بحث
بحث

جامعة دمشق.. الصرح الذي بات بؤرة للمخدرات والدعارة


صوت العاصمة – تحقيق خاص

عندما تقول “جامعة” فأنت تتحدث هنا عن هيكلية تعليمية اجتماعية مدنية متكاملة، والتي يجب أن تعمل بكل طاقتها لتطوير الأجيال القادمة، كي ينشأ مجتمعاً مثالياً متطوراً، لكن هذا بالطبع ليس في سوريا، وليس في ما يسمى تجاوزاً “جامعة دمشق”
مع اندلاع الثورة السورية وإحكام القبضة الأمنية على مدينة دمشق بكل ما فيها، بدأت جامعة دمشق بالتحول من دائرة تعليمية إلى سجن كبير تحكمها ميليشيات مؤلفة من بعض الطلبة، فوجد الطلاب الوافدين إليها أنفسهم محاطين بطوق من كبت الحريات، محاطين بأسوار حديدية حولت جامعتهم إلى أفرع أمنية، في إساءة واضحة للخبرات الشبابية الصاعدة
فساد أخلاقي واجتماعي وفوضى، كانت موجودة بشكل مخفي قبل أعوام، لكنها اليوم أصبحت علنية دون أدنى خجل من القائمين على الجامعة، وتسرب الفساد ليطال مكاتب الموظفين وقاعات الامتحان، ومدرجات الطلبة

اتحاد الطلبة، والذي من المفترض أن يكون ممثلاً لكل طالب سوري، أضحى ميليشيا منظمة مسلحة بدأت مهامها قبل سنوات بقمع المظاهرات السلمية في مناطق دمشق وريفها، وتسببت باعتقال العشرات من حرم الجامعة بسبب مناهضتهم لحكم آل الأسد في سوريا
يحيى، طالب أتم السنة الرابعة في كلية طب الأسنان بجامعة دمشق، يتحدث مستاء من طريقة تعامل ميليشيا كتائب البعث، و”زعران” اتحاد الطلبة، فالتدقيق الأمني وعمليات التفتيش لا تتوقف عند أبواب الجامعة، من التفتيش الشخصي إلى تفتيش الكتب وحقائب الفتيات، وكأن الجامعة باتت قطعة عسكرية أو فرع أمني

يقف على كل باب من أبوابها عنصران مسلحان إضافة إلى فتاة بالزي العسكري الرسمي، لا فرق بيننا وبينهم، فهم طلاب مثلنا، اختاروا أن يتحولوا إلى شبيحة بنفسيات حقيرة حاقدة، مهمتهم إذلال الطلاب وتوجيه كلام قذر لهم عند الدخول والخروج، خاصة أولئك أبناء المناطق المنكوبة المغضوب عليها من قبل النظام السوري، لتصبح الجامعة الصرح التعليمي المقدس، ساحة لتصفية الحسابات من الطلاب الوافدين من مناطق ساخنة، فقط لأنها ثارت على رأس عصابتهم الحاكمة

أما “مراد” وهو طالب في كلية “الطب البشري” يتحدث عن ترويج علني للدعارة في الجامعة، بإدارة منظمة من قبل شبان تابعين لميليشيا اتحاد الطلبة، يقومون بالترويج لبنات الليل وبأسعار منافسة للملاهي الليلية وشبكات الدعارة التي غزت دمشق في السنوات الأخيرة
ولم تتوقف القصة عند الترويج للدعارة فقط، فباتت الحبوب المخدرة ومادة الحشيش تملأ الكليات والجامعات، وبترويج من تنظيمات خفية مدعومة من قبل الميليشيات الموالية وميليشيا اتحاد الطلبة، حتى وصل ذلك الترويج للمخدرات في السكن الجامعي، حيث ملأت الحبوب المخدرة غرف الفتيات والشباب، وأصبح الطلاب يمشون في الحدائق الخلفية للسكن فيجدون ظروف الحبوب وعلب الواقي الذكري يميناً وشمالاً، يقول مراد مستاءً
ويضيف: نعم هناك دعارة منظمة وعلاقات جنسية لا شرعية في كل جامعات الكون، وهو أمر ليس بجديد على سوريا، لكن أن يتم ترويجها عبر اتحاد الطلبة، الذي كان يوماً ما يمثلنا في الداخل والخارج، فهو أمر لا يمكن السكوت عنه، لكن وإن تحدثنا سيكون مصيرنا مثل ذلك الطالب الذي تم رميه من الطابق الرابع في السكن الجامعي بعد محاولة اعتقاله لأنه بث على مواقع التواصل صوراً تُظهر الإهمال في السكن، لتظهر القصة وكأنها حادثة عابرة، أو ربما أكمل سنين عمري في معتقل أسدي، لا أدري، الأفضل هو السكوت أو الخروج من هذا المستنقع قريباً

