بحث
بحث
انترنت

منشآت ترهيب وتعذيب.. سجون إيرانية سرية في سوريا

عمليات الاعتقال تحولت إلى تجارة مربحة للميليشيات الإيرانية، وغالبية المعتقلين توجه لهم العمالة لصالح جهات معادية لإيران والنظام السوري

سجونٌ إيرانية سرية في سوريا تحت غطاء أعلام حكومة دمشق وضمن مناطق سيطرتها، تُمارس فيها أبشع أنواع التعذيب ولا تقل خطورة عن معتقلات النظام السوري، بعد عملية بحث وتواصل مع عدد من الأشخاص بينهم معتقل سابق وناشطون وعسكريون كانوا شاهدين على العديد من الأحداث، بالإضافة إلى معلومات تم تسريبها من قبل أحد المنتمين للفصائل الموالية لإيران، استطاع قسم الرصد والبحث في نورث برس الوصول إلى معلومات حول تواجد هذه المعتقلات والجهات المسؤولة عنها وعلاقتها بالنظام السوري.

منشآت تعذيب وترهيب
“لن أنجوا” هذا ما تهيأ لـ علي الأحمد، وهو اسم مستعار لأحد عناصر الحرس الثوري الإيراني وهو يروي أول لحظات اعتقاله من قبل زملائه بتهمة تسريب المعلومات.

ويقول “الأحمد”: “اعتقلوني وتم اقتيادي إلى سجن تحت الأرض كان الظلام يخيم على كل شيء لا منافذ لدخول أشعة الشمس، وصمت مرعب في الأرجاء”.

ويضيف: “في البداية تم حجزي في سجن “الهنغار” بمطار دير الزور العسكري، كانوا يستخدمون أساليب تعذيب وحشية ضد المعتقلين المدنيين، مثل الصعق بالكهرباء والكي بالنار حتى يغمى عليهم، كما كانوا يجبرون على التعري بالإضافة إلى العنف اللفظي الذي كانوا يتعرضون له، كنا نسمع دائماً صوت السياط ك يليه صراخ من قسم المدنيين، كنت قد فقدت الأمل بالنجاة”.

لم يسلم الأحمد من التعذيب وكان له نصيب وافر منه، لكنه يصف حاله بـ “أفضل من غيره” بعد أن سمع قصص تعذيب المعتقلين الآخرين ووصفهم لتفنن العناصر بتعذيبهم، وامتنع الشاب عن مشاركة القصص الأخرى معنا حرصاً على أمنهم.

بعد مرور أكثر من شهرين داخل سجن “الهنغار” تم تحويل الأحمد إلى معتقل حقل الزملة بريف حمص الذي “لا يقل خطورة عن الأول”، على حد تعبيره.

أفرج عن “الأحمد” بعد وساطات وتدخل وجهاء عشيرته ودفع مبلغ مالي يقدر بأكثر من 10 آلاف دولار أميركي لشخص ينحدر من مدينة تدمر ويدعى “علي الحبشان” وهو أحد سماسرة السجن.

وفق ما رآه ويتذكره الشاب من سجن “الهنغار”، فإنه يتألف من أقبية وزنزانات تحت الأرض، كما ينقسم إلى قسمين أحدهما خاص بالعسكرين وآخر بالمدنيين، ويحتوي على ثلاث غرفٍ للتعذيب.

بالرغم من أن نظام الأسد شرعن التواجد الإيراني في سوريا بدعوتها لإيران بالتدخل في الشأن السوري، إلا أن ما تمارسه القوات الإيرانية والفصائل الموالية لها في البلاد من الاعتقالات التعسفية والقتل خارج نطاق القضاء وبناء معتقلات سرية والمشاركة مع حكومة دمشق في عمليات عسكرية ضد المدنيين هو انتهاك للقانون الدولي الإنساني وترتقي لتكون جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب.

