كشفت صحيفة بريطانية أنّ “أسماء الأسد” تتمتع بدور قيادي ونفوذ واسع في مجلس سرّي لإدارة الاقتصاد السوري، على الرغم من بدايتها المتواضعة في الحياة السورية.
وقالت صحيفة فاينانشال تايمز في تقرير موسع إنّ مرافقة أسماء الأسد لزوجها خلال زيارته إلى أبو ظبي، تعتبر أول رحلة خارجية لها معروفة منذ العام 2011، وسلطت هذه الرحلة الضوء على مكانة سيدة تم تهميشها في البداية قبل أن تصبح واحدة من أقوى الأشخاص نفوذاً في سوريا.
وأمام وسائل الإعلام تقدم أسماء الرعاية للأمهات وأسر العسكريين والأطفال المصابين بالسرطان، والناجين من الزلزال، ولكن في السر، حوّلت أسماء نفسها إلى موقع قوة، وفقا لمقابلات مع 18 شخصا على دراية بأنشطة النظام، بينهم رؤساء شركات وعمال إغاثة ومسؤولون حكوميون سابقون.
وتتحكم أسماء وفق تعبير الصحيفة البريطانية في “العديد من مستويات الاقتصاد”، حيث تصنع السياسات وتجني الأرباح، وتساعد في تمكين النظام وتظهر بصماتها بشكل واضح في عدة قطاعات، مثل العقارات والبنوك والاتصالات، وإن كان ذلك من خلال الشركات الوهمية، والحسابات الخارجية المملوكة لشركاء مقربين.
وتترأس أسماء الأسد المجلس الاقتصادي “السري” التابع للرئاسة وهو مجلس غير رسمي إلا أنه يلعب دورا بارزا في سوريا، وفق الصحيفة، بينما تعمل المنظمات غير الحكومية التابعة لها في بناء شبكة محسوبية واسعة لعائلة الأسد، وتتحكم في أماكن وصول أموال المساعدات الدولية في البلاد.
وافترض الدبلوماسيون الغربيون في العام 2011 أنها شخص يمكن أن يتحدث لبشار “بعقلانية”، وفق “أندرو تابلر” المسؤول السابق في الحكومة الأميركية واعتقد كثيرون أن هذا يمكن أن يهديء من رد فعل زوجها على الاحتجاجات ضده، لكن يبدو أن هذا الافتراض كان في غير محله.
واختفت أسماء الأسد عن المشهد العام خلال سنوات الحرب الأولى، لكن بحلول عام 2016 ومع سيطرة الأسد على جزء كبير من سوريا، “خرجت بكامل قوتها”، وأصبحت محل تقدير كبير من العلويين، من خلال عملها الخيري.
وساعدت معركة علنية مع سرطان الثدي عام 2018 في التقريب بين آل الأسد، وبعد فترة وجيزة عهد بشار إلى زوجته بتولي أجزاء من محفظة الدولة الاقتصادية.
واتخذ النظام السوري إجراءات جذرية عززت من قبضة بشار وأسماء شبه الكاملة على الاقتصاد، وفقا لخبراء سوريين، ورجال أعمال وأشخاص مطلعين على أنشطة النظام.
وبحسب مصادر الصحيفة فإنّ القصر الرئاسي قام مؤخراً بترقية رجال عمال مقربين للعمل كواجهات للأسد وزوجته، ولمساعدتهما على جمع المزيد من الثروة الشخصية.
وقدّرت وزارة الخارجية الأميركية في تقرير لها أن صافي ثروة عائلة الأسد يتراوح بين مليار وملياري دولار، فيما تبلغ ثروات المقربين منه مليارات الدولارات.
وأشارت الخارجية في أيار من العام الماضي، أن هذه التقديرات قد تكون غير دقيقة ولا تعكس صافي الثروة، إذ إن أصول العائلة منتشرة ومخبأة في العديد من الحسابات والمحافظ العقارية وملاذات ضريبية خارجية، وقد تكون مسجلة تحت أسماء مستعارة أو بأسماء أفراد آخرين، لإخفاء الملكية والتهرب من العقوبات.
وأكدت الوزارة أن عائلة الأسد تدير نظام رعاية معقد، يشمل شركات وهمية للوصول إلى الموارد المالية عبر هياكل مؤسسية وكيانات غير ربحية تبدو مشروعة بهدف غسل الأموال المكتسبة من أنشطة اقتصادية غير مشروعة، بما في ذلك التهريب وتجارة الأسلحة والمخدرات.
وتشير “فاينانشال تايمز” إلى حملة مصادرة أموال رجال الأعمال التي شنها الأسد في 2019، وكانت هذه الفكرة قد طرحت خلال اجتماعات المجلس الاقتصادي الذي تترأسه أسماء، وفق خبراء سوريون ومصادر مطلعة.
وكان الضحية الأكثر شهرة لعمليات المصادرة رجل الأعمال “رامي مخلوف” إذ سيطرت أسماء على مؤسسة مخلوف الخيرية وشبكتها العلوية الواسعة، مما وسع سيطرتها على قطاع المساعدات.
