علقت صحيفة “نيويورك تايمز” في تقرير لمراسلتيها رجا عبد الرحيم وتيفاني مي على زيارة رئيس النظام السوري بشار الأسد إلى الصين، وهي الأولى التي يقوم بها الزعيم السوري منذ عام 2004، وقالتا إن الهدف منها البحث عن تمويل لإعادة إعمار سوريا التي دمرتها الحرب وكسر العزلة الدولية.
ووصل الأسد يوم الخميس إلى الصين، حيث تتزامن زيارته مع محاولات الصين تقديم نفسها كدولة مؤثرة ومهمة في الشرق الأوسط، وكشريك للدول التي ترفضها الولايات المتحدة والغرب. وسيلتقي مع الرئيس الصيني شي جينبنيغ.
وتأتي زيارته وسط الجهود لإعادة تأهيل سوريا الدولية، وظلت العلاقات الصينية-السورية قائمة حتى في وقت عزلت فيه دول أخرى الأسد بسبب قمعه الوحشي لانتفاضة الربيع العربي عام 2011، والذي أدخل البلد في حرب أهلية. وتُتهم حكومة الأسد باستخدام السلاح الكيماوي ضد المدنيين وتعذيب آلاف المعارضين في شبكة سرية من السجون ومحاصرة المدن والبلدات في النزاع الذي خلّف نصف مليون قتيل.
وفي وضع دخلت فيه الحرب حالة من الجمود، يتطلع الأسد للاستثمارات من أجل إعادة بناء البلاد، ولم يتم التقدم في هذا المجال بسبب العقوبات الغربية المفروضة على النظام السوري. وترفض الولايات المتحدة وعدد من الدول الغربية تمويل عمليات إعادة الإعمار بدون تسوية سياسية كما نص عليها قرار الأمم المتحدة.
ومن غير المتوقع أن تضع الصين شروطا سياسية مقابل المساهمة في إعادة إعمار سوريا، فقد دعمت موقف الأسد إلى جانب روسيا واستخدمت الفيتو في مجلس الأمن، وكانت آخر مرة في 2020 لمنع قرارات تتعلق بسوريا.
واستطاع الأسد بدعم من روسيا وإيران استعادة معظم المناطق التي خرجت عن سيطرته في الحرب، لكنه يقود اليوم بلدا فقيرا يواجه أزمة اقتصادية واحتجاجات جديدة بسبب ظروف المعيشة. وأعلن الأسد في 2022 عن خطط للمشاركة في مبادرة الحزام والطريق الصينية، وأثنى على الدور الصيني في التوسط بالمصالحة بين السعودية وإيران. وفي أيار/مايو دعي إلى المشاركة في قمة الجامعة العربية، مع أن عودة العلاقات الدبلوماسية الكاملة مع بعض الدول توقف.
وكانت طائرة الأسد قد هبطت في مطار غوانزهو وسيحضر دورة الألعاب الآسيوية التي ستبدأ يوم السبت، وجاء إلى الصين عاقدا الآمال الكبيرة إن لم تكن توقعات ضخمة، بشأن ما يمكن لبكين تقديمه إلى بلده، حسبما يقول المحللون.
وترى جوليا غيرول- هيلر الباحثة في دراسات ما بعد الدكتوراه بجامعة فرايبورغ الألمانية “الأمل هو إمكان استخدام الصين دورها كوسيط بين سوريا، وتركيا، وإيران وروسيا، والمساعدة على استعادة حكومة الأسد على البلد”.
وعلى المدى البعيد، ترى الصين في ميناء اللاذقية مكانا إستراتيجيا مهما في طموحاتها، لأن يكون لها موطئ قدم في الشرق الأوسط كما تقول غيرول- هيلر، ولكن الصين كانت حذرة وظلت تحاول ممارسة حضور متواضع في سوريا. وما يهم في زيارة الأسد، أنها فرصة لبكين لاستعراض قوتها الدبلوماسية في وقت تواجه فيه الصين منافسة قوية من الولايات المتحدة للتأثير الجيوسياسي بمنطقة الشرق الأوسط.
وعندما زار رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية محمود عباس بكين في شهر حزيران/يونيو عرض عليه التوسط في محادثات سلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ومن المتوقع عرض الأمر نفسه على بنيامين نتنياهو الذي سيزور الصين في وقت لاحق من هذا العام.
ويرى جوناثان فولتون من المجلس الأطلنطي بواشنطن أن قدرة الصين على التوسط بين دول متنازعة في المنطقة محدودة بسبب قلة الخبرة والمعرفة. و ”الجزء الأكبر هو وصول زعيم بلد آخر ليقول: سننضم إلى هذه المبادرات وندعم رؤية بكين حول كيفية عمل السياسة الدولية”.
إبراهيم درويش – القدس العربي