تصاعدت في سوريا ظاهرة البحث عن الكنوز المدفونة في أعقاب سقوط نظام بشار الأسد، مدفوعة بأساطير متوارثة عن وجود ذهب ومقتنيات ثمينة تركتها حضارات غابرة، في ظل فراغ أمني أتاح المجال أمام نشاط لم يكن ممكناً سابقاً بسبب القيود الأمنية المشددة.
وجاء في تقرير لصحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية، أن الأشهر الأخيرة شهدت إقبالاً غير مسبوق على شراء أجهزة كشف المعادن، بالتزامن مع التغيرات التي طرأت في المشهد الأمني والسياسي بعد سقوط نظام الأسد.
وأوضحت الصحيفة أن هذه الأجهزة، التي كانت محظورة في السابق، باتت تُعرض علناً في متاجر متخصصة افتتحت حديثاً في العاصمة دمشق، وتباع بأسعار تبدأ من مئات الدولارات وتصل إلى عشرة آلاف دولار.
وتقول الصحيفة إن بعض هذه الأجهزة مخصصة للأطفال، وتُباع بألوان زاهية مثل الوردي والأخضر، في محاولة لتسويق الهواية للعائلات كأنها نشاط ترفيهي بريء.
وبحسب تقرير الصحيفة، فإن هذه “الحمّى” مدفوعة بتاريخ سوريا الغني بالحضارات القديمة، وتوارث السوريين لروايات عن كنوز دفنتها قوافل الحجاج، أو تركها المسافرون على طريق الحرير، أو خبأها الجنود العثمانيون أثناء انسحابهم من القدس في 1917. ويُعتقد أن بعض هذه الكنوز دُفنت على امتداد خط سكة حديد الحجاز الذي كان يربط دمشق بالمدينة المنورة.
الباحث السوري في تاريخ وأنثروبولوجيا الشرق الأوسط، عمرو العظم، قال للصحيفة: “كل شخص في منطقتنا يعرف أحد الأقارب الذي كان يحفر في منزله ووجد جرة مملوءة بالذهب”، مشيراً إلى أن هذه القصص أصبحت جزءاً من الموروث الشعبي السوري.
وأضاف أن “معظم السوريين يعيشون فوق أو قرب مواقع أثرية، وهذا ما يجعل الفكرة أقرب إلى التصديق بالنسبة لهم”.
ومع تدهور الاقتصاد وانهيار سبل العيش، لجأ كثير من الناس إلى هذا النشاط كمصدر دخل بديل، رغم أنه لا يزال غير قانوني رسمياً، حيث نقلت الصحيفة عن أحد أعضاء المكتب الإعلامي للحكومة قوله: إن التنقيب عن الكنوز ما زال محظوراً، لكن السلطات “تغض الطرف” في كثير من الحالات لعدم قدرتها على تغطية جميع المناطق أو ملاحقة جميع المنقبين.
وأفادت الصحيفة بأن انتشار الظاهرة لم يقتصر على الداخل السوري، بل امتد إلى دول الجوار، حيث يعرض متجر إماراتي أجهزة كشف معدنية مخصصة للتربة الصخرية والبازلتية في سوريا، ويقدّم خدمة الشحن مباشرة للسوريين.
وقال أحد تجار التجزئة في دمشق إن عدداً قليلاً من الناس كانوا ينقبون سراً منذ عقود، لكن بعد سقوط الأسد أصبح من الممكن شراء هذه الأجهزة بسهولة، ما زاد من انتشار الظاهرة، مضيفاً أن بعض الزبائن يأتون بناءً على إشاعات عن وجود كنوز مدفونة في أراضيهم، بينما يمارس آخرون التنقيب كهواية خلال رحلات التخييم.
وفي المقابل، حذّر الباحث السوري من عمليات الاحتيال، مؤكداً أن السوق السورية باتت تعج بالعملات المزيفة التي يُزعم أنها تعود للعصر العثماني أو الروماني.
وقال: “معظم ما يُعرض للبيع على وسائل التواصل الاجتماعي ليس سوى وهم تجاري. هناك من يستغل خيال الناس المفرط لتحقيق أرباح على حساب مدخراتهم”.
وأضاف العظم أنه شاهد بنفسه بعض القطع الأثرية الحقيقية التي تم عرضها عليه بعد سرقتها من مواقع أثرية مختلفة، مشيراً إلى أن عمليات النهب تصاعدت بشكل كبير بعد سقوط النظام، نتيجة الفراغ الأمني الذي خلّفه انهياره.
من جهة أخرى، تحدّثت الصحيفة إلى أحد الباحثين عن الكنوز، الذي عرّف نفسه باسم “أبو وائل”، وقال إنه قضى أكثر من 40 عاماً في البحث عن الذهب دون أن يعثر على شيء.
وأضاف: “الحقيقة أن هذه الأجهزة لا تقودك إلا إلى المزيد من الخيبة. التجار يبيعون الوهم، والكثير من الناس ينفقون كل ما لديهم من مدخرات على حلم لا يتحقق”.