كشف تحقيق أنّ الاستيراد في سوريا يتصدر قائمة الأنشطة الاقتصادية المتهمة محلياً باحتضانها أو تعرّضها للممارسات احتكارية تختلف فيما بينها تبعاً لنوع السلعة المستوردة.
وصنّفت الباحثة الاقتصادية رشا سيروب احتكار الاستيراد في سوريا بثلاثة أنواع: الأول وهو “احتكار الدولة لاستيراد بعض السلع الأساسية مثل القمح والنفط”، حيث أشار التحقيق إلى أنّه يُفترض أنّ هذا النوع من الاحتكار لن يؤثر على ندرة السلع أو أسعارها، غير أنّ العقوبات المفروضة على النظام السوري أدّت إلى قيام الحكومة بالتعاقد في الباطن مع أشخاص طبيعيين أو اعتباريين لتوفير هذه السلع نيابة عنها، وفق موقع أثر برس الموالي.
وأضاف التحقيق أنّه تم منح امتيازات التعاقد لأشخاص بعينهم وهو ما ألغى مزايا هذا الاحتكار وأدّى إلى ارتفاع أسعارها، وتحول احتكار “الدولة إلى إدارة الاحتكار لصالح الدولة، وبات مشابهاً في أثره للنوع الثاني من الاحتكار وهو احتكار المحسوبية”.
وأشارت إلى أنّه تحت مسمى “ترشيد المستوردات” ووفق آليات تنفيذ تمويل المستوردات وعلى وجه الخصوص تمويل مستوردات القطاع الخاص من خلال بيع القطع الأجنبي للمستورد عن طريق إحدى شركات الصرافة “والتي تُعرف بالمنصة”، تحوّل ترشيد المستوردات إلى احتكار شريحة وفئة من المستوردين للعديد من السلع المسموح استيرادها وفق القوائم، حيث تمنح إجازات الاستيراد ويسهّل تمويلها من قبل المنصة لأشخاص محدّدين، رغم أنّه قانونياً لا يوجد ما يثبت ذلك بسبب لجوء المحتكرين إلى تقديم إجازات الاستيراد بأسماء مختلفة.
وتابعت: “لكن يمكن الاستعانة ببعض الدلالات، على سبيل المثال العديد من السلع انخفض سعرها عالمياً لكن سعرها محلياً ارتفع، وحتى لو ارتفع سعر السلعة عالمياً، لكن نسبة الارتفاع في السوق المحلي أكبر بكثير من نسبة الارتفاع العالمية، فلو كان هناك منافسة لانخفضت الأسعار”.
أما النوع الثالث وفقاً لسيروب فهو “احتكار الاستيراد غير النظامي أي احتكار السلع المهرّبة، فرغم تقييد المستوردات وتقليص عدد السلع المسموح باستيرادها إلى ما دون الحد الأدنى، ومع ذلك نجد أنّ السوق السورية لم تخلُ من جميع أنواع السلع الممنوع استيرادها وبأسعار شبه موحدة في جميع المحال التجارية، وهو ما يعطي مؤشراً على وجود كارتل من نوع ما، ينسق الكميات ويحددون الأسعار”.
وبحسب التحقيق، فإنّ عدد الشركات التجارية المسجلة في وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك والتي غايتها الاستيراد والتصدير مع نهاية العام الفائت 24861 شركة، منها 18.9% كان مقرها في ريف دمشق، ثم محافظة دمشق في المرتبة الثانية بنسبة 18.2%، فحلب ثالثة بنسبة 14.7%، وحماة رابعة بنسبة 14.1%، وجاءت اللاذقية في المرتبة الخامسة بنسبة 13.3%.
أما أقل المحافظات ترخيصاً لهذا النوع من الشركات فكانت الرقة بنسبة 0.06% وقبلها جاءت الحسكة بنسبة 0.11%.
وأظهرت البيانات التي حصل عليها التحقيق والتي تم استخلاصها من مراجعة حوالي 46 مادة رئيسية جرى استيرادها خلال الأشهر العشر الأولى من العام الفائت، أنّ إجمالي عدد المستوردين لتلك المواد وصل في الفترة المشار إليها إلى نحو 4752 مستورداً، وهذا الرقم لا يمثل عدد المستوردين في البلاد عموماً، وإنما عدد مستوردي المواد المشار إليها سابقاً، وذلك بالنظر إلى قيام بعض المستوردين باستيراد أكثر من مادة، وتالياً فهم يخضعون للإحصاء أكثر من مرة.
