بحث
بحث

أحمد “طفل الرقة” الضائع في مطار دمشق


زمان الوصل – 

“أهلين معلم ..تفضل معلم” عبارة يرددها “أحمد الرقاوي” 12 عاماً بين المسافرين وموظفي مطار دمشق الدولي، حين يقدم لهم طلبات الشاي والقهوة، قبل أن يسرد لهم قصته ويتمنى أن ينجح بالسفر مثلهم ويعود إلى مدينته الرقة أو يسمح له بالهجرة إلى خارج البلاد.
جميع المغادرين من المطار والقادمين إليه يلحظون الفتى (الطفل)، الذي يقول لهم إنه حاول الالتحاق بوالده بعد أن تخلى عن العائلة وذهب إلى العاصمة اللبنانية بيروت وتزوج هناك، مضيفاً أن “الدرك” اللبناني أفشل محاولته اجتياز الحدود عبر طريق جبلية يتبعها المهربون.
 
علق هذا الفتى في مطار عاصمة بلاده لأنه لا يملك أوراقاً تثبت هويته، في الوقت الذي ترسل فيه مطارات العالم العسكرية طائراتها الحربية لتقصف مدينته الرقة على بعد 400 كيلومتر من مكان وجوده، كون المدينة خاضعة لسيطرة تنظيم “الدولة الإسلامية”، هناك حيث يحرم الآلاف من أطفالها من الذهاب إلى المدارس، بينما بدأت قوات “سوريا الديمقراطية” في 5 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي حملة عسكرية بهدف محاصرتها.
وجد “أحمد” الذي ترك والدته في مناطق سيطرة تنظيم “الدولة”، طريقة يحصل على رزقه من خلالها إلى أن يشاء الله ويقدر له من يحل مشكلته، فعمل في تقديم الشاي والقهوة وغيرهما من المشروبات المتوفرة في “بوفيه المطار”، وفق روايات متطابقة لمسافرين وصلوا إلى مطار القامشلي.
 
أحد المسافرين، وهو موظف في مديرية “السجل المدني” بالحسكة، قال لـ”زمان الوصل”: إن مقاعد الانتظار المخصصة للمسافرين في المطار باتت السرير الذي ينام عليه “أحمد الرقاوي” ويحلم بمقاعد مدرسته على ضفة الفرات المخضبة بالدماء، فهو يعتبر نفسه من سكان مطار دمشق الدولي.
وصف المسافر طفل الرقة الضائع (أحمد) بالكرم والشهامة وأنه صاحب نفس عزيزة ويد نظيفة، ورغم ما يقاسيه بسبب عدم توفر أي وثيقة تثبت هويته، يتبرع ببطانيته للمسافرين المنتظرين خلال ساعات الليل كي يواجهوا البرد، فهؤلاء الناس أصدقاؤه، يسامرهم بكلامه المليء بالصدق والبراءة.
 
يتابع الرجل حديثه قائلاً: شاهدته يلبس سروالاً أكبر من مقاسه، يشده على خصره الهزيل بخيط، تراه عندما يتعب بعد منتصف الليل يحضر بطانية يلف نفسه بها ويتكور في أرض المطار بانتظار صباح لا يحمل له أفضل مما يحمله لمدينته الحزينة، منوهاً إلى أنه لم يحاول عرض المال عليه خاصة بعد أن لاحظ أنه يدخن بشراهة كبيرة، حتى أنه ينهي علبتي سجائر باليوم.
وحرم نحو مليون طفل سوري من الدراسة طبقا لإحصائيات منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف)، التي وصفتهم بـ”الجيل الضائع” في تقريرها “لا مكان للأطفال” حول تأثير 5 سنوات من الحرب على أطفال سوريا، مقدّرة أنَّ ما مجموعه 8.4 ملايين طفل، أي أكثر من 80 % من أطفال البلاد، تأثّروا بالحرب سواء في الداخل أو كلاجئين بدول الجوار.