ظهر اسم “وضّاح الشاعر” كشريك في شركة “بطاقات ش.م.ل.”، إلى جانب “محمد سامر محمد مظهر أفندار”، مدير عام شركة ويسترن يونيون لتحويل الأموال في سوريا المحسوب على نظام الأسد، والمتهم بإعطاء داتا شركته للنظام السوري في بدايات الثورة.
من الواضح أن النائب اللبناني السابق أمل أبو زيد، حاول طوال الفترة الماضية الاستفادة من تقاطعات المصالح التي يمكن أن ينسجها بين أطراف عدّة، وانطلاقاً من الأدوار المختلفة التي يلعبها في حياته السياسيّة والتجاريّة. فأبو زيد هو مستشار رئيس الجمهوريّة ميشال عون للشؤون الروسيّة، وهو في الوقت نفسه أحد رجال الأعمال الذين يملكون أنشطة استثماريّة وازنة في السوق الروسيّة، وعلاقات مميّزة مع النظام هناك. وإلى جانب كل هذه الأدوار، انخرط الرجل في الماضي في شراكات استراتيجيّة مع رجال الأعمال المحسوبين على النظام السوري، وتحديداً في مجال وسائل الدفع وتحويل الأموال.
كل هذه الأدوار، أهّلت أبو زيد اليوم للسعي للعب أدوار كبيرة تتعدى الشراكات التي دخل فيها تاريخياً في لبنان وروسيا. ولهذا السبب، اندفع أبو زيد للتحضير لزيارات الشركة الروسيّة الأخيرة إلى لبنان، التي طرحت مشاريع ضخمة من قبيل إعادة إعمار مرفأ بيروت، وتحديث مرفأ طرابلس، وصولاً إلى بناء محطات توليد الطاقة وتأهيل مصافي النفط في الزهراني وطرابلس. وبالتوازي مع هذه الزيارات، كانت التقارير الصحفيّة في بيروت تكشف أن هذه الشركة المستحدثة ليست سوى واجهة لرجال الأعمال الروس المتورّطين في صفقات مع نظام الأسد في سوريا.
كل ذلك، يعيدنا إلى أبو زيد وتقاطعات المصالح التي يمثّلها: بين الشركات الروسيّة والتيار العوني والنظام السوري، وعمله الطويل في مجال وسائل الدفع وتحويل الأموال.
شركة آغون: واجهة لأي عمليّات؟
في وثائق “باندورا”، يقترن إسم أبو زيد كشريك مؤسس ومدير في شركة “آغون هولدينغ أس. أي.”، وهي شركة جرى تسجيلها في جزء العذراء في الأوّل من حزيران 2007، وتم حلّها بموجب محضر موقّع من المديرين الثلاثة مؤرّخ في 27/02/2009. بمعنى آخر، لم تعمل الشركة بعد تأسيسها إلا لمدة سنة وثمانية أشهر فقط، فيما لم يطرأ طوال هذه المدّة أي تغيير في حصص الشركاء والمديرين. مجرّد تأسيس الشركة على هذا النحو، ولهذه المدّة القصيرة في جنّة ضريبيّة غير خاضعة لرقابة النظام المالي المحلّي، يوحي بأن الشركة كانت مجرّد واجهة لعمليات قصيرة الأجل أراد الشركاء تمريرها بعيداً عن أي رقابة.
السؤال عن السبب الأساسي لتأسيس الشركة، يقودنا إلى البحث في لائحة المساهمين والعلاقة في ما بينهم، وتوزّع الحصص عليهم. وفي محاضر الشركة، يتبيّن أن رأسمالها بلغ أربعة ملايين دولار أميركي، مقسّمة على مليون سهم، فيما تبلغ قيمة كل سهم أربعة دولارات. أما توزّع الأسهم، فجاء على الشكل التالي:
– أمل أبو زيد: امتلك 539,980 سهم، أي أنّ أمل امتلك وحده نحو 54% من أسهم الشركة.
