بحث
بحث

بشر الصبان.. محافظ غاب عن الأخبار بعد 12 عامًا من إدارة دمشق

مر عام على عزل رئيس النظام السوري، بشار الأسد، محافظ مدينة دمشق، بشر الصبان، بعد خدمة دامت 12 عامًا، وسط زحمة التعديلات الوزارية التي جرت في تشرين الثاني من عام 2018، ليختفي ذكره من وسائل الإعلام المحلية والعالمية، سوى من نشرة تجديد العقوبات الدولية في أيار الماضي.

شهدت دمشق في عهد الصبان ما لم تشهده في عهد من سبقوه، من “احتفالات شعبية” تزامنت مع قصف وتهجير وطرد لسكان أحياء من العاصمة، وغرق لأحياء أخرى، كما عمل على مشاريع كُرست لخدمة المتنفذين في النظام وحلفائه الإيرانيين، مطلقًا مرحلة “إعادة الإعمار” بمخططات تنظيمية ومشاريع سكنية لم ترَ النور، وفتحت بوجهه آلاف الدعاوى القضائية وقادت الطريق لإنهاء مسيرته الإدارية.

طبيب لم يمارس الطب
بشر الصبان، الذي ولد في دمشق عام 1966، تسلم المناصب الحزبية والإدارية، من خلال علاقاته بالمسؤولين وزواجه من المهندسة المعمارية ميساء غزال، ابنة اللواء زهير غزال أمين عام رئاسة الجمهورية في عهد حافظ الأسد، وابنة عم إياد غزال مدير القصر الجمهوري في حلب سابقًا ومحافظ حمص لاحقًا، قبل أن يقال من منصبه عقب الاحتجاجات الشعبية عام 2011.

كما ربطته علاقة قوية بابن خال رئيس النظام السوري بشار الأسد، رامي مخلوف، الذي استخدمه لتنفيذ مشاريعه الخاصة في دمشق، حسبما قال لعنب بلدي مهندس مدني شغل مناصب في محافظة دمشق سابقًا وينشط حاليًا في مجال حقوق الملكيات والإسكان في سوريا، تحفظ على ذكر اسمه.

تخرج الصبان في كلية طب الأسنان بجامعة دمشق، وشغل منصب عضو مجلس المحافظة ونائب رئيس المجلس منذ عام 1999 حتى 2002، وعضو قيادة شعبة المهاجرين لحزب البعث العربي الاشتراكي حتى استلامه منصب المحافظ ما بين 2006 و2018.

لم تكن للصبان إنجازات ملحوظة على الصعيد الخدمي في العاصمة قبل بدء الاحتجاجات الشعبية، سوى تقارير انتقدت سياسته التنظيمية، التي عمد وفقها عام 2007 إلى إخلاء طريق في حي كفرسوسة مسببًا تشريد عشرات العائلات، لبناء مقر رئاسة الوزراء، ومهددًا قلب المدينة العتيق، المحمي من منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو)، بالهدم، لاستحداث طريق يوصل إلى مقر الوزراء، حسبما نقلت صحيفة “The New York Times” في أيار 2007.

ولكن الوثائق المسربة التي ربطته بتسخير خمسة آلاف عامل في مديريات الحدائق والنظافة لمساعدة رجال الأمن في قمع الاحتجاجات السلمية، منذ عام 2011، رسمت صورة أوضح عن الصبان لبقية السوريين.

الأوروبيون: تمييز ضد المجتمع السني
شارك الصبان بالحفاظ على “أمن” دمشق، من خلال تشكيله غرفة عمليات نسقت بين عمال النظافة والحدائق وقوات الأمن التي قادت حملات الاعتقال بحق المتظاهرين السلميين عام 2011، ومن خلال تخريج فصائل “الحماية الذاتية” من سكان العاصمة، لـ “ترسيخ دعائم الأمن والاستقرار والدفاع عن المدينة”، نهاية عام 2015.

وشهدت دمشق برعايته احتفالات، بمشاركات شبابية، لم تبالِ بأصوات القصف المستمر على أطراف العاصمة، ورفعت شعار “أنا أحب دمشق” بماراثون انطلق في “يوم الابتسامة العالمي”، في 7 من تشرين الأول من عام 2016.

استخدم المشاركون خلال الاحتفالية الألوان والأصبغة، مع الرقص في ساحة الأمويين، تعبيرًا عن أن “إرادة الشعب لن تنكسر”، حسبما قال الصبان للمراسلين، مشيرًا إلى “النصر القادم بيد قوات الجيش السوري”، قبل نصب كلمات شعار الاحتفال باللغة الإنجليزية وسط الساحة.