سجون إيرانية سرية
يقول حسين وهو اسم مستعار للمصدر العسكري الذي سرب المعلومات لنورث برس “يوجد سجن سري إيراني في مطار دير الزور العسكري فوقه أعلام النظام السوري، ويشرف عليه ضباط رفيعو المستوى من الجنسيتين الإيرانية والعراقية، كما تتم حراسته أيضاً من قبل عناصر من الجنسية العراقية تابعين للواء أبو فضل العباسي”.

ويضيف: “يمارس في هذا السجن أسوء أنواع التعذيب، ويتعرض فيه المعتقل للجلد والصعق بالكهرباء والحرق بالنار، والتعنيف الجسدي واللفظي، كما يواجه المعتقلون المنتمون للمذهب السني جميع أنواع التعذيب السابقة ولكن بشكل أكبر بسبب انتمائهم”.

ويشير المصدر إلى أنه وصل مستوى التعذيب “الوحشي” في بعض الأحيان إلى “تصفية المعتقلين وقتلهم نحراً”.

واستطاع الموقع التأكد من وجود 6 معتقلات إيرانية سرية في سوريا، 3 منها في حمص وريفيها و3 في دير الزور بالإضافة إلى 1 في تدمر و أخرى موجودة في دمشق لم يتسنى للقسم التأكد من مواقعها، وبحسب ما أفاده المصدر جميعها محاطة بخنادق وسواتر ترابية وتخضع لحراسة مشددة.

وتتوزع هذه السجون بحسب المناطق على النحو التالي:

دير الزور: في مطار المدينة وفي مطار الحمدان الزراعي في البوكمال والثالث في منطقة الميادين قرب مزار عين علي.

حمص: الأول في بادية السخنة والثاني في تدمر والأخير في حقل الزملة المهر.

إحصائية
بحسب إحصائية تمكن الموقع من الحصول عليها من منتسبي الفصائل الموالية لإيران، فإنه اعتقل أكثر من ٥٣٠ شخصاً بين مدني وعسكري في دير الزور منذ بداية عام 2023، وتم الإفراج عن معظمهم، بعد دفع مبالغ مالية طائلة تتجاوز 10 آلاف دولار للشخص الواحد، أو عبر وساطات من قياديين متنفذين، أو بعد الانتساب ضمن صفوفهم.

وذكر المصدر أنه تم نقل أكثر من ٥٠ شخصاً منهم إلى سجن الهنغار بمطار دير الزور، لذا يصعب معرفة إذا كانوا لايزالون على قيد الحياة او تم تصفيتهم.

تهم الاعتقالات
أفاد سالم الخالد وهو اسم مستعار لمصدر عسكري آخر من دير الزور أن معظم الاعتقالات التعسفية التي تنفذها القوات الإيرانية والفصائل الموالية لها تتم في دير الزور وعلى وجه الخصوص في الميادين والبوكمال بسبب انتشار تلك الفصائل الواسع على اعتبارها صاحبة نفوذٍ أقوى سلطةً من الحكومة فيها.

يقول “الخالد”: “معظم التهم التي توجه للمدنيين هي واهية ومعظمها ضد القادمين من مناطق الإدارة الذاتية، بحجة دراسة وضعهم الأمني أو بسبب تقارير رفعت فيهم، كما يتم احتجاز سكان المنطقة القادمين من دول الخليج بغرض تحصيل الأموال منهم”.

وبحسب المصدر فإن نسبة كبيرة من المحتجزين المدنيين هم متهمين بالمشاركة في أحزاب سياسية أو لأنهم نشطاء إعلاميون نشروا على حساباتهم الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي منشورات معارضة للقوات الإيرانية وتواجدها وممارساتها.

أما بالنسبة للمعتقلين العسكريين يتم اتهامهم بـ”الخيانة” أو تسريب معلومات وصور لجهات خارجية أو بتهمة التجسس لصالح التحالف الدولي.

دور النظام السوري
تستغل القوات الإيرانية حكومة دمشق في ممارساتها وتغطية وتمويه تواجدها أمام المسيرات والضربات الإسرائيلية، كما تستغل ظروف السكان الاقتصادية في مناطق سيطرة النظام لتجندهم لصالحها عوضاً عن منحهم امتيازات يفتقر لها ضباط رفيعو المستوى في صفوف قوات النظام.