وعن سكن الطالبات، تتحدث رهام أنه أشبه بنظام غرف خاصة للسهر والأمور الغير أخلاقية، ولا أحد إلا الله يعلم ماذا يجري في داخل الغرف ليلاً، حيث أنه من المفترض أن تُغلق الأبواب ليلاً وهذا ما اعتدنا عليه في سنوات ما قبل الثورة، كما حدثنا أخوتنا وزميلاتنا اللواتي أقمن في ذلك السكن، لكن ما يجري اليوم أن الأبواب تبقى مفتوحة أمام عناصر ميليشيا اتحاد الطلبة، يدخلون ويخرجون كما يحلو لهم، يسهرون في غرف الفتيات، ويُدخلون غرباء عن السكن، ولا مانع من خروج طالبة ليلاً بواسطة أحد عناصر الميليشيا وعودتها فجراً تحت بنت “لديها أشياء خصوصية تخرج من أجلها”

ورغم ارتفاع إيجارات المنازل في دمشق وصعوبة الحصول على الموافقات الأمنية للسكن حتى للطلبة، فضلت عشرات الطالبات الخروج من بؤرة الفساد المسماة تجاوزاً “سكن جامعي” فالأمور لم تعد تُحتمل، فالدعارة علنية، ودخول عناصر ثملين إلى سكن البنات بات أمر روتيني. بعض الفتيات بما فيهم أنا، تتحدث رهام، كنا نمشي على مبدأ “هنن بحالهن ونحن بحالنا” لكن الخوف من اقتحام الغرف بقوة السلاح، وربما عملية اغتصاب لإحدى الطالبات حالت دون البقاء في ذلك السكن

الفساد والذل لا يتوقف عند الدعارة والترويج للمخدرات داخل الجامعة، بل تعدى ذلك ليصل إلى مكاتب الموظفين “الشبيحة” المسؤولين عن معاملات ووثائق تأجيل الخدمة الإلزامية، والتي باتت تشكل خطراً حقيقاً على كل شاب في سوريا. يحدثنا “مناف” طالب الأدب العربي عن قيام الموظف المسؤول عن وثائق التأجيل التي من المفترض أن نسلمها لشعبة التجنيد، بتأجيله لمدة 20 يوم، والمماطلة في إعطاءه وثيقة التأجيل، حالي مثل حال مئات الطلاب، يقول مناف مستاءً، حيث أن المرور على مكتب تصديق وثائق التأجيل بات يومي بالنسبة لي وفي كل يوم يتم تأجيلي إلى اليوم الذي يليه
بحقارة قال لي الموظف المسؤول: “شو يعني اذا تأخرت وراقك وأخدوك ع الجيش؟ سعرك بسعر هالناس يلي عم تخدم الوطن”، ليتدخل أحد زملائه مضيفاً “أنت شامي ولازم تخدم جيش، ولا تعودوا حالكن (تفيشوا) متل أيام زمان”

الاستفزاز وصل في جامعة دمشق إلى مرحلة لا تطاق، فأنت كطالب دمشقي أو من أبناء الريف المنكوب، لن تبقى يوماً واحداً في هذه البلاد بعد التخرج، وربما لن تصل إلى مرحلة التخرج، لأن الوصول لها يتطلب قطع مارثون التأجيل الدراسي الذي يحمل ذل كبير من الحصول على مصدقة التأجيل وصولاً لشعب التجنيد التي لا تحترم كونك طالب علم

المال يشتري كل شيء، شعار كان ولا يزال يسيطر على الأروقة الحكومية في سوريا، لكن أصبح علنياً في جامعة دمشق بدون أي خجل أو رادع، من شراء العلامات والمواد إلى النجاح الشكلي بمبلغ لا يتجاوز ألف دولار امريكي عبر وسطاء بين الطلاب والمدرسين وكبار الموظفين، أغلبهم من شبيحة اتحاد الطلبة
يتحدث أحد الطلبة متفاخراً، لقد قمت بشراء شهادة تخرج من داخل الجامعة لأحد أقرابي المهاجرين إلى الدول الأوربية، وتم تصديقها من الخارجية، وقدمها كجزء من إنجازاته في مراحل الحصول على اللجوء

وربما آخر ما حُرر للعلن على الفساد الإداري في جامعة دمشق هو ما صرحت به مصادر موالية للنظام، بأن أمين صندوق إحدى الجامعات قام باختلاس مبالغ مالية كبيرة، مقبوضة من الطلاب لقاء رسوم التسجيل لعام 2017 دون معلومات عن المكان الذي هرب إليه بعد عملية الاختلاس
من الاعتقال إلى التجنيد مروراً بالتضييق الأمني، إلى الدعارة والفساد وما يروجه شبيحة النظام، حكايات تُروى بين شبان وفتيات جامعة دمشق يومياً، حيث أصبحت فعلاً تلك المباني جامعة لكل شيء قذر، بعيدة كل البعد عن مهمتها الأساسية، ألا وهي التعليم

اترك تعليقاً