ارتفع معدل التضخم الذي يعتبره أكاديميون السمة الأبرز للاقتصاد السوري خلال السنوات الأخيرة بنسبة 156% خلال العام 2023 الجاري، متجاوزاً معدلات الزيادة خلال آخر 12 عاماً.
وقال المدرس في قسم الاقتصاد والعلاقات الاقتصادية الدولية بجامعة حلب عبد الرؤوف نحاس إنه توصل لقناعة تامة في الاقتصاد السوري بعد 12 سنة من الحرب أنّ أسباب التضخم المنطقية أو المعروفة سابقاً التي تذهب باتجاه حدوثه لم تعد ذاتها التي كانت في السنوات الأولى، وفقا لموقع أثر برس الموالي.
وأضاف نحاس “ففي سوريا اختلفت المعايير والمقاييس فالتضخم أصبح يلد تضخماً مستمراً دورياً لا يمكن إيقافه إلا بمجموعة إجراءات”.
وأكّد أن حقيقة فكرة “التضخم يحقق ذاته” تعود لفكرة تراجع الثقة بالليرة السورية وبالتالي أصبح الأفراد يذهبون باتجاه ملاذ آمن آخر سواء السلع أو العملات الأخرى مقابل التحوط من الليرة السورية ما يدفع إلى مزيد من الضغوط التضخمية داخل الاقتصاد دون أسباب التضخم الحقيقية، وبالتالي توقعات التضخم في سوريا لم تعد تعتمد على الأسباب الحقيقية للتضخم بل أصبحت تولد ذاتها بذاتها نتيجة عدم استطاعة الحكومة في الفترة الأخيرة توليد جدار من الثقة بين الأفراد والحكومة لجهة ثقتهم بالليرة السورية.
وأشار المدرس الاقتصادي إلى محركين أساسيين للتضخم، الأول متعلق بالسياسة المالية والنقدية وأن عدم تناغم السياستين المالية والنقدية، لا سيما خلال السنوات الثلاث الأخيرة إذ أدى إلى فجوة حقيقية بين مستوى المدخول والأسعار وحدوث ارتفاعات كبيرة جداً على مستوى معدلات التضخم في سوريا، مضيفاً “كلما استطعنا تحقيق حالة من التناغم بين السياستين المالية والنقدية داخل السلطة في سوريا نستطيع إيجاد الحلول ونذهب باتجاه تخفيض معدلات التضخم”.
والمحرك الثاني هو محرك ديناميكي يعتمد على سعر الصرف المحلي لافتاً إلى تغيرات أسعار الصرف في سوريا إذ كان مستقرًا عند الـ50 ليرة قبل 2011 ومن ثم تغير بطريقة مختلفة حيث كانت تدريجية بداية ومن ثم طريقة جامحة أدت إلى حدوث ارتفاعات وضغوط تضخمية وتسجيل أرقام مرتفعة بمعدلات التضخم في سوريا، وصلت إلى 156% في عام 2023.
ولفت نحاس إلى أن تغيّر سعر الصرف أصبح حالة يومية تؤدي إلى تغير سعر المواد والسلع مبيّناً أن سعر الصرف ارتفع من 50 ليرة إلى حدود 100 ليرة واستقر عندها ومن ثم 150 ليرة وفي تموز عام 2013 وصل إلى 350 ليرة وسمي تموز الأسود آنذاك، واستطاعت الحكومة تخفيض سعر الدولار إلى 200 ليرة واستقر عندها ثم عاود الارتفاع تدريجياً ووصل إلى 400 و500 ليرة واستطاع المصرف المركزي عمل مقاربة حينها كان سعر السوق السوداء 421 وسعر المصرف المركزي 417 وكانت أقل مقاربة بين سعر المركزي والسوق السوداء ما أتاح الحصول على كم هائل من التحويلات وأعاد الثقة للمواطن بالعملة.
وأوضح رئيس قسم الاقتصاد والعلاقات الاقتصادية الدولية بجامعة حلب محمد الأحمد أنه بدراسة تحليل التضخم المتمثل بزيادة العرض النقدي وارتفاع أسعار الصرف في الفترة ما بين 2011 و2021 فإن هذه الفترة اتسمت بعدد من النقاط السلبية على الاقتصاد السوري نتيجة سياسة العقوبات الغربية وسياسة التمويل بالعجز التي اتبعتها الحكومة السورية لتعويض العجز الحاصل بالإيرادات وخاصة النفطية، إضافة إلى سياسة ترشيد الدعم وهجرة الأموال إلى الخارج وانخفاض الإيرادات المتدفقة للدولة من القطع الأجنبي وزيادة المضاربة على سعر الصرف واستنزاف الاحتياطي من القطع الأجنبي.
واعتبر أنّ زيادة العرض النقدي من أهم أسباب التضخم ففي فترة دراسة تم إجراؤها خلال السنوات الماضية ازداد معدل النمو بعرض النقد إذ وصل إلى 23% عام 2013 رافقه ارتفاع بمعدل التضخم وصل إلى 81% ومن ثم استمر معدل الزيادة بعرض النقد بالمفهوم الواسع بزيادة مستمرة بلغت 11.27% نهاية عام 2021 وبالتالي ارتفع معدل التضخم 118% عام 2021، مشيراً في السياق ذاته إلى أن ارتفاع سعر الصرف من أهم الأسباب التي أدت للتضخم حيث استمرت أسعار الصرف بالارتفاع حتى وصلت 68% عام 2013 إلى 122% عام 2021 قابله ارتفاع في معدلات التضخم وصل إلى 118% في العام نفسه.
أدى ارتفاع معدلات التضخم الاقتصادي في سوريا إلى خسارة السوريين لأموالهم ومدخراتهم خصيصاً تلك المودعة في المصارف بالليرة السورية والتي انخفضت قيمتها منذ العام 2011 حتى اليوم بنحو 280 ضعفاً مقابل العملات الأجنبية.
ودفع التضخم الاقتصادي في سوريا بالعديد من العمال والموظفين لزيادة ساعات عملهم والبحث عن أعمال إضافية تساعدهم في تحقيق مردود مالي يكفي لسد احتياجاتهم الأساسية وسط ارتفاع الأسعار لمستويات غير مسبوقة وتدني الرواتب