– المحامي توفيق معوّض: امتلك 180,000 سهم، ما يعني امتلاكه 18% من أسهم الشركة. مع الإشارة إلى أن معوّض هو في الوقت نفسه شريك أمل أبو زيد في شركة OMT لتحويل الأموال، وهو يشغل حالياً منصب رئيس إدارة الشركة، كما شغل في فترة من الفترات منصب نائب رئيس الرابطة المارونيّة. وعلاقة معوّض بأبو زيد في OMT تعود للعام 1998 حين أسّسا معاً الشركة في حقبة الهيمنة السوريّة على لبنان، وتمكنا من الحصول على ترخيص من مصرف لبنان للقيام بالتحويلات الداخليّة والخارجيّة، فيما يملكان حاليّاً الشركة معاً مناصفةً.
المحامي وضّاح الشاعر: امتلك 80,000 ألف سهم في الشركة، ما يعطيه نحو 8% من أسهمها. والشاعر محامي ورجل أعمال يحتل موقع قيادي في تيار المردة، كما يظهر أسمه كمساهم وإداري في عشرات الشركات اللبنانيّة التي تعمل في مجالات متنوّعة، بما فيها الأنشطة العقاريّة والسياحيّة وخدمات الاتصالات واستثمار المطاعم والمقاهي وغيرها. وبين هذه الشركات، يظهر إسم الشاعر كشريك مع توفيق معوّض وأمل أبو زيد في شركة ULTIMATE OVERSEAS، التي يصعب العثور على نشاط علني لها.
– نديم حكيم: امتلك 200,000 سهم في الشركة، ما يعطيه نحو 20% من قيمة الأسهم الإجماليّة. وحكيم هو رجل أعمال، يظهر إسمه في الصحافة في عالم الرياضة وكرة السلّة أكثر من ما يظهر في عالم الأنشطة الاستثماريّة، إذ شغل منصب رئيس نادي الحكمة في السابق، بينما يشغل اليوم منصب رئيس نادي بيروت. بخلاف الشاعر وأبو زيد ومعوّض، الذين تظهر بوضوح مساهمتهم معاً في أنشطة تجاريّة أخرى، يصعب تفسير علاقة حكيم بهذه المجموعة.
– منير عبد الستار علم الدين: امتلك حصّة من 20 سهم، وهي نسبة رمزيّة لا تُذكر من أصل أسهم الشركة المليون. وفي العادة، يتم منح هذا النوع من الحصص الرمزيّة لبعض الأشخاص الذين يرغب الشركاء بمنحهم حق التوقيع عن الشركة كشركاء مديرين فيها، لأسباب إداريّة أو لوجستيّة بحت، وهذا ما سيتبيّن لاحقاً.
حقوق التوقيع والإدارة
البحث في الوثائق يظهر أن الشركاء أبو زيد وحكيم وعلم الدين هم المفوّضين بالتوقيع عن الشركة، باتحاد شريكين معاً، ما يعني أن التوقيع عن الشركة يستلزم توقيع شريكين من أصل الثلاثة. وبذلك، يتأكّد وجود علم الدين كشريك رمزي أو شكلي، تم منحه الحصص لإعطائه حق التوقيع بالإتحاد مع أحد الشريكين الفعليين حكيم وأبو زيد. أما وضاح الشاعر، فلم يملك حق التوقيع كسائر الشركاء، لكنّ أسمه ظهر كأمين سر في اجتماعات الجمعيّة العموميّة للشركة، أي الاجتماعات التي يُدعى إليها جميع المساهمين لاتخاذ القرارات الأساسيّة ومنح الصلاحيّات للمديرين. أمّا أبو زيد، صاحب الحصّة الأكبر في الشركة، فترأّس هذه الجمعيّات.
في الأمور الأكثر حساسيّة، كالتوقيع عن الشركة لغاية شراء العقارات أو تنفيذ الرهن على هذه العقارات، تم حصر الصلاحيات بيد الشريكين أبو زيد وحكيم فقط، وبالإتحاد معاً، ما يشير إلى كونهما الشريكين الأكثر سيطرة على الشؤون الاستراتيجيّة داخل الشركة.
