للنظام استعادة سيطرته لمساحات واسعة من سوريا.