بحث
بحث

سهل الزبداني.. سياحة على أنقاض الحرب



الجزيرة نت
بعد الخراب والدمار اللذين لحقا بسهل الزبداني غربي العاصمة دمشق، يسعى النظام السوري في محاولات حثيثة لإعادة عجلة السياحة إليها -بعد أن حاصره وهجر أهله- كنوع من الدعاية التي يستمر النظام في بثها حول تجارب المصالحة الوطنية الناجحة

إذا كنت تعيش في سوريا الأسد فلن يكون غريبا أن تذهب في جولة سياحية في بلدة أو مدينة كانت تشهد حربا ضروسا منذ أشهر، فالنظام السوري لا يجد حرجا في فتح أحياء مدمرة عن بكرة أبيها أمام الزوار، مدعيا أنه دمار “من فعل الإرهاب”
بعد مرور نحو شهرين على إتمام المصالحة في بلدتي مضايا والزبداني الواقعتين بريف دمشق الغربي، تجولت الجزيرة نت في منطقة سهل الزبداني، راصدة الدمار في بعض أجزائه والحياة المستعادة في أجزاء أخرى
 
كانت البداية مع بلدة مضايا التي عانت آلاف العائلات فيها حصارا مريرا فرضته قوات النظام وحواجز حزب الله اللبناني لمدة تزيد عن عام ونصف العام، وانتهى بخروج مئات المقاتلين والمدنيين إلى محافظة إدلب شمالي البلاد أواخر أبريل/نيسان الماضي كجزء من اتفاق المصالحة والتسوية في المنطقة
لا دمار واسع النطاق في مضايا، فما عدا آثار بعض القذائف والصواريخ على جدران عدد من الأبنية والمساجد وواجهات المحال المنتشرة على طرفي الطريق الأساسي، بدت البلدة بحال جيدة وهي تستعيد الحياة في أركانها
 
تتحدث أم إياد، وهي تجلس أمام عتبة منزلها، عن أن مئات العائلات عادت منذ بداية شهر مايو/أيار الماضي، “فالحياة في منزل متضرر أفضل من بيت بالأجرة في دمشق أو ضواحيها”
وتشير إلى المحال التي بدأ أصحابها بإصلاحها رغبة منهم في إعادة افتتاحها، “كان سوق مضايا مشهورا ببيع الملابس والأحذية والدخان، التي اعتاد التجار تهريبها من لبنان بشكل أساسي. لم تفتح بعد كافة المحال، وما عدا بعض البقالات والمطاعم الصغيرة، لا نعرف بعد إن كانت التجارة ستعود كالسابق”. وتصمت ثم تتابع المهم أن الحرب والحصار وليّا دون عودة
ومن جانب آخر، يتحدث ناشطون من البلدة عن تسجيل عدة حالات اعتقال خلال الأسابيع الماضية، مما يدفع السكان للحياة بحذر شديد تجنبا لأي مشاكل محتملة
أما بلدة بلودان، التي تنتشر المطاعم والفنادق في الأجزاء العلوية منها، فيتحدث سكانها عن محاولات النظام الحثيثة لإعادة عجلة السياحة إليها بأسرع وقت كنوع من الدعاية التي يستمر النظام ببثها حول تجارب المصالحة الوطنية الناجحة
تزداد الحركة صعودا باتجاه ساحة مطاعم بلودان، وهناك تقف عشرات السيارات وتمتلئ معظم المطاعم بالزبائن، في مشهد يبدو غريبا بعض الشيء، وآثار الدمار الهائل في الزبداني المجاورة لا تبعد سوى مئات الأمتار
يقول أحد العاملين في مطاعم بلودان إن النظام سارع بعد يومين من إتمام عملية المصالحة وترحيل السكان من المنطقة إلى إرسال وفود لمطالبة أصحاب المطاعم بافتتاحها بأي ثمن، تبع ذلك وصول وفود إعلامية لتصوير عودة الحركة السياحية للبلدة
 
حكاية الزبداني
ويضيف العامل -الذي فضل عدم الكشف عن اسمه- في حديثه للجزيرة نت أن بعض المطاعم تضررت بشكل جزئي، كما أن شبكة الكهرباء والمياه لا تزال بحاجة لبعض الإصلاحات. رغم ذلك، تستمر مئات العائلات بالمجيء يوميا خاصة أيام العطل، فهي تفتقد التنزه في مناطق خارج دمشق، والنظام يستغل حضورها حيث تستمر كاميراته في رصد الحركة السياحية في بلودان بشكل شبه يومي
وللزبداني حكاية أخرى لا تشبه جاراتها، فمع مغادرة بلودان والاقتراب من الزبداني تلوح آثار الحرب التي لم تترك منزلا أو أرضا دون حرق أو تدمير
يقدر ناشطون نسبة الدمار في منازل الزبداني وبنيتها التحتية بأكثر من 90%، وبحسب ما رصدته الجزيرة نت، فإن كافة منازل المدينة غير صالحة للسكن، كما أن الأراضي الزراعية التي اشتهرت بها قد حرقت في معظمها
رغم ذلك، لم تخلُ شوارع المدينة من بعض السكان الذين يحاولون إخراج ما يمكن إخراجه من منازلهم المدمرة، أو ترميم بعض أجزائها لعلهم يتمكنون من العودة إليها
وعلى عكس ما كان متوقعا، لا يزال محيط سهل الزبداني خاليا من أي وجود روسي، في حين يقتصر الوجود الإيراني ممثلا بحزب الله على نقطة واحدة موجودة في بلدة بلودان، بحسب حديث الناشط عامر برهان للجزيرة نت
ويؤكد الناشط -الذي خرج من الزبداني إلى إدلب- انسحاب حزب الله من النقاط التي كان يسيطر عليها، إضافة إلى الجبال المحيطة بالمنطقة، واستلام جيش النظام كافة تلك النقاط
كما ينوه إلى محاولة الأهالي إعادة استثمار أراضيهم الزراعية، إلا أن احتراق معظم هذه الأراضي في السهل، وسرقة كافة معدات ضخ المياه وتوليد الكهرباء تزيد من صعوبة ذلك، أما تلك الأراضي الموجودة في الجبال المحيطة فيحول انتشار الألغام التي زرعتها الحواجز دون إمكانية العمل فيها، حيث سجلت حتى الآن أربع حالات بتر نتيجة انفجار الألغام
ويضيف برهان لا مكان للعائلات كي تعود، معظم المنازل داخل المدينة حيث كنا نعيش مدمر تماما، ولم يتمكن سوى 10% من السكان من العودة إلى أطراف المدينة التي تعتبر أقل دمارا، وربما أكثر صلاحية للسكن
اترك تعليقاً