بحث
بحث
تعبيرية - انترنت

النظام السوري يواجه الاحتجاجات باعتقال النشطاء

وجهت أجهزة الأمن والاستخبارات التابعة للنظام السوري اتهامات لبعض المحتجزين متعلقة بالخروج على السلطة والتحريض لانقلاب والتعاون مع جهات خارجية والمساس بالهوية الوطنية والنَيل من هيبة الدولة.

وخرجت العديد من المظاهرات في عدة مناطق سورياً خلال الشهرين الأخيرين تطالب بتحسين الأوضاع وتنتقد الطبقة الحاكمة في سوريا.

وانتقد أبناء الساحل السوري الرئيس والأسرة الحاكمة بشكل غير مسبوق محمِّلين الحكومة مسؤولية تدهور أوضاعهم الاقتصادية والمعيشية مما دفع الأجهزة الأمنية لتنفيذ حملة اعتقالات واسعة، بحسب منظمة سوريون من أجل العدالة.

واعتقلت أجهزة الأمن الإعلامية لمى توفيق عباس من مواليد جبلة في 4 من أيلول الجاري وذلك أثناء مرورها بأحد الحواجز العسكرية وهي في طريقها من جبلة إلى دمشق حيث تقيم.

وتنتمي لمى عباس إلى الحزب القومي السوري أحد أحزاب الجبهة الوطنية المتحالفة مع السلطة في سوريا وهي ناشطة معروفة بقربها من النظام الحاكم في سوريا.

وكانت الإعلامية قد تعرضت لمحاولة اعتقال سابقة من منزلها في دمشق بتاريخ 27 تموز، بعد قيامها بتوجيه انتقادات لاذعة لسياسات الحكومة السورية عبر صفحتها في فيسبوك وخصوصاً بعد أن دعت للاحتجاج والتظاهر وبعد أن أشارت إلى مسؤولية العائلة الحاكمة عن حريق ساروجا الذي وقع في 16 تموز، وربطته بالحرائق التي شهدها الساحل السوري بعد عشرة أيام في 26 تموز.

وجاء اعتقال لمى عباس في سياق حملة قمع واعتقالات مكثفة تقوم بها الأجهزة الأمنية خصوصاً في الساحل السوري، ضد منتقدي السلطة والفساد؛ وذلك إثر تصاعد الاحتجاجات في تلك المناطق وظهور أصوات غاضبة من حالة الانهيار الاقتصادي، وفي ظل يأس الكثيرين من حدوث أي تغيير حقيقي في ظل النظام القائم.

وفي 9 آب الفائت أجرى بشار الأسد مقابلة مع قناة سكاي نيوز عربية أجاب فيها على سؤال: من هي المعارضة التي تعترفون بها بعد كل هذه السنوات؟ بقوله “هي المعارضة المصنعة محلياً لا المصنعة خارجياً”، ونفى خلالها أن تكون المخاوف الأمنية عائقاً أمام عودة اللاجئين إلى سوريا، مرجعاً السبب إلى “الظروف الاقتصادية التي تعانيها البلاد بعد الحرب التي خاضتها ضد الإرهاب”.

وأثارت هذه المقابلة موجة إحباط وغضب واسعة في المجتمع السوري في مختلف المناطق إذ رأوا فيها أن لا نية حقيقية لدى الحكومة لتقديم تنازلات لصالح حل الصراع المتواصل في سوريا منذ عام 2011 ما يعني استمرار الأزمة الاقتصادية والمعيشية وشتى الأزمات الاجتماعية والحقوقية الأخرى التي يعانيها السوريون في الداخل والخارج إلى أجل غير مسمى.

تلت هذه التصريحات وما أثارته من ردود فعل مختلفة صدور قرار برفع الدعم عن الوقود ومضاعفة رواتب القطاع العام منتصف آب الفائت، وأثار موجة غضب إضافية بين السوريين في مناطق سيطرة الحكومة فانتشرت عبر وسائل التواصل الاجتماعي دعوات للقيام باحتجاجات ومظاهرات سلمية وعصيان مدني في مختلف مناطق سيطرة الحكومة.

