شكّلت عمليات تهريب المخدرات عبر المسيّرات من الأراضي السورية باتجاه الأردن تحدياُ كبيراً للأخير، ويعكس الجهود القصوى التي تبذلها شبكات التهريب في جنوب سوريا لاستخدام هذه التكنولوجيا في أنشطتها غير القانونية.
وبحسب تقرير لمجلة المجلة، فإنّ الأردن بذل طيلة السنوات الماضية لمواجهة محاولات تهريب المخدرات عبر حدوده مع سوريا التي يبلغ طولها 375 كيلومتراً، إذ ازدهرت على نطاق واسع تجارة المخدرات المربحة، مع تجدّد استخدام المسيّرات بعد أشهر من التوقف، ما يُشير إلى أنّ شبكات التهريب جنوب سوريا لا تزال تُحاول استخدامها لتوسيه أنشطتها.
وأشار التقرير إلى أنّ المسيّرات تطرح تحدياً جديداً وغير مسبوق، فهي تفلت بكفاءة من الرصد والاعتراض أكثر بكثير من أساليب التهريب البرية التقليدية، وهذا التطور المثير للقلق لا يفضي إلى تفاقم الإتجار بالبضائع المهربة فحسب، بل يطرح أيضاً على الأردن مجموعة جديدة من التحديات الأمنية لا يسعه تجاهلها”.
ووفقاً للتقرير، فإنّه رغم تجريب المسيّرات في السنوات السابقة إلا أنّ استخدامها كان محدوداً في التهريب من سوريا، ويرجع ذلك إلى أنّ المسيّرات وسيلة غير ضرورية، مضيفاً: “في البداية، استُخدمت أساساً للتدريب والاستطلاع، مثل مراقبة الطرق قبل أو أثناء عمليات التهريب، فالتهريب البري كما تُشير مصادر محلية لا يزال حتى الآن الأسلوب المفضل لأنه مألوف وفعاليته مضمونة”.
وتابع التقرير: “غير أنّ حملة القمع المكثفة التي شنتها القوات الأردنية على المهربين العام الفائت غيرت إلى حد كبير المشهد العام لصناعة المخدرات، فقد عزز الأردن كثيراً من أمن حدوده الشمالية مع سوريا للحد من تدفق المخدرات منها”.
ولفت إلى أنّ تقارير تُشير إلى أنّ تجار المخدرات السوريين تكيفوا مع هذه الحملة بأن بدأوا في تعديل تكتيكاتهم لتصبح أقل قابلية للاكتشاف، فبينما كانوا يعملون ذات يوم بانفتاح نسبي، معتمدين على حماية النظام السوري دفعتهم الضغوط الخارجية المتزايدة إلى تبني أساليب أكثر سرية ومرونة.
وأوضح التقرير أنّ الزيادة الملحوظة في عدد المسيرات التي اعترضت خلال العام الفائت، تحوّل شبكات المخدرات نحو طريقة التهريب المبتكرة هذه، وتساهم عوامل عدة في هذا التغيير، يأتي في مقدمتها ارتفاع معدل نجاح المسيّرات مقارنة بطرق التهريب التقليدية.
وبحسب منظمة “إيتانا” السورية، فإنّ نحو ثلث محاولات المسيّرات نجحت في تحقيق مهمتها العام الفائت، مما يدل على فعاليتها المتزايدة في تعزيز عمليات التهريب.
التقرير رأى أنّه “ليس مفاجئاً أنّ يكون معدل نجاح عمليات التهريب المعتمدة على المسيّرات مرتفعاً نظراً للتحدي الهائل الذي تمثله المسيّرات لأنظمة الرادار الناجم عن ضآلة بصمتها الرادارية، كما أنّ السلطات في البلدان النامية ذات التكنولوجيا المحدودة تعتمد في المقام الأول على الرصد البصري للكشف عن هذه المسيّرات، وتتفاقم المشكلة أكثر لأنّ بعض المسيّرات يمكنها الطيران على نحو مستقل ليلاً، مما يجعل اعتراضها أكثر صعوبة”.
وتُشير مصادر محلية – وفقاً للتقرير – إلى أنّ المهربين يستخدمون أساليب التضليل لرفع معدلات نجاحهم، وتتضمّن هذه الاستراتيجية نشر مسيّرة منخفضة التكلفة كطعم لتشتيت انتباه السلطات عن العمليات الأكثر أهمية.
وتابع: “المسيرات التي اعترضت مثلاً في 28 حزيران و28 آب العام الفائت كانت فارغة، مما يُشير إلى أنّه ربما استخدمت لصرف الانتباه عن عمليات أخرى أكثر أهمية شاركت فيها عدة مسيّرات محملة بالمخدرات”.
وعلاوة عن ذلك، تُوفر المسيّرات للمهربين حلاً فعالاً قليل التكلفة وسهل التشغيل، وتكشف صور المسيّرات التي اعترضت أن تكلفة هذه الأجهزة تبلغ نحو 1000 دولار أو أقل، وهي كلفة متواضعة نسبياً مقارنة بالأرباح المحتملة لهذه الأنشطة غير القانونية، تبعاً للتقرير.
ويتسم بالأهمية ما كشفته مصادر متعدّدة من أنّ النظام السوري وخاصةً اللواءين الخامس والرابع في جيش النظام وبعض الجهات التابعة لميليشيا “حزب الله” يؤدون أدواراً حاسمة في تسهيل الحصول على هذه المسيّرات المستخدمة في عمليات التهريب وفي التدريب الأولي عليها، إذ يعمل هذا الدعم على تسهيل عملية شراء هذه المسيّرات واستخدامها، مما يجعلها في متناول شبكات التهريب، بسحب التقرير.
واختتمت المجلة تقريرها بأنّ “المسيّرات تُوفر مرونة لا مثيل لها بخلاف عمليات التهريب التقليدية على الأرض التي تتبع عادةً طرقاً ومعابر حدودية محددة، فيمكن إطلاقها من أي مكان تقريباً ضمن نطاق عملياتها، مما يسمح للمهربين بتغيير مواقع عملياتهم على نحو متكرر، في حي أنّ هذه القدرة على التكيف تجعل من الصعب للغاية التنبؤ بأنشطتها واعتراضها، إضافة إلى أنّ صعوبة تتبع أصل عمليات المسيّرات يوفر إمكانية إنكار معقولة، لأنّ الروابط المباشرة مع النظام السوري أقل وضوحاً مقارنة بأساليب التهريب البرية التي تشمل كلاً من السير على الأقدام أو بالمركبات”.