صوت العاصمة – خاص
تغض أروقة محاكم دمشق وريفها يومياً بعشرات قضايا تثبيت الزواج العرفي، والذي بات منتشراً في البلاد بشكل غير مسبوق خلال السنوات الأخيرة
فمع التغيرات الاجتماعية التي شهدتها سوريا منذ العام 2011، تحول الزواج العرفي لظاهرة طبيعية نتيجة أسباب مختلفة، منها ضياع الأوراق الثبوتية لآلاف العائلات، والنزوح والحصار والوفاة. وأدى ذلك للتوجه إلى الزواج دون شهود، ودون أوراق، وأحياناً بطريقة سرية دون حضور أولياء أمور الفتيات القاصرات، الأمر الذي ينذر بمشاكل اجتماعية كبيرة في حال استمراره دون ضوابط
فكثيرون باتوا يلجأون لهذا النوع من عقد القران السري خوفاً من زوجاتهم أو لتعذر الحصول على موافقة ولي الأمر الذي قد يكون معارضاً للزواج، مما أدى لتحوّل زواج القاصرات بعقود خارج إطار المحكمة “أمراً عادياً”، حيث يتم طلب تسجيل الزواج بعد أشهر أو أعوام، إما عند اكتمال الظروف الملائمة أو عند حدوث ولادات والحاجة إلى تسجيلها
ويطلق على الزواج العرفي أسماء مختلفة، منها “كتاب الشيخ” أو “العقد البراني” والذي يعقد خارج المحكمة الشرعية ودون التسجيل بوثائق رسمية، وذلك بحسب القاضي الشرعي الأول في دمشق محمود المعراوي
وأكد معراوي لوسائل إعلام سورية رسمية انتشار ظاهرة الزواج العرفي في سوريا، وذلك بلا شهود ومن دون حضور ولي أمر الفتاة، كما أشار القاضي الشرعي إلى ورود العديد من الحالات إلى المحكمة الشرعية لفتيات يرغبن بتثبيت أو تسجيل زواجهن، حيث لا يملكن سوى عقد تم خارج المحكمة دون شهود ودون ولي أمر، الأمر الذي يصعّب التأكد من واقعة الزواج ويجعل التثبيت أمراً غير ممكن قانونياً في بعض الحالات
أسباب مختلفة للرفض
وبدا الأمر خلال الأشهر الأخيرة بأنه “خارج عن السيطرة” وفق تعبير إحدى موظفات المحاكم الشرعية في حديث مع مراسلة شبكة “صوت العاصمة”، حيث يتم تسجيل عشرات الحالات يومياً، كما يتم دفع رشى للقضاة في حال عدم توفر الثبوتيات المطلوبة للتأكد من اكتمال أركان الزواج، وهى رشى يتم قبولها أحياناً ورفضها أحياناً أخرى
وتروي الموظفة -التي فضلت عدم الكشف عن اسمها- حادثة كانت شاهدة عليها: “حضر شاب وفتاة طالبين تثبيت زواجهما المسجل بورقة الشيخ بتاريخ 2015، وعند سؤالهما عن سبب التأخير كان العذر حصار الشاب لفترة طويلة في غوطة دمشق الشرقية، وسفر والد الفتاة خارج دمشق، وبعد تقضي المحكمة تبين وجود والد الفتاة في إحدى مناطق سيطرة المعارضة وعدم قدرته على الخروج، فرُفض طلب تسجيل الزواج بسبب عدم اكتمال الأهلية القانونية”
كما تتحدث الموظفة عن حوادث طريفة من قبيل طلب إحدى الفتيات القاصرات من القاضي “العثور على مذهب ديني يسمح لها بالزواج دون حضور ولي الأمر”، وذلك بعد رفضها إحضار والدها أو وكيل عنها لتثبيت عقد زواجها
وقد صرح القاضي الشّرعي الأول المعراوي في عدة مناسبات بأن “هذه الحالات مرفوضة تماماً في المحاكم وأن القانون ينص على اكتمال الأهلية القانونية من السن القانوني للشهود، وانتهاء بولي أمر الفتاة”
كما يرى المعراوي أن “الدعوات إلى عقد الزواج دون حضور ولي أمى الفتاة يؤدي إلى تفكك المجتمع والأسرة، مؤكداً أن حضوره أمر ضروري والزواج الذي يتم من دونه يُعتبر موقوفاً على موافقته إلا في حالة حدث حمل أو إنجاب بالتالي يسقط حقه في فسخ العقد”
ادفع، تتزوج
أحبت سلمى، وهي فتاة عشرينية من ريف دمشق شاباً متطوعاً في اللجان الشعبية، وتزوجته سراً لمدة عام كامل نتيجة رفض أهلها. بعد وفاة والدها، ذهبت الفتاة لتثبيت عقد الزواج ليتبين بأن الشاب متهم بعدة قضايا جنائية منها السرقة، وبأن تطوعه في اللجان الشعبية ما هو إلا وسيلة للتغطية على تجاوزاته
ولم يمنع ذلك سلمى من الإصرار على الزواج ممن تحب، فكانت الرشى سبيلها لتثبيت عقد الزواج في المحكمة بعد العثور على من يقبل إتمام المعاملات بهذه الطريقة غير القانونية، وهو ما يتناقض مع تصريحات القاضي الشرعي المعراوي والذي نفى حدوث هذه الحالات، في حين لا يمكن إنكار تفشي الفساد في معظم أروقة المحاكم والقصر العدلي، مما يسمح بتسجيل عشرات حالات الزواج غير الصحيحة والمكتملة قانونياً
أما زينة، وهي طالبة جامعية، فلا ترى حرجاً في الزواج ممن ترغب به دون موافقة والديها، خاصة مع تناقص أعداد الذكور في البلاد، وتضيف بأنها لن تضطر للذهاب للمحكمة، “فالشيوخ كثر، والله والناس شهود علينا”
تتعدد الأسباب والحالات، وتختلف المواقف بين معارض للفكرة ومؤيد لها، وتبقى المشكلة واحدة ولن يزيدها استمرار الحرب سوى انتشاراً يوماً بعد آخر