المدن –
من المفترض أن تخرج، الإثنين، الدفعة الأخيرة من المُهجّرين قسرياً من حي برزة الدمشقي، باتجاه الشمال السوري. وسيتم نقل رافضي “التسوية” مع النظام إلى مدينتي إدلب وجرابلس، وذلك بعدما كان النظام قد رفض الإخلاء إلى جرابلس في الدفعات السابقة. وشهد حي برزة مساء الأحد، تظاهرة لمدنيين وعناصر من المعارضة المسلحة، تخللها إطلاق نار في الهواء، مطالبين بتأجيل خروج الدفعة الأخيرة إلى ما بعد شهر رمضان.
إخلاء الدفعة الأخيرة يأتي بعد أكثر من عشرة أيام على توقف المفاوضات لأسباب متعددة، منها ما صار واضحاً كعملية نقل مجموعات من “حركة أحرار الشام الإسلامية” و”جيش الإسلام” و”هيئة تحرير الشام” نحو الغوطة الشرقية، بسلاحهم الفردي ومرافقة “الحرس الجمهوري” و”الدفاع الوطني” راعيي الاتفاق. وخرجت عشرات السيارات، قبل أسبوع من الحي باتجاه الغوطة الشرقية، عبر “ضاحية الأسد”. وعادت تلك القافلة أدراجها إلى برزة، بعد ساعتين، بسبب خلاف مع مجموعة تابعة لـ”الفرقة الرابعة”، قامت بإيقاف القافلة في منتصف الطريق، بحجة نقل كميات كبيرة من الذخائر والأسلحة الثقيلة والطعام، خلافاً لـ”المتفق عليه” أو الذي لم تكن تعلم به “الفرقة الرابعة”. وتم تطويق القافلة بالكامل، والسيطرة على السيارات الإضافية بما فيها من ذخائر وأسلحة ثقيلة وغذائيات ودخان، وإعادة العناصر بسلاحهم الفردي نحو حي برزة.
صفحات تابعة لـ”الفرقة الرابعة” في مواقع التواصل الاجتماعي، اتهمت بشكل غير مباشر كلاً من “الدفاع الوطني” الذي يتزعمه في المنطقة فادي صقر، و”الحرس الجمهوري” الذي يتزعمه العميد قيس فروة، بتهريب “ذخائر ومسلحين” باتجاه الغوطة الشرقية. الصفحات أكدت مصادرة كافة السيارات وتسليمها لـ”الجهات المختصة”، فيما لم يصدر عن إعلام النظام الرسمي أي تصريح حول تلك العملية. واستهدفت العملية بشكل مباشر كلاً من قيس فروة وفادي صقر، اللذين عُرفا بعلاقتهم الودية مع بعض قيادي الفصائل في حي برزة، ومشاركتهم التجارة باتجاه الغوطة الشرقية قبل السيطرة على أحياء القابون وتشرين وتدمير كافة الأنفاق التي تربط المنطقة بالغوطة الشرقية. ولكل من فروة وصقر نصيب من التجارة التي تمارسها الفصائل باتجاه الغوطة، عبر تسهيل مرور البضائع عبر حواجز النظام المحيطة بالحي، إضافة إلى تسهيل مرور الذخائر عبر عناصر تابعين لـ”اللجان الشعبية” و”الدفاع الوطني” في عش الورور ذي الغالبية العلوية المحاذي لحي برزة. صفحات “الفرقة الرابعة” أطلقت عليهم اسم “دواعش الداخل” في دليل على تعاملهم مع فصائل الحي قبل محاصرته من قبل قوات النظام.
وقالت مصادر عسكرية تابعة للنظام، في تصريح غير مباشر لـ”المدن”، إنه وبعد حادثة نقل المجموعات من حي برزة إلى الغوطة الشرقية، والتي جرت بشكل سري جداً وبعيداً عن الوسط الإعلامي الموالي والمعارض، قامت قيادة الأركان بـ”كسر” رتبة “قيس فروة” من عميد إلى عقيد، بعد اتهامه بتسهيل إدخال الأسلحة الثقيلة والغذائيات إلى الغوطة الشرقية. ولم يتسنَ لـ”المدن” التحقق من تلك المعلومات.
حادثة إيقاف الإخلاء باتجاه الغوطة الشرقية أثرت على سير المفاوضات بشكل مباشر، ولم يعد الخروج إلى الغوطة متاحاً الآن. وبات يُفرض على كل من يرفض “التسوية” و”المصالحة” التهجير القسري باتجاه الشمال السوري، وعلى رأسهم قائد “أحرار الشام” في حي برزة حسان هاشم، والذي كان طرفاً أساسياً في المفاوضات مع القيادي في “اللواء الأول” الملقب بـ”المنشار”.
ويحيط الغموض بملف حي برزة بعد خروج آخر دفعة نحو الشمال السوري، إذ لم يتبقَ من مقاتلي المعارضة إلا قلة قليلة داخل الحي، مع عدم توضيح من قبل “لجنة المصالحة” ماهية التفاوض الخاص بالحي، والذي لم يتم التصريح عنه حتى الآن. ولا يزال الكلام محصوراً بـ”خروج الغرباء” عن الحي فقط، رغم إخلاء المئات من أبناء حي برزة باتجاه الشمال في الدفعات الماضية.
مصادر “المدن” تؤكد أن حي برزة لن يخضع في الأيام القادمة بشكل كامل لسيطرة النظام، وستبقى فيه عناصر لحماية الحي بالتنسيق مع “راعي” الاتفاق “الحرس الجمهوري” و”الدفاع الوطني”، مع تسليم السلاح الثقيل ودخول مؤسسات “الدولة” إليه وإعطاء مهلة ستة أشهر للمتخلفين عن الخدمتين الإلزامية والاحتياطية لـ”تسوية أوضاعهم” كما حدث في مناطق الريف الدمشقي التي خضعت لاتفاقات “مصالحة” مع النظام.
في المقابل، وفي حي القابون الدمشقي المجاور، الذي خضع قبل أسبوعين تقريباً لسيطرة النظام بشكل كامل، لا تزال مليشيات “الدفاع الوطني” و”الحرس الجمهوري” تفرض طوقاً أمنياً في محيطه، يمنع خروج أو دخول المدنيين إليه، واستمرار عمليات “التعفيش” وإحراق كابلات الكهرباء لاستخراج النحاس منها. وتُشاهد سحب الدخان الأسود يومياً فوق حي القابون، مع رصد سيارات تخرج من الحي محملة بالأثاث المنزلي وخزانات المياه والردم والألمنيوم، ليتم بيعها في “ضاحية الأسد” والتل وصحنايا في ريف دمشق.