المدن –
“طب الصور اللي بنشوفها دي غرافيك ولا إيه؟!”
هي الكلمات التي تتفوه به إلهام شاهين عبر مايكروفون أسدي وعدسة أسدية لبثٍّ أسدي وهي تسير في شوارع دمشق. لا تعبّر الممثلة، التي خفتت عنها الأضواء، عن انحيازها المعروف إلى جانب النظام في الحرب السورية، بل تنكر وجودها من الأساس، بحيث استطاعت أن تحكم على ما يحدث من خلال المساحة الضيقة التي تتحرك فيها في دمشق، لتصير هي كل “سوريا”.
إلهام شاهين لم تكن وحدها، بل كانت ضمن وفد فني، مع الممثل فاروق الفيشاوي والمذيعة بوسي شلبي، والمخرج عمر عبدالعزيز، والمخرج والمنتج السينمائي محسن فودة. المشترك بينهم جميعاً هو خفوت نجمهم وغيابهم عن المشهد الفني منذ سنوات. فآخر مسلسل لإلهام شاهين كان في العام 2013، تلاه عدد من الأفلام التي لم تلق أي صدى على مستوى جماهيري ونقدي. أما عبدالعزيز، فأخرج آخر أفلامه العام 2005، بينما لم يعد الجمهور يتذكر فاروق الفيشاوي إلا من خلال تصريحاته السياسية وليس من عمله الفني، رغم مشاركته الكثيفة في السينما والتلفزيون في الفترة الماضية.
والحال أن الخطوة بزيارة دمشق قبل أي أحد آخر، حولت هذه الحفنة من الفنانين، من مجرد أسماء عابرة في الذاكرة إلى قلب التغطية الخبرية في مصر، خصوصاً أن الخطوة تبدو أكثر اتساعاً من خطوات النظام المصري الذي لم “يطبّع” علاقاته بعد مع نظام الأسد بشكل رسمي إلى هذه الدرجة، وذلك كي لا يخسر رضى حليفه الجديد في المنطقة، دونالد ترامب. علماً أن هؤلاء الفنانين لم يكونوا ليتحركوا خارج مصر من دون موافقات أمنية ورضىً تام من طرف النظام، مثلما فعل الإعلامي يوسف الحسيني من قبل عند افتتاح قناة “أون تي في” بشكلها الجديد، ونقل الخبر من سوريا في حماية الجيش الأسدي.
“الإعلام كذاب جدًا ومزور بشكل مش عادي، عشان يصور سوريا بشكل بشع، لكن المسألة كانت خدعة رغم أن الناس صدقت منذ البداية، لكن الحقيقة ظهرت”.
لا يقف تأييد شاهين للأسد على إنكار الحرب، بل إن إنكارها يقتضي بالضرورة الهجوم على الإعلام الذي يروج لأكاذيب كما تراها هي. خدعة اشترك فيها العالم كله ضد نظام الأسد، مثلما اشترك العالم كله في تدمير مصر، كما في الذهنية العصابية التي تجد في المؤامرة حلاً لفشلها.
وقفت شاهين لتعطي المؤامرة عمقاً سورياً بنكهة مصرية. لتكون النتيجة في النهاية أن تقف إلى جوار حفنة من الأسديين وتتلقى جائزة في “عيد الفن”. رغم أن الشائعات كثرت حول تلقيها هي والوفد المصاحب لها، مكافآت مالية كبيرة. وسواء صدقت الشائعات أم لم تصدُق، فإن الصورة وحدها كفيلة بحمل قبحها من دون نمائم.
“الربيع العربي دا جحيم، وانكشف مع الوقت، وإحنا اتخدعنا، مش عايزة أقول ألفاظ تانية عشان إحنا على الهواء”.
إلهام شاهين التي تعادي الربيع العربي منذ اللحظة الأولى، تتغاضى عن بذاءة الواقع وتدافع عنها بضراوة وتستحي من استخدام “ألفاظ” قد تخدش صورة “الفوتوشوب” التي تتحدث عنها. وذلك جزء من الثنائية التي يحرص عليها محبو الأخلاق الاستعراضية، والتي بموجبها لا يهم ما يحدث في الخفاء طالما أنه في الخفاء، المهم أن يبقى العلن نقياً ومهذباً.
ومن المعروف في الوسط الفني أن شاهين من أكثر الفنانات “سلاطة” وسباباً، لكن هذا لا يهم. وطالما أن الكاميرا تعمل، فلا بد من استعارة قاموس الأخلاق “الكليشيه” واستخدامه، والتلويح بالقدرة على استخدام ألفاظ نابية من دون استخدامها.
كيف يعيش هؤلاء الفنانون في وَهْم الوطن العربي، بأوهام عروبية يعزف في خلفيتها أوبريت “وطني حبيبي الوطن الأكبر”؟ وكيف لا يرون ما اقترفه الأسد في شعبه من جرائم غير مسبوقة في التاريخ الإنساني؟
صدمة المتابعين، في إلهام شاهين، ليست كبيرة جداً، فهي المعروفة بمعاداتها للثورات العربية وتأييدها لمجرمي الحرب والطغاة. لكن صدمة المصريين الحقيقة تكمن في فاروق الفيشاوي، وهو الذي كان له موقف واضح وحاد وصلب من الربيع العربي.. مؤيداً له! ولا يمكن فهم كيف عاد إلى أوهام قوميته الناصرية البائسة في تأييد الأسد؟ علماً أن الوفد في كل خطابه يستعيد أدبيات ماتت منذ أن غزا صدّام حسين، الكويت، العام 1990.
التعاطي مع النظام السوري باعتباره نظاماً قومياً ممانعاً، لا يقل في بشاعته عم التعامل مع الكيان الصهيوني، بل لعله يفوقه بشاعة، والأسد يصبح أول زعيم في التاريخ يرتكب هذه الجرائم في حق شعبه متفوقاً على أي سفاح عرفته البشرية في تاريخها. لكن أولئك الفنانين ضربوا بذلك كله عرض الحائط، لأنه لا يعنيهم، ولا يريدون أن يصدقوا ما يحدث في سوريا، طالما أن التبرير القومي جاهز، والعودة إلى الأضواء أكيدة، وطبعاً.. “لا دعاية سيئة” كما يعرف الجميع.