البحث عن هدف الشركة
في الواقع، يظهر في محاضر اجتماعات الجمعيّة العموميّة أن الشركاء قاموا بعد أشهر من تأسيس الشركة، وتحديداً في الخامس من تشرين الأوّل 2007، بمنح الشركة حق شراء العقارين 5243/8/المزرعة و5243/10/المزرعة، كما منحا الشركة حق الاقتراض المصرفي لتأمين ثمن هذه العقارات. وفي بند آخر، يعطي الشركاء الشركة حق وضع الرهونات على هذه العقارات، في حال تم تمويل عمليّة الشراء من قروض مصرفيّة. مع الإشارة إلى أن المصارف تطلب في العادة تحديد صلاحيّة المدراء بالتوقيع على عمليّات الإقتراض والرهن، ولا تكتفي المحاضر التي تعطي حق التوقيع بشكل عام لمدراء معيّنين، وهو ما يدل على أن الشركة كانت في مرحلة من المراحلة أداة أو وسيط جرى من خلالها تنفيذ صفقات عقاريّة، قبل حلّها لاحقاً.
في كل الحالات، البحث عن هذه العقارات اليوم يُظهر أن العقار الأساسي 5243/المزرعة، والذي يقع ضمنه القسمين 5243/8 و5243/10، يقع في شارع سامي الصلح في منطقة بدارو، في نفس مبنى المركز الأساسي لشركة OMT لتحويل الأموال، والذي يملكها كل من أبو زيد ومعوّض مناصفةً كما ذكرنا سابقاً. ولذلك، ثمة ما يشير هنا إلى علاقة ما بين الشركة التي تأسيسها في جزر العذراء في ذلك الوقت، ونشاط شركة OMT، على الأقل من ناحية هذه الصفقة العقاريّة.
فهل كانت إحدى غايات الشركة الواجهة المسجّلة في جزر العذراء إجراء هذه الصفقة العقاريّة، للعقار المستخدم من قبل OMT؟ ولأي غاية تم تمليك العقار لشركة أجنبيّة كمرحلة أولى؟ وما علاقة وضّاح الشاعر بنشاط معوّض وأبو زيد في مجال تحويل الأموال؟ هل كان الهدف نقل ملكيّة العقار لشركة أجنبيّة بسعر ما، قبل بيعه للشركة اللبنانيّة بسعر أعلى، لنقل السيولة إلى الخارج بشكل من الأشكال؟
من الناحية العمليّة، يصعب تتبّع طبيعة العمليات المصرفيّة المحيطة بهذه الصفقة العقاريّة، بالنظر إلى قانون السريّة المصرفيّة المعتمد في لبنان. لكن الأكيد هو أن هذا النوع من الصفقات العقاريّة، الذي يجري تمريره من خلال شركات واجهة أو مؤقتة، ومسجّلة في جنات ضريبة بعيدة، غالباً ما يتصل بعمليات ماليّة موازيّة تحاول الالتفاف على قيود أو رقابة معيّنة.
حلفاء النظام السوري
ما علاقة وضّاح الشاعر بعالم تحويل الأموال، وبأمل أبو زيد وتوفيق معوّض تحديداً؟
في “وثائق باراديز” التي نشرت عام 2017 وشارك “درج” في العمل عليها، يظهر إسم وضّاح الشاعر كشريك في شركة “بطاقات ش.م.ل.”، إلى جانب محمد سامر محمد مظهر أفندار، مدير عام شركة ويسترن يونيون لتحويل الأموال في سوريا المحسوب على نظام الأسد، والمتهم بإعطاء داتا شركته للنظام السوري في بدايات الثورة. مع الإشارة إلى أن هذه الشركة تأسست سنة 2004، قبل أشهر من انسحاب الجيش السوري من لبنان. وسنة 2007، قام الشاعر وأفندار بتأسيس شركة DES SAL OFFSHORE، بنفس الشركاء، وفي نفس الفترة التي قام خلالها الشاعر بتأسيس شركة “آغون” مع أبو زيد.
