بحث
بحث
لوحة تحكم لإحدى المولدات الكهربائية في مدينة حرستا - صوت العاصمة

الغوطة الشرقية: لماذا شرعن النظام “الأمبيرات” والمولدات الخاصة؟

محمد العلي – محمد حميدان

فرضَ تردّي واقع الكهرباء في سوريا على المواطنين إيجاد بدائل تؤمن لهم الحد الأدنى من عصب الحياة الحديثة فكانت الطاقة الشمسية والبطاريات إحداها، في حين كان بيع الكهرباء الخاصة تجارة رابحة لأصحاب المولدات سيّما الكبيرة منها.

وبالنظر إلى التكلفة الباهظة التي يتطلبها تمديد شبكة متكاملة من ألواح الطاقة الشمسية والبطاريات فقد اقتصر هذا الحل على المقتدرين وأصحاب الدخل العالي والأغنياء، إذ تقدّر تكلفة تركيب وتوصيل أربع ألواح شمسية مع بطارية متوسطة السعة بنحو أربعة ملايين ليرة سورية ما يعادل نحو 575 دولار أمريكي، لذا كانت “الأمبيرات” الحل الأقرب للواقعية والأكثر انتشاراً في الأحياء التي يسكنها ذوي الدخل المحدود والفقراء.

الغوطة الشرقية
بدا الحال في الغوطة الشرقية مختلفاً عن العاصمة دمشق وأحيائها، فالمنطقة التي خرجت عن سيطرة النظام في 2012 عوقبت فوراً بحرمانها من الكهرباء قبل أن تسوء أحوالها في بقية المناطق التي تسيطر عليها قوات النظام وحكومته، مما فرض على سكّان المنطقة الاستعانة بشبكات الكهرباء الرئيسية لتشغيلها بواسطة المولدات الكبيرة قبل أن تسهم الأنفاق بدخول أعداد كبيرة من ألواح الطاقة لشمسية حيث كان من النادر أن يخلو أي بيت من لوح طاقة شمسية واحد على الأقل.

استعاد النظام السيطرة على المنطقة في نيسان 2018 وفوراً بدأت عمليات “التعفيش” التي استهدفت ما بقي صالحاً للاستعمال من تلك الألواح بعد تعرض جزء كبير منها للتلف نتيجة كثافة القصف الذي طال معظم أبنية الغوطة الشرقية، وهو ما أعاد المدنيين الذين آثروا البقاء إلى نقطة الصفر ووجدا بيوتهم مظلمة بلا كهرباء.

شبكة الأمبيرات
مع استقرار الأوضاع نسبياً عادت تجارة الكهرباء لتطفو على السطح، فبدأ أصحاب المولدات بتشغيلها وتزويد المشتركين بعدادات “كيلو واط” إلكترونية لضبط كمية الاستهلاك، وكانت الكهرباء تصل في الغالب عبر التمديدات القديمة بعد صيانتها، ولكنّ وعود إصلاح محطات التحويل الرئيسية وإعادة توصيل الكهرباء الرئيسية دفعت عدداً كبيراً من الأهالي إلى التروّي وانتظارها، ومع وصولها كانت المفاجأة بعدم انتظام شدة التيار وقلة ساعات الوصل، ليجد السكان أنفسهم مجبرين على تغذية منازلهم من شبكة “الأمبيرات”، بحسب مصادر حصرية لصوت العاصمة.

والجدير بالذكر، أنّ المشترك ملزم بدفع تكاليف كابلات التمديد وثمن العدّاد الإلكتروني الذي يتراوح سعره بين 100 ألف إلى 200 ألف ليرة سورية ويتم ضبطه من قبل أصحاب المولدات وقفله بهدف منع التلاعب بقراءته، حيث يتم تنظيم جداول أسبوعية تحصي كمية الاستهلاك مضروبة بسعر الكيلو، وفي حال تخلّف المشترك عن السداد يتم قطع الاشتراك عنه بعد يومين فقط من تاريخ الاستحقاق.