واندلعت في درعا والسويداء احتجاجات تطالب برحيل الأسد وتطبيق القرار 2254 وفي محافظات الساحل ساعد تأسيس حركة 10 آب قبل القرار في المساهمة إلى الدعوة للخروج في مظاهرات وعرض مجموعة من المطالب وانتشرت عدة فيديوهات عبر وسائل التواصل الاجتماعي لسوريين من أبناء الساحل ينتقدون الرئيس السوري وزوجته ويحملونه مسؤولية الانهيار الاقتصادي والاجتماعي الذي وصلت إليه البلاد.

وتجاهل النظام السوري الاحتجاجات في السويداء ولم ينفذ فيها أية اعتقالات حتى الآن، رغم أنه قام بتنفيذ حملة اعتقالات واسعة في المحافظات الأخرى الخاضعة لسيطرته.

ووثقت سوريون من أجل الحقيقة والعدالة أربع شهادات لمعتقلين وذوي معتقلين ممن تعرضوا للاعتقال التعسفي خلال شهر آب الماضي، في كل من جبلة ودرعا وريف دمشق.

وتحققت من أدلة تثبت اعتقالات أخرى حدثت في كل من طرطوس ودمشق وتوضح التهم التي وجهت للمعتقلين في هذه الحالات كما أجرت مقابلتين منفصلتين مع إعلاميَين أحدهما يعمل في جريدة البعث والآخر في الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون ووجهت إليهما أسئلة حول رأيهما بأسباب موجة الانتقادات الواسعة التي تواجهها الحكومة السورية.

وأشارت العديد من المعلومات إلى أن أبرز الاتهامات التي واجهها المعتقلون تستند إلى المواد 285 و286 و287 من قانون العقوبات السوري رقم 148 لعام 1949 وتعديلاته في القانون رقم 15 لعام 2022، إذ ينهي قانون العقوبات المساحات المتبقية لحرية الرأي والتعبير.

واعتقلت المخابرات السورية أحمد إبراهيم إسماعيل من مواليد مدينة جبلة بريف اللاذقية عام 1969 في 20 آب الفائت بعد نشره عدّة منشورات تنتقد تردي الأوضاع المعيشية وغلاء الأسعار على حسابه الشخصي في موقع فيسبوك.

وقالت ابنة إسماعيل “تمّ اعتقال والدي من قبل جهاز الأمن العسكري في مدينة جبلة، وحتى الآن لا نعرف عنه سوى أنّ دورية من الأمن العسكري قامت باعتقاله من مكان عمله. جاءت دورية بعد ساعتين إلى المنزل وصادرت هاتفه وحاسبه المحمول، وذهبنا إلى فرع الأمن العسكري لكن لم يُسمح لنا برؤيته، أو معرفة التهم الموجهة له، حيث قالوا لنا عند بوابة الفرع أن علينا الانتظار حتى انتهاء التحقيق معه وتحويله إلى مبنى القضاء العسكري بمنطقة القلعة في مدينة اللاذقية، ما دفعنا لتوكيل محام لكن الفرع رفض وجود المحامي إلى جانبه إلى حين انتهاء التحقيق”.

وأضافت “قبيل اعتقال والدي بأسبوعين، اتصل به شخص من قريتنا وعرّف نفسه بأنه من مؤسسة العرين ثم التقيا لاحقاً بمنزل المختار في القرية، وذكر أنه مفوض من المكتب الرئاسي وبأنه جاء لعرض مبلغ مالي على والدي مقابل أن يتوقف عن نشر تلك المنشورات”.

 واعتقلت الأجهزة الأمنية شاباً في محافظة درعا بتاريخ 23 آب الفائت بعد أيام من مشاركته في مظاهرة مناهضة للنظام السوري، وقال في شهادته بعد خروجه “تمّ اعتقالي من قبل عناصر حاجز يطلق عليه اسم حاجز فلفلة وتمّ تحويلي مباشرة إلى فرع الأمن العسكري بتهمة الخروج في مظاهرات مناهضة للدولة والمشاركة في نشاط مسلح ضدها، وأفرجوا عني بعد 24 ساعة عندما علم المحقق أنني أحد أقارب قائد مجموعة تتبع لفرع أمن الدولة، وطلب المحقق مني أن أتواصل معه بشكل دوري بعد إطلاق سراحي وأن أرسل إليه قائمة بأسماء جميع من شاركوا في المظاهرات الأخيرة وإعلامه بمن لديه صلات مع مواقع إعلامية أو شخصيات عسكرية في الخارج”.