في المقابل، وبعد 4 أشهر من قيام الثورة السوريّة سنة 2011، كان أفندار نفسه يؤسس مع توفيق معوّض وأمل أبو زيد شركة ماليّة في بيروت تحت إسم ام – بايمنتس فانتشر هولدنغ ش.م.ل، والتي يدل إسمها بوضوح على اتصالها بمجال تحويل الأموال وأنظمة الدفع. وحين نتحدّث عن تأسيس شركات الهولدنغ، فنحن نشير إلى نوع من الشركات التي يتم استخدامها تحديداً لتملّك شركات أخرى، تعمل بأسماء مختلفة، وهو ما يسهّل لاحقاً إخفاء أصحاب الحق الاقتصادي من أي نشاط استثماري عبر شبكة من الشركات الواجهة.
رد أبو زيد
من باب إعطائه حق الرد، راسل “درج” أبو زيد للسؤال عن هذه الشركة وهدفها. أبو زيد أوضح أن هناك علاقة “جيرة وصداقة وأخوّة” تربطه بنديم حكيم، الذي قدّمه إلى صديق له يُدعى منير علم الدين، مشيداً بخبرته الواسعة في دبي وسويسرا وبتخصصه في أعمال الأسواق الماليّة. وفقاً لأبو زيد تم تأسيس آغون في جزر العذراء بناءً على توصية علم الدين “لأسباب ضريبيّة”، وتم منح علم الدين الصلاحيات الإداريّة اللازمة لتلعب الشركة دور “الوسيط المالي وتقوم باستثمارات لمصلحة الشركاء وغيرهم”. كما قامت الشركة بشراء الطابق الثاني في البناية التي تشغل عدة أقسام منها شركة OMT، قبل أن تخسر الشركة ووضاح الشاعر مبالغ من المال عام 2008 نتيجة الأزمة الماليّة العالميّة. وبعد إيقاف عمل الشركة، قام الشاعر بشراء العقار الذي تملّكته آغون، ثم قام ببيعه لاحقاً لمصلحة شركة OMT. أبو زيد نفى في ردّه أن يكون لشركة OMT أي دور في آغون، كما نفى أن تكون آغون قد قامت بأي عمليات مع جهات معرّضة لعقوبات دوليّة، أو مع جهات مقرّبة من النظام السوري.
في كل الحالات، لم يقدّم رد أبو زيد أي شرح لطبيعة الاستثمارات التي استهدفت الشركة القيام بها، خصوصاً أن دور “الوسيط المالي” والقيام باستثمارات “لمصلحة الشركاء” عبارات فضفاضة يمكن أن تشمل أي نوع من الأنشطة التجاريّة أو الاستثماريّة دون أي استثناء. كما لم يقدّم الرد أي توضيح بخصوص العلاقة الاستثماريّة التي تجمع الشركاء في الشركاء، والذين يصعب ربط وجودهم معاً بأي نشاط استثماري أو تجاري معروف للعلن، باستثناء ما أعلن عنه الرد من علاقة “الجيرة والصداقة والأخوة” ما بين أبو زيد وحكيم، والتي لا تدل على أي علاقة استثماريّة ملموسة.
في الخلاصة، تبقى المسألة الأكيدة أنّ القاسم المشترك ما بين الشاعر وأبو زيد ومعوّض هو أنهم مثّلوا خلال مراحل مختلفة جزء من مجموعة رجال الأعمال اللبنانيين الذي اندفعوا للشراكة مع محمد أفندار في هذا استثمارات مختلفة، في حين أن أبو زيد ومعوّض وأفندار يتشاركون التخصص في مجال شركات تحويل الأموال. كل هذه الحقائق، لا يمكن أن تؤكّد أو تنفي أي حقيقة بالنسبة إلى طبيعة عمليات شركة آغون، لكنّها تدفعنا حكماً إلى السؤال عن مغزى تسجيل هذه الشركة في الجنة الضريبيّة وحلّها خلال مدة لم تتجاوز السنة والثمانية أشهر.
المصدر: موقع درج