تتوزّع سبعة مراكز رئيسية لتزويد أحياء مدينة دوما بالكهرباء، أبرزها مولدة “سريول” المسؤولة عن تغذية قطاع المساكن، ومولدة “هارون” في حي بتوانة، ومولدتي “خبية” و”حجازي” في حي القصارنة، أما منطقة الحميرة وساحة الغنم فتغذيهما مولدة “دحبور”، وكلّ منهم ملزم بدفع رسوم لبلدية دوما تتراوح بين 4 إلى 7 مليون ليرة سورية شهرياً مقابل استثمار شبكة الكهرباء الرئيسية.

وبحسب المصادر فإنّ جميع أصحاب المولدات الكهرباء يبيعون بسعر موحّد يبلغ حتى ساعة إعداد التحقيق 5500 ليرة سورية للكيلو واط ويزيد وينقص بنسبة لا تتجاوز 10% لدى بعض المزودين، كما تطرأ تغييرات متواصلة على السعر بحسب توفر مادة المازوت وسعرها.

مولدات الكهرباء الرئيسية
قبل أن تشتد أزمة المحروقات في سوريا كانت ساعات تشغيل مولدات الاشتراك “الأمبيرات” تتراوح بين 20 إلى 24 ساعة يومياً، وتراجعت في الوقت الحالي إلى 9 إلى 11 ساعة، مع الأخذ بعين الاعتبار أنّ سوريا شهدت تراجعاً كبيراً في ساعات تشغيل الكهرباء النظامية، ولم تتجاوز منذ مطلع 2013 وحتى 2019 عشر ساعات في حين زادت ساعات التقنين منذ عام 2020.

وتنقسم مدينة حرستا إلى ثلاث قطاعات رئيسية موزعة على مولدة “السلطان” ومولدة “البندقجي” (عريضة)، ومولدة “الرضوان” (الدرّة)، يباع الكيلو واط الواحد بـ5000 ليرة سورية، في حين تتراوح فترات التشغيل ما بين 8 إلى 12 ساعة حسب توفر المازوت.

ويدفع أصحاب المولدات شهرياً لمالية البلدية في حرستا مبالغ تتراوح بين 3 إلى 6 ملايين ليرة سورية عن كل مولدة، مقابل توصيل التيار الكهربائي عبر الشبكة العامة.

ويحتكر سوق الكهرباء الخاصة في مسرابا شخص واحد يدعى “أبو عمار العربيني” المدعوم من شعبة الحزب في مسرابا، ويبيع الكهرباء أيضاً بسعر 5500 ليرة للكيلو واط ويستثمر شبكة الكهرباء الرئيسية مقابل مبلغ شهري يدفعه حصراً لرئيس بلدية مسرابا “سعيد الحلاق”.

يسيطر على قطاع الكهرباء في عربين المدعو “محمود الحاتي” وهو مجنّد احتياطياً في صفوف النظام لكنّه لا يلتحق بوحدته “مفيّش”، عمد قبيل تهجير الغوطة على شراء أعداد كبيرة من المولدات مقابل مبالغ زهيدة وتخزينها في مستودعات عربين لتشغيلها لاحقاً، وتعد شبكته الأكبر في القطاع الأوسط وتغذي إضافة لعربين كلاً من حزة وحمورية وأجزاء من زملكا (بالشراكة مع الميلاوي)، مستغلاً التمديدات الأرضية التي جهزها قبل أن يستعيد النظام سيطرته على المنطقة، حيث يبيع الكيلو واط الواحد بسعر 6000 ليرة سورية وبساعات تشغيل تمتد لنحو 17 ساعة.

وبحسب مصادر خاصة لصوت العاصمة فإنّ الحاتي يدفع شهرياً أكثر من 25 مليون ليرة لكل من فرع الأمن العسكري في عربين وضباط الفرقة الرابعة، فضلاً عن المبلغ الكبير الذي يدفعه “رشوة” لقاء إعفائه من الالتحاق بوحدته العسكرية.

وتعمل مولدة “الزيبق” على تغذية بلدة عين ترما وتزوّد أجزاء من زملكا وحزة التي تغطيهما بالكهرباء بشكل رئيسي مولدة “فايز حمودة” المدعوم من قبل فرع الأمن العسكري، وتغطي مولدة “البحش” مدينة كفربطنا، ويتراوح سعر الكيلو واط الساعي في جميع هذه المناطق بين 5200 إلى 6000 ليرة، وبساعات تشغيل تتراوح بين 10 إلى 14 ساعة يومياً تنتهي بحلول الساعة 12 ليلاً.

