وتتحدث المرأة الخمسينية عن عثورها أكثر من مرة على مواد غذائية منتهية الصلاحية في البقاليات والمحال داخل بلدة جرمانا بريف دمشق حيث تقطن، وعن رفضها القاطع شراء تلك المواد “رغم أنها أحياناً أقل سعراً من غيرها”.
من دمشق إلى حلب مروراً بحمص وحماه، يكاد لا يمر شهر دون أن تبث وسائل إعلام محلية رسمية أخباراً عن ضبط مئات الكيلوغرامات من المواد الغذائية منتهية الصلاحية، والتي تقوم وزارة التموين وحماية المستهلك بمصادرتها وإتلافها على حد زعمها.
ومع ذلك، تستمر تلك البضائع والمواد الغذائية بغزو الأسواق السورية، ليقع الكثير من السوريين ضحيتها في حالات تسمم ومرض وإصابة بالعديد من الأوبئة التي يمكن لها أن تكون ذات آثار صحية خطيرة كأمراض المعدة وحتى التيفوئيد.
شحنات أغذية فاسدة في قبضة الحكومة
سجلت الأشهر الفائتة عدة حالات ضبط “وزارة التموين وحماية المستهلك” السورية لشحنات سلع فاسدة ومخالفات شتى في أسواق دمشق، وعلى رأسها اللحوم والدجاج والأسماك المفرزة، والتي يتم بيع بعض منها على البسطات المكشوفة دون مراعاة لأدنى شروط النظافة.
ففي شهر أيار الفائت، ذكر أحد المواقع المحلية حادثة مصادرة لحوم ناعمة وأسماك فاسدة في سوق باب سريجة، وتكررت حوادث مشابهة خلال الأسابيع التالية في عدة أسواق مختلفة، حيث أكد أحد أعضاء جمعية حماية المستهلك ويدعى محمد بسام درويش حضور دوريات التموين لأماكن المخالفات ومصادرتها البضائع المخالفة للمواصفات والتي تباع بشكل مكشوف مما يعرض حياة من يشتريها لمخاطر جسيمة.
أما المحافظات الأخرى فقد شهدت كذلك حالات فساد مشابهة خلال الأشهر الأخيرة. فقد أوردت صحيفة تشرين الرسمية منذ حوالي شهر خبراً يفيد بمصادرة أكثر من 300 كغ من المواد الغذائية منتهية الصلاحية من أسواق الحسكة، تضمنت المعلبات واللحوم وبعض المواد الغذائية منتهية الصلاحية وغير الصالحة للاستهلاك البشري، وقبل ذلك بشهرين تحدثت الصحيفة نفسها عن ضبط مئات الكيلوغرامات من المواد الغذائية والمغشوشة ومجهولة تاريخ الإنتاج والمصدر وذلك في مدينة حلب. كما نشرت وكالة سانا السورية الرسمية للأنباء خبراً عن ضبط العديد من المواد الغذائية منتهية الصلاحية من أسواق حمص منذ عدة أشهر، “رغم تشديد الرقابة على الأسواق والمحال التجارية”.
كما أوردت صفحة دمشق الآن منذ أيام خبراً عن ضبط عشرات الأطنان من المواد الغذائية منتهية الصلاحية في أحد مستودعات مدينة اللاذقية، مرفقة إياه بصور تظهر أصنافاً مختلفة من المواد الغذائية المعبأة والمغلفة.
وتتكرر هذه الأخبار بشكل دوري، ونتيجة ذلك يصل عدد الضبوط التموينية التي تنظمها وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك يومياً إلى أكثر من مئة ضبط بسبب بيع مواد فاسدة منها اللحوم والزيوت ورب البندورة والطحينة والدبس، في مؤشر على مدى انتشار هذه الظاهرة والعجز عن الحد منها.
من المسؤول؟
يصعب التحقق من مصدر هذه البضائع الفاسدة ومنتهية الصلاحية ومن أين يتم استيرادها بشكل دقيق والكيفية التي تدخل بها إلى الأسواق السورية، كما لا يمكن الحديث عن مسؤولية الحكومة السورية واضطلاع مسؤولين فيها بصفقات إدخال مواد فاسدة للأسواق، إلا أن احتمال ذلك يبقى قائماً في بلد يتغلغل الفساد في كافة مفاصله.
وضمن هذا السياق، تلعب المحسوبيات المنتشرة في جهاز الرقابة التمويني دوراً في استمرار هذه الظاهرة، رغم آلاف الضبوطات التي تنظم شهرياً، والتي لا يبدو حتى اليوم بأنها تساهم في وضع حد لاستمرار بيع هذه البضائع، حيث يبدو بأن كثيراً من كبار التجار وأصحاب المحال باتوا قادرين على التهرب من تلك الرقابة بدفع رشى تساهم في غض البصر عن ممارساتهم المخالفة للقانون.
ومما لا شك فيه بأن السوريين في داخل البلاد اليوم باتوا تحت رحمة تجار الحرب والمتنفذين وجشعهم وحرصهم على مضاعفة أرباحهم، مستغلين ضعف الرقابة وفسادها، ولجوء أصحاب الدخول المتدنية لشراء مواد أقل سعراً، وإن كان على حساب سلامتهم وصحة أطفالهم.