وبحسب ناشط من مدينة دير الزور رفض ذكر اسمه لأسباب أمنية فإن السلطة الفعلية في المدينة هي للقوات الإيرانية والموالين لها، وحكومة النظام السوري دورها ضعيف جداً.

ويقول الناشط: “قوات النظام تخشى الاصطدام مع القيادات الإيرانية ناهيك عن اتفاقيات بينهم حول موضوع المعتقلين فالتنسيق ضعيف جداً حول مصير المعتقلين في سجونهم”.

أي أن وجود قوات النظام ومؤسساته والتي تعتبر القوة الشرعية والسلطة الوحيد, “ضعيفة” أمام التواجد الإيراني في دير الزور ولا تستطيع التدخل في ما يخص المعتقلين السوريين.

أما في مناطق حمص ودمشق وتدمر يختلف الوضع نوعاً ما، بحسب ما أفاده مصدر عسكري من الحرس الثوري الإيراني، فغالباً يتم تحويل الأشخاص المعتقلين من قبل القوات الإيرانية والفصائل الموالية لها إلى سجون النظام السوري في حال لم تثبت عليهم تهم التجسس والتخابر ليتم الإفراج عنهم بعدها، بعد استلام الأخيرة أموالاً من ذوي المحتجزين.

وبحسب الناشط “تحولت عملية الاعتقال إلى تجارة مربحة للفصائل الموالية لإيران وحكومة النظام فلا رقابة أو أي سبيل للمحاسبة”.

ممارسات القوات الإيرانية في نظر القانون
تواجد القوات الإيرانية كقوة أجنبية في سوريا يفرض عليها بحسب القانون الدولي احترام حقوق الإنسان وعدم ارتكاب أي تجاوزات بحق سكانها.

إلا أن القوات الإيرانية لم تلتزم بما يفرضه عليها القانون الدولي وانتهكت حقوق المدنيين واعتقلتهم تعسفياً وعذبتهم ومارست العنف بكافة أنواعه ضدهم وارتكبت جرائم قتل خارج إطار القانون، وتصنف هذه الممارسات كجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية يعاقب عليها مرتكبوها.

وإن دعوة حكومة دمشق لإيران للتدخل في شؤونها الداخلية يعتبر مشروعاً كونه لا يمكن اعتبارها كدولة احتلال.

وتعليقاً على الموضوع، قال المستشار القانوني والحقوقي للمركز السوري للعدالة والمساءلة المحامي “أويس الدبش” إن التدخل الإيراني في سوريا عن طريق الدعوة هو قانوني، كونه تم دعوة إيران للتدخل من قبل الحكومة السورية (التدخل عن طريق الدعوة)، إلا أن ارتكابها للانتهاكات وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية “أمر مجرّمٌ دولياً وينتهك القانون الدولي الإنساني”.

ويفرض القانون الدولي الإنساني التزامات على الدول وعلى الجماعات المسلحة من غير دول أيضاً، الامتثال لكافة قواعده.

وتحظر جميع النصوص الدولية لحقوق الإنسان، وكذلك القوانين الجنائية الدولية، احتجاز أي فرد دون إصدار حكم ومنها المادة 9 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948، بالإضافة إلى المادة 9 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لعام 1966.

أما بالنسبة لعمليات التعذيب التي تمارسها القوات الإيرانية والفصائل الموالية لها فتحضرها المادة 3 المشتركة بين اتفاقيات جنيف الأربعة، والمادة ( 4-2 أ وح ) في البروتوكول الإضافي الثاني والتي تنص على “حظر انتهاك الكرامة الشخصية وبوجه خاص المعاملة المهينة والمحطة من قدر الإنسان”، و يحظرها القانون الدولي العرفي واتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب.

المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، وفي النزاعات المسلحة غير الدولية كما الحال في سوريا فهي انتهاكات للقوانين والأعراف الدولية وتعد من الجرائم الدولية الخطيرة.