صوت العاصمة – متابعات
تشهد العاصمة السورية دمشق بداية عام عصيبة في ظل أزمات معيشية غير مسبوقة تخيم بظلالها على ملايين السكان.
ورغم اعتياد الأهالي على شح الوقود والانقطاعات الطويلة للتيار الكهربائي وغلاء الأسعار، فإن اشتداد وطأة فصل الشتاء والانخفاض الكبير في درجات الحرارة، إضافة إلى انقطاع المياه منذ أكثر من أسبوعين، فاقم من معاناة آلاف العائلات التي يعيش قسم كبير منها ظروفا اقتصادية متردية للغاية.
وكما في كل أزمة معيشية عاشتها دمشق خلال سنوات الحرب الخمس، برزت خلال الأيام الأخيرة تجارة سوداء تحاول احتكار بيع أساسيات الحياة بأسعار تعجز معظم العائلات عن تحملها، وتستفيد من تواطؤ الحكومة السورية الخفي معها لتسهيل عملها.
من الغاز إلى الوقود ومؤخرا المياه، لا ترى حفنة صغيرة من التجار ضيرا من الإثراء والانتفاع من الحاجات المتزايدة لأهالي العاصمة الذين يرزح أكثر من 80% منهم تحت خط الفقر، وذلك وفق دراسة للأمم المتحدة العام الماضي.
وفي حديث للجزيرة نت، اشتكى أبو رائد -وهو أب لخمسة أطفال- من عجزه التام عن تلبية متطلبات عائلته، واصفا حياته خلال الأسابيع الأخيرة بأنها “صراع بين دخله الذي لا يتجاوز مئة ألف ليرة سورية (نحو مئتي دولار) والحصول على الدفء والماء والطعام”.
وأوضح الرجل الخمسيني -الذي يعمل في أحد محلات بيع الملابس- أن أزمة المياه كانت “الشعرة التي قصمت ظهر البعير”.
فالمياه التي تُضخ إلى منازل العاصمة بالتناوب بالكاد تكفي حاجة أسرة كبيرة كعائلة أبو رائد، ورغم الوعود الحكومية بتأمين صهاريج مياه مجانية فإنها وعود انتقائية تستثني كالعادة الأحياء الأشد فقرا، مما يعني ضرورة الاعتماد على تجار المياه الذين يبيعون لتر الماء للاستخدامات المنزلية بسعر يصل إلى عشر ليرات، ويحصلون عليها من مصادر مجهولة وغير صحية على الأغلب.
أما مياه الشرب فهي معضلة أخرى بحسب أبو رائد الذي لفت إلى اضطراره لشراء عبوات تحتوي على مياه صالحة للشرب، وذلك بسبب تلوث المياه التي تصل المنازل واستقبال مشافي العاصمة المختلفة عشرات حالات التسمم يوميا.
ويصل سعر عبوة مياه الشرب ذات سعة 1.5 لتر إلى مئتي ليرة، رغم القيود الصارمة التي تؤكد الحكومة السورية فرضها على كل من يبيع العبوة بسعر يزيد عن 125 ليرة، وهي قيود يرى الرجل الدمشقي أنها لا تطال سوى المحال الصغيرة، في حين تستمر حفنة من التجار المرتبطين بالنظام في احتكار كافة أساسيات السوق وبيعها بأغلى الأسعار.
وبذلك، يحتاج أبو رائد إلى ما يزيد عن أربعة آلاف ليرة أسبوعيا للحصول على ما يلزم أسرته من الماء فقط، وإن أضاف إليها تكلفة وقود التدفئة والطبخ والحد الأدنى من المواد الغذائية، فسيحصل على معادلة لن تسبب له سوى المزيد من الإحساس بالعجز.
تجار الحرب
ويتحدث الناشط الإعلامي أبو يحيى للجزيرة نت عن تلك التجارات السوداء، حيث يؤكد لجوء عدد من التجار والموزعين إلى تخزين المياه والوقود والغاز التي يحصلون عليها من مراكز التوزيع الحكومية، بهدف بيعها للأهالي بأسعار مضاعفة.
ويشرح أبو يحيى -الذي يقيم في دمشق- آلية التجارة تلك بأن بعض تجار الحرب يعمدون إلى “تخزين صناديق عبوات مياه الشرب من كافة الأنواع. ورغم حصر بيع تلك الصناديق بالمؤسسات الحكومية فإن زيادة الطلب ونفاد الكميات أجبرا السكان على اللجوء إلى أولئك التجار الذين يتحكمون في الأسعار كما يرغبون، وسط غياب أي رقيب على عملهم”.
وبشكل مشابه، يبيع تجار وموزعو الوقود وعبوات الغاز المنزلي ما لديهم من محروقات بأسعار تفوق ما تحدده الحكومة السورية بعشرات وحتى مئات الليرات، مستغلين حاجة السكان الماسة إلى الدفء.
ويشير الناشط الإعلامي الذي يعمل مع شبكة “صوت العاصمة” إلى عدم اكتراث الحكومة السورية بتفاقم الأزمات التي يعيشها سكان عاصمتها، وهو إهمال ليس بغريب على حكومة “نائمة في العسل” على حد تعبيره.
المصدر: الجزيرة نت