ارتباطات أمنية
وأشارت مصادر صوت العاصمة في وقت سابق إلى أن معظم مراكز الكهرباء مرتبطة بالفرقة الرابعة، أبرزها مركز “الحاتي” في عربين، والذي يُغطي بلدات “عربين وزملكا وحزة وحمورية ومسرابا ومديرا”، لافتاً إلى أن ضباط الفرقة الرابعة أخذوا على عاتقهم مسؤولية تأمين مادة المازوت لتشغيل المولدات، إضافة لمهمة حماية المولدات، على أن يتم تقاسم الأرباح فيما بينهم.

ودخل فرع الأمن العسكري في منافسة الفرقة الرابعة على تشغيل الكهرباء في مدن وبلدات الغوطة الشرقية من خلال السماح لمقربين منه بتشغيل المولدات الضخمة مقابل الحصول على حصة من الكهرباء أو مبالغ مالية تتراوح بين 10 و20 مليون ليرة سورية عن كل مولدة كهربائية حسب استطاعتها، لقاء حماية المولدة ومشغلها ومساعدته في جباية ثمن الكهرباء من المشتركين، إضافة لتأمين المازوت على غرار الامتيازات التي تقدمها الفرقة الرابعة

وأكّدت مصادر صوت العاصمة أن الأجهزة الأمنية والفرق العسكرية أجبرت جميع المشغلين على تركيب إنارة طرقية في محيط مراكزهم أو في بعض الشوارع الفرعية ومنعهم من إطفاءها ليلاً، إضافة إلى تزويد أقسام الشرطة وبعض الحواجز والبلديات بالتيار الكهربائي، بالمجان.

المولدات الصغيرة
تعتبر تكلفة الاشتراك الدائم في المولدات الكبيرة باهظة قياساً بدخل المواطنين، وهو ما يجعل شريحة واسعة من السكان عاجزة عن الالتزام مع إحداها، وهنا كان لا بدّ من اللجوء لبدائل أخرى وهي: “المولدات الصغيرة”.

حيث يتشارك سكان بناء أو عدة أبنية متجاورة إحدى تلك المولدات التي تعمل لساعات قليلة بغرض تعبئة خزانات المياه أو القيام بأعمال المنزل الضرورية كالغسيل وشحن الهواتف المحمولة والبطاريات.

ويعتمد نظام الاشتراك في هذا النمط من المولدات على قواطع الكهرباء أو “الفيوزات” حيث تحسب التكلفة هنا بـ”الأمبير” وليس بالكيلو واط.

تأمين المحروقات
يعد تأمين المحروقات من أكبر المصاعب التي تواجه مشغلي المولدات في الغوطة الشرقية، ففي ظل الأزمة التي تعيشها سوريا، وهو ما انعكس سلباً على ساعات التشغيل التي انخفضت كثيراً خصوصاً على أصحاب المولدات الصغيرة، حيث يقتصر تشغيل بعضها على ساعتين كل ثلاثة أيام.

أما مشغلو المولدات الكبيرة فيعتمدون في تأمين المحروقات على ضباط النظام أو على مسؤولي البلديات الذين يتقاضون مبالغ مالية بملايين الليرات.

وشكّلت أزمة المحروقات هاجساً حقيقياً يخوّف أصحاب المشاريع والسكان على حد سواء، إذ إنّ الانقطاع الكلّي لتيار الكهرباء سيتسبب بحالة من الشلل لكثير من المشاريع الزراعية والصناعية فضلاً عما يترافق معها من معاناة إنسانية لسكان المنطقة.

مخاطر تهدد السكّان
تعتبر الشبكة المستخدمة في توصيل الكهرباء إلى أحياء ومنازل المدن الغوطة الشرقية خطراً على حياة السكّان، سيما الأطفال منهم، وذلك بسبب العشوائية في التمديد وانكشاف أجزاء واسعة من كابلات الشبكة ومحاولات السرقة التي يقوم بها البعض.

وتؤدي الأعطال المفاجئة في مولدات الكهرباء خلال ساعات التشغيل إلى تلفٍ في الأدوات الكهربائية المنزلية تُسبّب في بعض الحالات اندلاع حرائق في الأجهزة الكهربائية.