المدن –
بدأت قوات النظام، صباح الأحد، عملية عسكرية على الأرض من جهة بساتين برزة، باتجاه أحياء دمشق الشرقية؛ تشرين والقابون والبعلة وبساتين برزة، التي تسيطر عليها المعارضة. وكان النظام قد بدأ التصعيد العسكري على تلك الأحياء منذ أسبوعين، مكتفياً بالقصف الصاروخي والجوي، من دون تنفيذ عملية عسكرية على الأرض، أو محاولة للتقدم على أي محور.
الحملة التي دخلت يومها العاشر، خلّفت أكثر من 20 قتيلاً، وخروج المشفى الميداني الأبرز في المنطقة عن الخدمة، بشكل نهائي، بعد تعرضه لقصف جوي مباشر، وعدد من صواريخ أرض-أرض. بالإضافة إلى الدمار الكبير في المناطق السكنية من تلك الأحياء المعروفة بهشاشة البناء فيها وعشوائيته. وتسبب القصف بنزوح عشرات الآلاف من المدنيين، اتجه قسم منهم إلى الغوطة الشرقية. وقصد القسم الآخر حي برزة كمقدمة للخروج نحو دمشق أو التل، لكن مخابرات النظام أغلقت الطريق أمام الناس من تلك المناطق.
المفاوضات بين النظام والمعارضة في الأحياء الشرقية، قائمة منذ اليوم الثاني للحملة، ويجريها من طرف النظام ضباط من “الفرقة الرابعة” و”الحرس الجمهوري” أبرزهم قيس فروة وغيث دلة، “أبطال” النظام في حصار وتهجير داريا ووادي بردى ومعضمية الشام، في حين يتفاوض عن تلك الأحياء وجوه وشخصيات أهلية. المفاوضات لم تثمر نتائج ملحوظة، على الرغم من قبول بعض الفصائل العاملة على الأرض كـ”اللواء الأول” بشروط النظام من “تسليم للسلاح وتسوية محلية ونشر النظام عناصره في نقاط من تلك المناطق”، إلا أن الأمور تسارعت ليُرسل النظام رسالة للفصائل، تضعهم أمام سيناريوهات متعددة ليختاروا بينها؛ قدسيا والهامة، أو خان الشيح ووادي بردى أو داريا. التصعيد في لهجة ممثلي النظام عن احتمال عملية عسكرية كبيرة في محيط المنطقة، ترافقت مع تحشيدات عسكرية كبيرة، من الدبابات والمدرعات، وقوات من “الفرقة الرابعة” و”الحرس الجمهوري”، على الأوتوستراد الدولي دمشق-حمص، وفي مشفى تشرين أيضاً.
ويسعى النظام بشكل واضح إلى تحييد حي برزة عن القتال والمعارك. وهمه الرئيس هو السيطرة على القطاع المتصل بالغوطة الشرقية، في تلك الأحياء، عبر شبكة أنفاق بات الحديث عنها علنياً. وتشكل الأنفاق الشريان الحيوي للغوطة الشرقية، وساهمت في خلخلة حصار النظام للمنطقة. لكنها اليوم تبدو الهدف الأول لمليشيات النظام، لفرض حصار أشد عنفاً على الغوطة الشرقية، تحضيراً لمعركة كبيرة لم يُعلن عنها بعد.
مصدر عسكري من قوات النظام، أكد أن “الجيش السوري” لا يسعى للسيطرة على المنطقة كاملة، وإنما يهمه تأمين تلك الأنفاق وتدميرها وقطع الصلة بين الأحياء الغربية والشرقية من الغوطة، و”لو أن الغاية من تلك العملية هي السيطرة على الأرض، لشملت حي برزة بالكامل”. فالنظام، بحسب المصدر، يعلم أن “تواجد المدنيين الكثيف في حي برزة، سيجبر جميع الفصائل على القبول بشروطه فيما لو بدأ معركة حقيقة تشمل الحي”. ولكن “الأنفاق هي الأساس، وما تبقى هو تحصيل حاصل”، مؤكداً أن العمل العسكري على الأرض “سيبدأ في أسرع وقت ممكن بعد تدمير المناطق العشوائية التي يصعب الدخول إليها في تلك الأحياء”.
الوفود الروسية التي كانت قد تقدمت بمبادرة لتلك الأحياء قبل شهر ونصف تقريباً، تبدو اليوم بعيدة عما يجري على الأرض، ولا مكان لها في المفاوضات. إلا أن مصادر خاصة بـ”المدن” أكدت “إبرام هدنة بين الروس وفصائل تسيطر على منطقة غربي حرستا، بعد تعرضها لقصف عنيف تسبب بمجزرة كبيرة، ورفع العلم السوري في المنطقة التي دخلت حيز الهدنة منذ عام 2014، ودخلها الروس أكثر من مرة لتقديم المعونات الإنسانية للمقيمين فيها”. وربما يكون تدخل الروس في تلك المنطقة، لتأمين مقرات عسكرية يسيطرون عليها على الأوتوستراد الدولي، أبرزها ثكنة “مطانيوس بيطار” التي تُرفع عليها الأعلام الروسية.
ويرى ناشطون وإعلاميون في الغوطة الشرقية، أن مصير “القطاع الغربي”، يرتبط بمصير الغوطة، ولن تسمح فصائل الغوطة بتسليمه للنظام، أو إبرام هدنة فيه. فالقرار ليس لتلك المنطقة وإنما لفصائل الغوطة الشرقية، التي لم تحرك ساكناً حتى الآن، عدا عن الإعلان عن “غرفة عمليات مشتركة” لم يتبعها أي تصرف على الأرض؛ فلا عملية عسكرية للمعارضة باتجاه دمشق، ولا قذائف هاون على مقرات النظام، على غير العادة، ولا هجمات على نقاط تمركز قوات النظام على الأوتوستراد الدولي. عدم القتال، كموقف من كافة فصائل الغوطة الشرقية، رغم القصف العنيف، وبداية المعارك البرية، يثير الكثير من التساؤلات.
مقاول كبير من دمشق، قال لـ”المدن”، إن كل عملية عسكرية يجب أن يتم ربطها بالأمور الاقتصادية، ورؤية منطقة العملية من منظور التنظيم أو العشوائية؛ فدمار بعض المدن من مصلحة النظام في كثير من الأحيان، فلو قبلت فصائل الوادي بالخروج مباشرة لما استطاع السيطرة على كل ما فيها وتهجير الناس ومنعهم من العودة إلى منازلهم، وهو ما يسعى له في القابون ومحيطها عبر تدمير المناطق العشوائية التي طالما حَلُم النظام بالتخلص منها وفتح طريق يصل بين الأوتوستراد الدولي وحي برزة ومنطقة المساكن. مخطط قديم يعود إلى ما قبل الثورة. فامتلاك ذو الهمة شاليش، ورامي مخلوف، لقسم كبير من الأراضي التي أقيمت عليها معارض السيارات سابقاً، وقسم من أراضي المنطقة، كان الغرض منه بناء أبراج على مدخل العاصمة. الأمر الذي يشير إلى أن العملية تسعى لتدمير المنطقة بشكل كامل. وسبق للنظام أن دمر وفجر عشرات المنازل على الطريق ذاته. وبذلك القصف الممنهج سيتمكن من منع السكان العودة إلى منازلهم بعد التوصل لاتفاق أو حسم عسكري. فالواضح منذ العام 2016 أن النظام يسعى لتفريغ ريف دمشق من المعارضة المسلحة، مهما كلف الثمن.