بدأ الجيش الإسرائيلي توغله ضمن أراضي محافظة القنيطرة في الثامن من كانون الثاني عام 2024 مع سقوط نظام بشار الأسد في سوريا.
وخلال ذلك عمل الإسرائيليون على تجريف الأراضي الزراعية واقتلاع الأشجار في عدة مناطق حراجية تعتبر ذات أهمية كبيرة لبيئة الجولان السوري وموطناً للكثير من أنواع الأشجار والحيوانات النادرة.
وأوضح مدير حراج القنيطرة أحمد ذيب، في تصريح لـ”العربي الجديد”، أن قوات الجيش الاسرائيلي أزالت “غابة كودنة” المزروعة بالصنوبر الثمري بالكامل بمساحة 1800 دونم، والتي تنتج مليوني طن سنوياً من بذور الصنوبر، إضافة إلى تجريف وقلع أشجار حراجية من نوع السنديان المعمر النادر في سوريا في “غابة طرنجة”.
ولفت ذيب إلى أنّ مساحة محميتي الطرنجة وجباتا الخشب تبلغ 4600 دونم، المتضررة منها 200 دونم مع تجريف كامل حتى تاريخ هذا اليوم. كما منع الجيش الإسرائيلي، بحسب ذيب، دخول الفلاحين إلى أراضيهم، وأقدمت على قلع أشجار حراجية من نوع الكينا والسرو عمرها 30 سنة على جانبي الطريق من مدينة السلام حتى الحميدية إلى مدينة القنيطرة المهدمة بمساحة خمسة كيلومترات على جانبي الطريق بالكامل.
وأوضح مدير حراج القنيطرة أن إعادة غابات عمرها 150 سنة مثل محمية طرنجه صعب جداً، لكن بعد حصر الأضرار بشكل نهائي تم وضع خطة تستمر لخمس سنوات من أجل ترميم المواقع الحراجية حسب القدرات والإمكانات المتاحة.
ويعد موضوع المياه هو الأخطر حالياً، فكما هو معروف تشكل القنيطرة خزان مياه كبيراً وسط مساعي دولة الاحتلال للسيطرة على منابع المياه.
وتوجد في القنيطرة ستة سدود (المنطرة – الرويحنة – بريقة – كودنة – الهجة – سد غدير البستان)، ويبلغ إجمالي كميات المياه فيها 80 مليون متر مكعب، السد الأهم فيها هو المنطرة الذي يتسع لـ40 مليون متر مكعب، أي أن نصف مياه المحافظة تصب فيه، بحسب ما أكده مدير الحراج.
وتبرز أهمية هذا السد من كونه الأول باتجاه الشمال نحو جبل الشيخ، لذلك يمتلئ أولاً بالمياه ومن ثم يغذي السدود الأخرى، “لكن ما حدث أنه منذ دخول القوات الإسرائيلية أخيراً إلى تلك المناطق وضعت نقطة عسكرية حول السد، ومنعت أي شخص من الاقتراب، وهناك تخوف من سحب مياه السد باتجاه الأراضي المحتلة من الجولان، وتالياً فإن السدود الأخرى يصبح وجودها مثل عدم وجودها، وهناك مخاوف من إغلاق هذا السد، وبالتالي لن تكون هناك أراض زراعية مروية، وخاصة أن موسم الأمطار هذا العام كان قليلاً ولم تمتلئ السدود”.
وأشار ذيب إلى وجود قلق كبير من تعرض السد للتخريب من قبل الاحتلال في حال انسحب منه، وهذا سيؤدي إلى حدوث كارثة حقيقية في المنطقة.
يعد موضوع المياه هو الأخطر حالياً
بدوره، كشف مدير البيئة في محافظة القنيطرة علي إبراهيم، في تصريح لـ”العربي الجديد”، أن الاعتداء على محميات القنيطرة ترك أضراراً بيئية واقتصادية واجتماعية.
وأوضح إبراهيم أن الأضرار البيئية تتمثل بفقدان التنوع البيولوجي وتآكل التربة وتدهورها، إضافة إلى تغير المناخ المعتدل واختفاء الموطن الأساسي للحيوانات النادرة الموجودة فيها، مثل الثعالب والضباع والأرانب البرية وتهديدها بالانقراض.
ونبه أيضاً إلى أن إزالة الغابات ستنعكس آثارها على المجتمع المحلي، لأن السكان يعتمدون في كسب عيشهم على جني الثمار والنباتات الطبية والرعي ضمن الغابة، وعلى مردود السياحة البيئية، وعندما تتم إزالة الغابات تفقد هذه المجتمعات مصدر دخلها، وسيؤدي ذلك إلى زيادة معدلات الفقر والهجرة إلى المناطق الحضرية، وزيادة الضغط على الموارد المحدودة أصلاً.
وذكر المسؤول السوري ذاته أن فقدان الأخشاب ومنتجات الغابات من بين العواقب الاقتصادية الأكثر وضوحاً لإزالة الغابات، والتي تعد مصدراً قيماً للأخشاب، لافتاً إلى تقديرات تقديرية للأضرار الاقتصادية في حدود 36 مليون دولار.
بينما قُدّرت قيمة الأضرار المباشرة لفقدان الغطاء النباتي في غابة كودنه وحدها بـ59.5 مليون دولار، كما تتعرض التربة للانجراف وفقدان إنتاجيتها، علماً أن التربة في محافظة القنيطرة ليست عميقة وتراوح بين 40 و50 سنتيمترا، مشيراً إلى حقيقة علمية تتمثل في أن تكوّن 1 سنتيمتر من التربة السطحية يمكن أن يستغرق ألف سنة.
وفي حين اعتبر أن هذه الخسارة لا يمكن حسابها، أشار إلى أنه “إذا استطعنا حساب الأضرار المباشرة التي بلغت ثمانية ملايين دولار، فهذا يعني أن مجموع الأضرار الاقتصادية جراء الاعتداءات الإسرائيلية بلغ 103.5 ملايين دولار”.
ودعا إبراهيم إلى مخاطبة المنظمات الدولية لمنع التعديات التي يقوم بها الجيش الإسرائيلي على الغطاء الغابوي في محافظة القنيطرة، وطلب الدعم من المنظمات العاملة في مجال البيئة لإعادة تشجير المواقع التي اقتلعت الأشجار منها، وتقديم الدعم للسكان المحليين الذين يعتمدون في حياتهم على منتجات الغابات.
المصدر: العربي الجديد – بتصرف