واستعرض التحقيق البيانات المتعلّقة بعدد المستوردين تبعاً لكل مادة، وصنفها وفقاً لثلاث خانات، وذلك لسهولة تحليل مدى قربها أو بعدها عن ظاهرة الاحتكار.
الخانة الأولى تضم السلع والمواد المستوردة من قبل عدد ليس بالقليل من المستوردين (200 مستورد وما فوق لكل مادة)، والبيانات التي وصل إليها التحقيق تُظهر أنّ عدد المستوردين الأكبر كان في قطع التبديل، حيث تم تسجيل حوالي 750 مستورداً، ثم جاءت الأقمشة في المرتبة الثانية بحوالي 354 مستورداً، فالحبيبات البلاستيكية ثالثة بحوالي 331 مستورداً، ثم البطاريات رابعة بحوالي 316 مستورداً، وخامسة الخيوط بحوالي 292 مستورداً، واحتلت مادة الورق والكرتون المرتبة السادسة بحوالي 266 مستورداً.
أما الخانة الثانية تشمّل السلع والمواد المستوردة من قبل مستوردين يقل عددهم في المادة الواحدة عن 20 مستورد، وقد تم حصر ثماني مواد رئيسية تصدرتها بذور فول الصويا، والتي جرى استيراد كمياتها خلال الأشهر العشر الأولى لعام 2023 من قبل 5 مستوردين فقط، تلتها مادة حليب أطفال الرضع بحوالي 9 مستوردين، ثم عبوات الألمنيوم بحوالي 10 مستوردين، وزيوت عباد الشمس الخام في المرتبة الرابعة بحوالي 14 مستورداً، فالمتممات العلفية والاسمنت الأبيض والطحين وتقاسمت المرتبة الخامسة بحوالي 15 مستورداً لكل منها، أجهزة الموبايل سادسة بحوالي 16 مستورداً، وأخيراً الزبدة الحيوانية واستوردها حوالي 17 مستورداً.
-الخانة الثالثة وتتضمن بعض السلع والمواد التي يتردد شعبياً وإعلامياً بوجود احتكار في استيرادها، ومنها مادة السكر الخام والأبيض، والتي تكشف بيانات الأشهر العشر الأولى من العام الماضي أنه جرى استيرادها من قبل 53 مستورد، الأرز 55 مستورد، الشاي 54 مستورد، الموز 24 مستورد، السردين 27 مستورد، الطون 23 مستورد، بن غير محمص 140 مستورد.
بينما لخانة الثالثة وتتضمّن بعض السلع والمواد التي يتردد شعبياً وإعلامياً بوجود احتكار في استيرادها، ومنها مادة السكر الخام والأبيض، والتي تكشف بيانات الأشهر العشر الأولى من العام الماضي أنه جرى استيرادها من قبل 53 مستورد، الأرز 55 مستورد، الشاي 54 مستورد، الموز 24 مستورد، السردين 27 مستورد، الطون 23 مستورد، بن غير محمص 140 مستورد.
ونقل التحقيق عن مصدر في وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية، لم يسمّه، قوله إنّ ظاهرة الاحتكار كانت حاضرة بشكل كبير، إلا أنّها تراجعت منذ القيام بإعادة النظر بكل الإجراءات الخاصة بتنظيم إجازات الاستيراد.
ولفت إلى أنّه خلال عملية المراجعة تلك تبيّن مثلاً أحد المستوردين كان يستورد سلعاً عبر 21 سجلاً تجارياً مستخرجاً بأسماء أشخاص إما موظفين لديه أو تربطهم بهم علاقة من نوع ما. في حين أوضح أحد أعضاء لجان التسعير، لم يُذكر اسمّه، أنّهم في اللجنة كثيراً ما كانوا يلاحظون تكرّر أسماء معينة، وأحياناً ترد إرسالية واحدة أو اثنتان أو أكثر بأسماء غير معروفة، وأحياناً ترد أكثر من إرسالية باسم شخص واحد لكن على مراحل عدة أو بأكثر من إجازة، فتارة تكون الإجازة لاستيراد كمية قدرها 500 طن، وتارة أخرى تكون لاستيراد حوالي 50 أو 25 طن فقط.