يعاني معظم المسنين في سوريا من مشكلات صحية تتطلب أدوية مكلفة نتيجة وظائفهم وأعمالهم السابقة ما يجعلهم أكثر حاجة للمكملات الغذائية والفيتامينات التي لا يستطيعون الحصول عليها من الطعام اليومي وخاصة شرائح محدودي الدخل والمفقرين.
وتعتبر أدوية أمراض القلب وضغط الدم والسكري وهشاشة العظام وبعض الأدوية النفسية من الاحتياجات الطبية الدورية والتي أصحبت تكلف مبالغ أكبر من قدرة المتقاعد المالية، بحسب موقع قاسيون التابع لحزب الإرادة الشعبية.
وينقسم المسنون إلى شريحتين، إحداهما أقلية استطاعت أن تؤمن مستقبل تقاعدها بعيداً عن الحاجة للراتب التقاعدي وأخرى كما معظم الشعب السوري تحاول بشتى الوسائل والطرق المتاحة لأعمارها تأمين دخل شهري إلى جانب الراتب التقاعدي للوصول إلى الحد الأدنى من متطلبات البقاء على قيد الحياة.
ويعيش غالبية المسنين على مساعدات أبنائهم المادية والمعنوية مع العلم أن تلك المساعدات تشكل عبئاً مادياً على الأبناء وعبئاً نفسياً إضافياً على المسنين أنفسهم لكنها بنفس الوقت الحل الوحيد في ظل محدودية وضآلة الراتب التقاعدي الذي أصبح بالكاد يكفي لتغطية تكاليف نوعين أو ثلاثة من الأدوية الضرورية أو لتغطية تكاليف الغذاء ليومين أو ثلاث أيام بالشهر بأفضل الأحوال!
راتب تقاعدي لا يغطي الضرورات الغذائية
تبلغ تكلفة الغذاء الشهري للمواطن السوري بحدود 714 ألف ليرة سورية بينما لا تتجاوز الشريحة الأكبر من الرواتب التقاعدية هامش 200 ألف ليرة سورية، أي إن الراتب التقاعدي وحده لا يكفي لتغطية تكاليف الغذاء للمتقاعد كفرد، إضافة إلى ذلك تسحب بطاقات التأمين الصحي التي تغطي جزءاً بسيطاً من حاجات الموظفين الطبية من أدوية وفحوصات عندما يحالون إلى التقاعد وبالتالي يتركون أمام تكاليف صحية ضرورية لبقائهم على قيد الحياة كتكاليف إضافية عليهم تحملها بعيداً عن الضمان الصحي.
في حين لا يزال مشروع قانون الضمان الصحي للمتقاعدين حبيس المكاتب الحكومية حتى اليوم، على الرغم من كثرة الحديث عنه والوعود الوهمية من أجل تبنيه وإقراره.
خدمات حكومية غير مساعدة
يدخل المتقاعد متاهة من البيروقراطية الرسمية من اليوم الأول بعد انتهاء عمله إذ إن تقديم الأوراق اللازمة لكي يحصل على راتبه التقاعدي يتطلب أسابيع وربما أشهر من التحضير المسبق، حيث يُطلب من المتقاعد الحصول على وثائق تثبت سنوات خدمته وتسوية وضعه بالنسبة للمظلة التأمينية المسؤولة عن راتبه التقاعدي، سواء كانت مؤسسة التأمينات الاجتماعية أو مؤسسة التأمين والمعاش، بالإضافة إلى أوراق أخرى تتعلق بأفراد أسرته مثل إخراجات القيد وبيانات الزواج والولادة وغيرها بالإضافة إلى الحاجة لتجديد كل هذه الوثائق دورياً لكي يثبت المتقاعد أنه ما زال على قيد الحياة ويستحق راتبه التقاعدي، الذي هو حق من حقوقه.
وتعتبر المشكلة الأبرز في كل ذلك هي بطء العمل في أروقة فروع مؤسسة التأمينات والتأمين والمعاش ونقص الموظفين وزيادة الورقيات مع تزايد في نقص الخبرة والكفاءة في كثير من الأحيان مما يسبب ازدحام المراجعين داخل المكاتب وكثرة الصعوبات التي تواجه أصحاب العلاقة من المتقاعدين فالمراجعون أساساً هم من كبار السن الذين تتجاوز أعمارهم 60 سنة.
