صممت الولايات المتحدة على مدى أكثر من أربعة عقود، وبشكل تدريجي سلسلة معقدة من العقوبات الواسعة النطاق المفروضة على القطاعات الاقتصادية والشركات والأفراد في سوريا.
وقد صنفت واشنطن سوريا دولة راعية للإرهاب بدءاً من سنة 1979، وأضافتها إلى قائمة تضم العراق وليبيا واليمن الجنوبي، وبناء على هذا النهج، وقعت الولايات المتحدة في سنة 2004، في خضم حربها في العراق، الأمر التنفيذي 13338 ليصبح قانونا يضيف مزيداً من العقوبات والقيود على سوريا رداً على دعمها لمليشيا “حزب الله” وتعدياتها في لبنان.
وشكلت الاحتجاجات وأعمال القمع الوحشية التي مارسها نظام الأسد على المحتجين مرحلة جديدة للقيود الاقتصادية الأميركية على سوريا، فبدأت واشنطن باستخدام العقوبات الاقتصادية بوصفها من أكثر الأدوات شعبية في مجموعة أدواتها، وذلك ردا على قائمة متزايدة من جرائم الحرب التي ارتكبها النظام، وتعزيز علاقاته مع روسيا وإيران، ومشاركته في إنتاج المخدرات غير المشروعة والاتجار بها، وسلوكه المتطرف مع جيرانه.
وبعد شهر واحد فقط من اندلاع الاحتجاجات في مدينة درعا، أصدرت الولايات المتحدة الأمر التنفيذي 13572 في نيسان 2011 الذي يفرض حظرا على ممتلكات مسؤولي النظام المتورطين في انتهاكات حقوق الإنسان.
واتخذت خطوات إضافية في أيار و آب من العام نفسه، عندما أصدرت إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما الأمرين التنفيذيين 13573 و13582، وفرضت عقوبات على مسؤولين سوريين رفيعي المستوى مثل الرئيس بشار الأسد نفسه، وعلى ممتلكات الحكومة السورية، وبدأت بفرض قيود على الاستثمارات الجديدة، واستيراد النفط السوري، وبيع الخدمات من قبل أفراد أميركيين.
وفي العام التالي، واصلت الولايات المتحدة البناء على نظام العقوبات، ففرضت قيودا إضافية في نيسان وأيار 2012، وفي الذكرى السنوية الأولى للثورة السورية استهدفت مزيداً من الأفراد الموالين للنظام والكيانات التجارية التي كان لها دور في قمع النظام لمواطنيه وسعت للتهرب من العقوبات الدولية.
وفي أعقاب آب 2013، اعتبرت العقوبات الاقتصادية وسيلة للتعويض عن نهج عدم التدخل الذي وضعته إدارة أوباما، بعد الامتناع عن إنفاذ “الخط الأحمر” الذي حدده الرئيس أوباما ومستشاروه.
وجاءت أكبر جولة من العقوبات مع “قانون قيصر لحماية المدنيين السوريين” في كانون الأول 2019، الذي صمم لعزل النظام اقتصاديا وسياسيا بعد سنوات من إفلاته من العقاب واستمرار سلوكه العدائي، وفرض قيودا شديدة على مسؤولي النظام والجهات الفاعلة المحتملة في إعادة الإعمار.
وفرضت الولايات المتحدة عقوبات إضافية بموجب “قانون الكبتاغون” لعام 2022 و”قانون مكافحة الاتجار غير المشروع بالكبتاغون” لعام 2024، اللذين صمما لفرض قيود على الشركات والأفراد السوريين واللبنانيين المرتبطين بعائلة الأسد، والفرقة الرابعة المدرعة التابعة للنظام وأجهزة الاستخبارات، ومليشيا “حزب الله”، وقطاع الأعمال، الذين يساهمون في إنتاج الكبتاغون و/أو الاتجار فيه.
ولكن ومع تزايد قسوة العقوبات على المدنيين السوريين، أصدر مكتب مراقبة الأصول الأجنبية في وزارة الخزانة الأميركية سلسلة من الإعفاءات وسياسات الترخيص للتصدير لتخفيف تكاليف العقوبات على المواطنين السوريين غير المرتبطين بالنظام وجرائمه.
ويشكل احتمال إلغاء العقوبات المفروضة على دمشق بداية لتحول كبير في السياسة الأميركية اتجاه سوريا.
وقد أثارت الحاجة الماسة إلى الإغاثة المالية الفورية في سوريا نقاشا حيويا في واشنطن وفي عواصم شركائها في شأن التخفيف التدريجي للعقوبات الفردية والقطاعية المعقدة التي فرضت منذ سنوات على سوريا ردا على السلوك الخبيث للنظام البائد.
وأوضحت إدارة بايدن، في أيامها الأخيرة، أن هيئاتها تدرس بالفعل تخفيف وطأة العقوبات، لكن النقاش لا يزال جاريا في شأن كيفية تصميم هذه العملية وتوقيتها وتنفيذها، ومن المرجح أن يستمر ذلك في إدارة ترمب الثانية.
وفي المحصلة، وصفت معضلة العقوبات الأميركية بأنها موقف محير. ففي وسع الولايات المتحدة القيام بتخفيف رئيس للعقوبات يسمح بحصول تدفق نقدي كبير والتطبيع الاقتصادي مع سوريا الجديدة، وهو ما يدعم الانتقال السياسي السلس.
ويمكن بدلاً من ذلك أن تستخدم الولايات المتحدة تخفيف العقوبات بمثابة أداة للضغط على الحكومة الجديدة وعدم مكافأة دمشق إلا بعد أن تتحقق من أنها قد نأت بنفسها عن الماضي.
وقد حثت الولايات المتحدة بهدوء حتى الآن دولاً مثل المملكة المتحدة والأردن، والأمم المتحدة، ومنظمات المجتمع المدني، على تقييم سلوك الحكم الجديد، والتعرف الى سياساته المزمعة، ومناقشة رؤية دمشق لإحياء الاقتصاد السوري، وتحديد مبادئها الانتقالية والمجتمع المدني والامتثال للقواعد الدولية.
وأصدرت الولايات المتحدة أيضاً إعفاء من قانون المساعدة الخارجية، يسمح بموجبه لدول مثل عمان ولبنان والعراق والكويت والأردن وقطر وأوكرانيا والإمارات العربية المتحدة وتركيا والمملكة العربية السعودية بمباشرة دعم التعافي الاقتصادي في سوريا مع استمرار تلقي المساعدة الأميركية – وهو أمر كان محظوراً سابقا لتصنيف سوريا دولة راعية للإرهاب.
لكن بوجود إدارة أميركية جديدة بقيادة رئيس نشر بعد يومين فقط من سقوط نظام الأسد، “هذه ليست معركتنا. دعوا الأمور تمضي. ولا تتورطوا”، فمن غير المعروف ما إذا كانت الإدارة الأميركية ستسعى للحفاظ على زخم المشاركة وتخفيف العقوبات.
المصدر: موقع المجلة – بتصرف