نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” تحقيقاً مطولاً كشف أن أجهزة الأمن في عهد نظام بشار الأسد أقدمت على إخفاء آلاف الأطفال قسرياً، ضمن أكثر من 100 ألف شخص اختفوا في السجون السرية للنظام منذ اندلاع الثورة.
وأشار التحقيق إلى أن مئات الأطفال فُصلوا عن ذويهم ونُقلوا سراً إلى دور أيتام، من بينها ست منشآت تديرها منظمة دولية غير حكومية تُعرف باسم قرى الأطفال SOS ، حيث مُنح العديد منهم هويات مزيفة لمنع عائلاتهم من الوصول إليهم.
واطلعت الصحيفة على عشرات الوثائق السرية وقواعد بيانات ضخمة أعدها جهاز المخابرات الجوية السورية، توضح حجم العملية وتعقيدها، بما في ذلك الأوامر الصادرة عن كبار مسؤولي المخابرات بفصل الأطفال عن ذويهم وإخفائهم.
وأوضحت الوثائق أن وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل ومحافظ ريف دمشق كُلّفوا بتأمين أماكن للأطفال في دور الأيتام، مع إلزامهم بالحصول على موافقة المخابرات قبل أي خطوة أخرى، وأمروا بإبقاء الأطفال مخفيين ومنع الكشف عن أي معلومات تعريفية لهم.
وأجرت الصحيفة مقابلات مع عدد من أبناء المعتقلين السياسيين الذين تم تغيير أسمائهم، بينهم اثنان وضعا في مؤسسات SOS ، فيما أكدت المنظمة أن الأجهزة الأمنية السورية لم تقدم وثائق رسمية، ولم يُطلب منها تغيير أو اختلاق أسماء الأطفال.
وبعد سقوط النظام، شكّلت الحكومة السورية الجديدة لجنة للتحقيق في الإخفاء القسري للأطفال، وتم استجواب عدد من مسؤولي دور الأيتام ووزراء سابقين، لكن لا يزال العديد من المسؤولين رفيعي المستوى مجهولين أو خارج البلاد.
وحتى الآن، حددت اللجنة 314 طفلاً من أبناء المعتقلين انتهى بهم المطاف في دور الأيتام، فيما لا يزال مصير العديد منهم غير معلوم، خصوصاً مع تدمير بعض المرافق أو تزوير سجلاتها.
ويشير التحقيق إلى أن استخدام هذا الأسلوب كان جزءاً من سياسات النظام لمعاقبة أهالي المعتقلين أو الضغط عليهم، إضافة إلى قطع الصلات بين الأطفال وعائلاتهم المرتبطة بالمعارضة. كما تم تجنيد بعض الفتيان عند بلوغهم سن الرشد.
وأكد المتحدث باسم وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل في دمشق، سعد الجابري، أن التحقيقات الداخلية وجدت وثائق تثبت نقل الأطفال إلى مؤسسات رعاية بقرارات مباشرة من الأجهزة الأمنية، مع الإشارة إلى أن المنظمة الدولية SOS بدأت منذ 2018 اتخاذ إجراءات صارمة لوقف استقبال الأطفال من دون وثائق رسمية، وتعمل حالياً مع الحكومة والمؤسسات المحلية والدولية لدعم عمليات البحث عن المفقودين.
وحذر خبراء حقوقيون دوليون من أن تجاهل مصير الأطفال المختفين قد يُبقي جذور العنف مستمرة، مؤكدين أن العدالة لا تتحقق من دون معرفة مصير هؤلاء الأطفال وضمان محاسبة المسؤولين عن الانتهاكات.
وبحسب إحصائيات صادرة عن الشبكة السورية لحقوق الإنسان، فإنَّ 3700 طفل على الأقل ما زالوا في عداد المختفين قسرياً منذ شهر آذار 2011، بعد اعتقالهم من قبل نظام بشار الأسد، ورغم فتح السجون عقب تحرير سوريا، لا يزال مصير هؤلاء الأطفال مجهولاً.