وتتبادر الكثير من الأسئلة المشروعة بما يخص كثرة الثبوتيات والورقيات المطلوبة من المتقاعد والتي من المفترض توفرها من خلال قنوات الربط الشبكي الحكومي إذ من الممكن أن يتم تفعيل الربط الشبكي بما يتعلق بالكثير منها ما يخفف من الأعباء والجهد على المتقاعدين.
والمفارقة بهذا الشأن أن شركة تكامل مثلاً والتي تمتلك كل المعلومات عن كل الأسر السورية بأفرادها ومتغيرات وقائعها تستطيع رفع الدعم عن المستحقين بمجرد زواج أحد أفراد العائلة أو سفره وبمجرد امتلاك سيارة جديدة أو سجل تجاري وغيرها من المستجدات الطارئة والمثبتة لدى إحدى الجهات الرسمية دون الطلب من صاحب العلاقة ليقوم بتقديم أية وثيقة من قبله، ما يثبت أنّ الربط الشبكي المفتوح قادر على إنجاز المطلوب بهذا الشأن مباشرة فكيف لا يفسح المجال أمام مؤسسة التأمينات الاجتماعية أو التأمين والمعاش الولوج إلى الشبكة الحكومية بما يخص بالثبوتيات والورقيات والمعلومات المطلوبة من المتقاعدين دون تحميلهم أعباء ذلك من خلال نافذة ذكية بكل فرع من الفروع.
والمشكلة بهذا الصدد تصبح أكثر صعوبة بالنسبة للمتقاعدين بحال الاضطرار للانتقال من محافظة إلى أخرى من أجل الحصول على بعض الثبوتيات والورقيات لاستكمال معاملة تقاعده.
وعود حكومية وهمية
المفارقة بعد كل ما سبق أعلاه أن مجلس الوزراء أقر خلال جلسته الأسبوعية بتاريخ 17 تشرين الأول الفائت “الاستراتيجية الوطنية لرعاية كبار السن وحمايتهم” والتي تعكس بحسب ما ورد على الصفحة الرسمية للحكومة “استراتيجية التزام الدولة ببناء بيئة داعمة لهم تحترم خصوصيتهم واحتياجاتهم وتؤكد الحرص على إبقائهم في محيطهم الطبيعي وتأمين الرعاية الاجتماعية الكاملة لهم”.
وأقرّ المجلس البرامج التنفيذية للاستراتيجية التي تحدد دور ومهام كل وزارة في هذا الإطار بهدف تحقيق الحماية الاجتماعية والأمن المالي والبيئة التمكينية للمسنين وتأصيل مكانتهم عند الأجيال الناشئة ومنحهم ميزات خاصة عن طريق الوزارات والنوادي والنقابات تمكنهم من القيام بنشاطات تساهم في تحسين حالتهم الصحية والنفسية، إضافة إلى توسيع نطاق التغطية الصحية ودعم وتأهيل المراكز الصحية في مختلف المناطق بما يخدم تنفيذ أهداف الاستراتيجية الوطنية لرعاية كبار السن.
ولم تنشر مفردات الاستراتيجية الوطنية التي تم إقرارها رسمياً لا على موقع الحكومة ولا على موقع الهيئة السورية لشؤون الأسرة والسكان والتي من المفترض أنها مسؤولة بهذا الصدد كجهة رسمية.
وجل ما ورد على الصفحة الرسمية للهيئة بتاريخ الأول من تشرين الأول الفائت باعتباره اليوم العالمي لكبار السن هو الإعلان بأن الهيئة تعمل إعداد مشروع الصك التشريعي لكبار السن بهدف تعزيز بيئة الحماية لهم.
وتكثر حكومة النظام السوري من الحديث التجميلي لواقع عملها وتكتفي بالحديث والوعود الإعلامية فقط لا غير، فلا استراتيجية لكبار السن ولا من يحزنون، فأين هي الحكومة من التزامها تجاه احتياجات المسنين أو حمايتهم وأمنهم المالي في ظل هذا الواقع الكارثي الذي يعيشه هؤلاء يومياً؟