لحق احتفال الصبان فرضُ العقوبات الاقتصادية الأوروبية عليه في الشهر ذاته، ووصف بأنه “داعم للنظام ومسؤول عن القمع العنيف للمدنيين في سوريا، بما في ذلك التورط في ممارسات تمييزية ضد المجتمع السني في العاصمة”، بحسب تعبير موقع الاتحاد الأوروبي.

وسرعان ما اتسخت حروف “I Love Damascus” بعد أقل من شهرين إثر غرق شوارع العاصمة بالسيول، عند هطول المطر بداية كانون الأول 2016، وهو ما أرجعته المحافظة إلى “تجمع الأتربة وأوراق الشجر في المصارف”، لا لإغلاق فتحات التصريف منذ عام 2014 خوفًا من تسلل مقاتلين من فصائل “الجيش الحر” وسط المدينة.

تنظيم لم يرضِ الشعب ولا السلطة
سبقت البصمات الإيرانية على العاصمة السورية بدء النزاع، إلا أن وجودها بات أوضح مع تطور الدور الإيراني في دعم النظام السوري، وتمثل دور المحافظ في منح الامتيازات والعقود، مع فرض المراسيم التي جارت على حقوق السكان بحجة التنظيم.

وكان أبرز تلك المراسيم، المرسوم التشريعي “رقم 66″، الذي أصدره الأسد عام 2012، معلنًا عن مخططين تنظيميين لتطوير مناطق المخالفات والسكن العشوائي، الأولى جنوب شرق المزة من المنطقتين العقاريتين “مزة- كفرسوسة”، والثانية جنوب المتحلق الجنوبي من المناطق العقارية “مزة- كفرسوسة- قنوات بساتين- داريا- قدم”.

استغل الصبان المرسوم في إطلاق وترؤس “شركة دمشق الشام القابضة المساهمة المغفلة“، نهاية عام 2016، لإدارة أملاك المحافظة واستثمارها في منطقة مشروع “التنظيم 66″، برأس مال 60 مليار ليرة سورية.

وأعلنت المحافظة إثرها عن مشروع “ماروتا سيتي”، الذي بُدئ العمل عليه من عام 2017، ومشروع “باسيليا سيتي”، الذي أُعلن عنه منتصف العام الماضي، دون أن يتجاوز مرحلة التخطيط حتى الآن.

رُفعت آلاف الدعاوى القضائية على الصبان إثر مباشرته بتنفيذ تلك المشاريع، وتمكن التجار والصناعيون في حي القابون من إيقاف المخطط التنظيمي في منطقتهم، في 27 من كانون الأول 2018، الذي هدد بطرد نحو ثلاثة آلاف منهم، بعد رفعهم دعاوى قضائية ضده، ورفع أهالي المناطق التي أُخليت لإقامة “ماروتا سيتي” دعاوى جديدة على المحافظة بعد انتهاء عقود الإيجار التي نقلوا على أساسها من بيوتهم قبل توقف العمل على المدينة السكنية.

كما احتج أهالي حي التضامن في دمشق على تقييم المحافظة حالة بيوتهم بأنها غير صالحة للسكن ووجوب إزالتها ضمن القانون رقم “3”، ليتم الإعلان عن بدء عملية إعادتهم إلى بيوتهم بداية تشرين الأول الماضي.

وأدى “استغلال” الصبان لمكانته ولحالة الفوضى في سوريا، إلى إثارة استياء النافذين في النظام السوري كذلك، ووصف المهندس المدني الذي تحدثت إليه عنب بلدي تعامل المحافظ مع المشاريع التنظيمية بأنه كان بـ”صفة التاجر”، مشيرًا إلى محاولته جذب استثمارات أجنبية لها وعمله على خدمة مصالح الحلفاء الإيرانيين، قبل أن تسبب العقوبات نفور المستثمرين، وتدفع النظام إلى التخلص منه للمضي قدمًا بالمشاريع.

وأضاف المهندس أن مشاركة الصبان لابن عم زوجته، محافظ حمص السابق إياد غزال، في أغلب المقاولات والصفقات التي أدارتها المحافظة، أدى إلى تنافس رجال الأعمال والمتنفذين عليها وللدفع أكثر نحو إقالته.

وعزا مسؤول الاتصال السياسي باتحاد القوى السورية، أحمد السعيد، في حديثه لوكالة “سبوتنيك” الروسية، في تشرين الثاني عام 2018، تغيير الوزراء والمحافظ إلى حاجة سوريا “لاستعدادات مختلفة بقيادات مختلفة”، كما نقلت وكالة “تاس” الروسية عن الخبيرة في المعهد الروسي للبحوث الاستراتيجية، يلينا سوبونينا، قولها إن تلك التغييرات تعكس “جدية” الأسد في البدء بمرحلة إعادة الإعمار.

المصدر: عنب بلدي

اترك تعليقاً