وقال خبراء ورجال أعمال سوريون إن خطة الإطاحة بمخلوف وتحجميه اقتصادياً، كانت من ضمن توجيهات واضحة من أسماء الأسد، ومنذ ذلك الحين يعيش مخلوف رهن الإقامة الجبرية، حسب مصادر متقاطعة لصحيفة فاينانشال تايمز.
ويشير تقرير الخارجية الأميركية إلى أن أسماء استولت على جمعية البستان الخيرية من رامي مخلوف، وعينت مسؤولين مقربين منها في مجلس إدارة شركة “سيرياتيل” للاتصالات، كما أسست شركة اتصالات “إيماتيل” مع رجل أعمال سوري.
وتولى “مهند الدباغ” ابن خالة أسماء وشقيقها فراس الأخرس، إدارة شركة “تكامل” التي تدير برنامج البطاقة الذكية، التي تستخدم لتوزيع الغذاء المدعوم في سوريا.
وقالت مصادر مقربة للموقع البريطاني إن أسماء الأسد “لكي يتم إنجاز أي عمل جديد اليوم، يجب أن تأخذ أسماء حصة، وإلا لا يتم ذلك”
ومع ذلك ، فإن اسمي الزوجين، بشار وأسماء، غير موجوين في أي وثائق، وقال “إياد حامد” الباحث في برنامج التطوير القانوني السوري: “أنت لا تتحدث عن نظام رأسمالي عادي لديه تقارير ربع سنوية وشفافية”.
ومع ذلك، بدأ المسؤولون الأميركيون في تتبع أنماط واضحة، وأدركوا أن بإمكانهم معاقبة المقربين من النظام.
وقال “جويل رايبورن” الذي شغل منصب المبعوث الخاص لسوريا في وزارة الخارجية في عهد الرئيس السابق، دونالد ترامب: “ممثلوهم في الواجهة بارزون جدا، وكان من السهل استهدافهم”.
من بين هؤلاء في الدائرة المقربة لأسماء “ياسر إبراهي” الذي خضع لعقوبات أميركية عام 2020، ويعمل رسميا بصفة مستشار اقتصادي للرئيس، ولكنه أيضا عضو في المجلس الاقتصادي السري الذي تترأسه أسماء.
وبشكل غير رسمي، يتولى إبراهيم العديد من الشركات، التي أُجبر أصحاب الأعمال على بيعها، وفقا لأربعة رجال أعمال في المنطقة، ومصدرين مطلعين.
ومن بين الشخصيات في الدائرة المقربة “لينا الكناية التي قالت ثلاثة مصادر مطلعة إنها إحدى مسؤولي العلاقات مع القطاع الخاص في القصر، وكانت وزارة الخزانة الأميركية فرضت عقوبات عليها في 2020، قائلة إنها “أجرت مجموعة من الأنشطة التجارية والشخصية نيابة عن (أسماء)”.
وتعد منظمة “الأمانة السورية للتنمية”، التي تتحكم بها الآن في المشاريع الإنسانية، مصدر القوة الرئيسي لقرينة بشار الأسد.
ويقول محللون وخبراء إغاثة إن تجربتها في إدارة المنظمة غير الحكومية قبل 2011، سمحت لها بصياغة نظام مساعدة إنسانية “فاسد بشكل منهجي في البلاد”.
وأفادت مصادر سورية وعمال إغاثة إن أسماء تستضيف اجتماعات في مكتبها بالقصر الرئاسي، للتفاوض بشأن عقود المنظمات غير الحكومية الدولية.
وتقول “إيما بيلز” الزميلة غير المقيمة في معهد الشرق الأوسط “من غير المنطقي أن تقوم جمعية أسماء الخيرية، بتوفير الحماية والدعم القانوني، للأشخاص الذين وقعوا ضحية لزوجها”، بينما محللون إن ذلك يترك الأشخاص الذين استهدفهم النظام وشردهم، تحت رحمة منظمة تابعة للنظام، قد تسعى للانتقام.
وانتقد تقرير صدر عن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، في عام 2018، شريكا لم يذكر اسمه في الأمم المتحدة، تعاقد مع شركة “مملوكة بالكامل” لمنظمة أسماء، لإعادة تأهيل الملاجئ مقابل 400 ألف دولار تقريبا، وبحسب مصدرين، فإن الشريك هو “الأمانة السورية” والشركة هي “دياري”.
وردا على أسئلة من “فاينانشال تايمز”، قالت الأمم المتحدة إن شراكاتها مع الأمانة السورية باتت “محدودة للغاية”، وغالبا ما تكون ضرورية بسبب “دورها المؤسسي”، كما أن “الشراكة لا تعني إعطاء تفويض مطلق”، وفق تعبير مسؤول سابق في الأمم المتحدة.
وظهرت أسماء الأسد غير منزعجة على الرغم من تراكم العقوبات ضد عائلتها وشركتها، وفي تشرين الأول الماضي ارتدت فستانا بقيمة 4500 دولار، وهو رقم يعادل 200 مرة على الأقل متوسط راتب الموظف السوري.
وفي حين فرضت بريطانيا عقوبات عليها، وعلى والديها، وشقيقيها، وابنها الأكبر، بتهمة “تراكم ثروات سيئة على حساب الشعب السوري”، لايزال والداها يعيشان في لندن، بينما يعيش الشقيقان الآن في دمشق.