واعتقل أيمن الفارس من أبناء محافظة طرطوس خلال مروره على حاجز العادلية الواقع على الطريق الدولي دمشق – السويداء أثناء توجهه إلى محافظة السويداء.

واعتقل الفارس مع شخص آخر من السويداء يدعى باسل صياح الحسين وفي حين تمّ الإفراج عن الأخير بعد ساعات من احتجازه بقي أيمن محتجزاً على خلفية نشره عدة فيديوهات تتضمن انتقادات للأسد وزوجته عبر حسابه في موقع فيسبوك كاتهامه لأسماء الأسد بسرقة المساعدات المقدّمة من دول الخليج لسوريا عقب الزلزال الذي ضربها مؤخراً، ووصفه لعائلات القتلى من قوات النظام السوري بأنهم لا يجدون الخبز.

وأجبر الفارس خلال احتجازه على حذف مقاطع الفيديو من حسابه في موقع فيسبوك ومازال قيد التحقيق ولم يتم توجيه أية تهمة بحقه بعد وسيتم تحويله إلى القضاء العسكري في مدينة دمشق بعد انتهاء التحقيق معه، وفقاً لزوجته.

واعتقلت الأجهزة الأمنية الشاعر الشعبي حسين حيدر من منزله في سهل الغاب في 29 آب، إثر قيامه بنشر كتابات وفيديوهات يظهر فيها ملقياً قصائد مناهضة للعائلة الحاكمة عبر حسابه في موقع فيسبوك، وأجبر أيضاً خلال احتجازه على حذف الفديوهات.

وقال أحد الصحفيين العاملين في جريدة البعث إنّ “تفاقم الأزمة الاقتصادية والإنسانية في البلاد والتي أثرت على كافة شرائح المجتمع وخاصةً الفقراء والضعفاء منهم كما أنّ وسائل التواصل الاجتماعي باتت مفتوحة وسهّلت على السوريين التعبير عن انتقاداتهم ومطالبهم، إلى جانب انخفاض قيمة الليرة السورية والنقص الحاد في السلع الأساسية، مثل الغذاء والوقود والدواء والكهرباء”.

وأضاف “يمكن القول بأنّه أصبح هناك ميل لدى العديد ممن يعيشون هذا الواقع إلى إلقاء اللوم على الحكومة السورية لسوء إدارة الاقتصاد وتحويل المساعدات، والفشل في توفير الخدمات والبنية التحتية الكافية”.

واعتبر أنّ استمرار القمع وانتهاكات حقوق الإنسان من قبل النظام السوري وقواته الأمنية والتي استهدفت كل من يعبر عن معارضته للنظام وحيث لم يعد باستطاعة القوات الأمنية إنكار الاعتقالات بعد انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، كان سبباً في استمرار انتقاد الحكومة بشكل مباشر.

وأشار إعلامي آخر من مدينة السويداء يعمل في هيئة الإذاعة والتلفزيون السوري أنّ هنالك فروقات رئيسية بين المطالب التي نادت بها الاحتجاجات عام 2011 وتلك التي تطالب بها الاحتجاجات الحالية في عدد من مناطق سيطرة الحكومة السورية.

وقال إنّ احتجاجات عام 2011 تركزت في مدن مثل ريف دمشق وحمص ودرعا وحلب وحماه أما اليوم فقد امتدت موجة الانتقادات والاحتجاجات إلى أجزاء مختلفة من البلاد ووصلت إلى المناطق التي لم تخرج عن سيطرة النظام مثل السويداء ودمشق واللاذقية.

وعزا خروج المظاهرات في تلك المناطق إلى عدم قدرة المواطنين على احتمال الحالة الاقتصادية السيئة وبات بمنظورهم أنّ السلطة الحاكمة هي من تتحمل اللوم.