بحث
بحث
انترنت

من يملك أخطبوط “أجنحة الشام”؟

لا يمكن إغفال الجانب الخفي من جبل الجليد في قائمة المالكين لأسهم الشركة

يشكّل قرار الاتحاد الأوروبي، رفع شركة “أجنحة الشام” السورية للطيران، من قائمة عقوباته، مناسبةً لطرح التساؤل التالي: من يملك هذه الشركة؟ قد يكون الجواب بديهياً للبعض، إنه، محمد عصام شموط، رجل الأعمال السوري المقرّب من النظام، والذي وُضع على قائمة العقوبات الأوروبية، في اليوم التالي تماماً، لرفع “شركته” من تلك القائمة. فـ شموط، متهمٌ وفق “الاتحاد”، بالمساهمة في تجنيد مرتزقة سوريين وفلسطينيين للقتال في صفوف القوات الروسية في أوكرانيا.

لكن هذه ليست المرة الأولى التي يُطرح فيها اسم “شموط” و”شركته” للطيران، في إحدى البقع الساخنة في العالم. كما أن الرجل يبدو للمراقب الخارجي، كرأس جبل جليد، حينما يتعلّق الأمر بالبحث في المالكين الحقيقيين للناقل الجوي “الثاني” في سوريا.

ورغم أن شموط، تعرّض لتجميد أمواله، ومنعه من دخول أراضي الاتحاد الأوروبي، وفق القرار الأخير، إلا أن الأمر قد لا يعني الرجل كثيراً، فشبكة علاقاته وخبرته، أتاحت له أن تُزال “شركته” من قائمة عقوبات الطرف الأوروبي ذاته، في مفارقة غير مفهومة بعد، إلا بوصفها نتاج مراجعة تستند إلى حيثيات “قانونية” باردة ومباشرة.

فكما هو معلوم، “أجنحة الشام”، عُوقبت أوروبياً، لأنها ساهمت في لعبة عض الأصابع بين بيلاروسيا والاتحاد الأوروبي، عبر نقل مهاجرين سوريين إلى حدود الاتحاد، خلال العام الفائت. وأُزيلت من قائمة العقوبات، بعد أن قدّمت “براهين” قانونية، بإيقاف دورها هذا.

والآن، يُعاقب شموط، لدوره في تجنيد مرتزقة للقتال إلى جانب روسيا في أوكرانيا. فهذه هي أولويات الأوروبيين. لكن بالمقابل، فـ “أجنحة الشام” مُعاقبة أمريكياً، منذ العام 2016، نظراً لدعمها نظام الأسد، مما يجعل التعاون معها، من جانب شركات أو جهات أوروبية، أمراً قد يعرّض تلك الجهات للعقوبات الأمريكية، وهو ما يفسّر حديث مسؤول في الشركة عن أن إزالتها من العقوبات الأوروبية، لا يعني بالضرورة، أنه سيكون بإمكانها تسيير رحلات جوية إلى مدنٍ أوروبية.

ورغم هذا العائق، سيستمر عصام شموط في محاولاته لاختراق الجدار الأوروبي، فهو نجح منذ العام 2014 في تحويل “شركته” إلى الناقل الجوي الأبرز في سوريا، واخترقت طائراته أغلب دول الخليج والدول العربية، وصولاً إلى تركيا وروسيا. فالرجل تعلّم “السباحة” وفق التيار السائد في سوريا الخاضعة للنظام، منذ العشرية الأولى من حكم بشار الأسد. وحينما كان الزمن، زمن رامي مخلوف، كان عصام شموط من أبرز المقرّبين منه. وما يزال لغز تطور العلاقة بين الرجلين، محل اختلاف وجدل بين المصادر المتناقضة. فبعض تلك المصادر تتحدث عن انشقاق شموط عن مخلوف، مع من انشقوا عنه، حينما اندلع الصراع بين الأخير وابن عمته، رأس النظام، منذ عامين.

وتمثلت أبرز إرهاصات ذاك الانشقاق، بحجز احتياطي على أموال شموط وشقيقه، في نهاية العام 2019، خرج منه الرجل سالماً، عبر تسوية ما لم يُعلن عنها، ويُعتقد أن يسار إبراهيم، مدير المكتب الاقتصادي والمالي في قصر الأسد، والمقرّب من زوجته أسماء، قد أتم تلك التسوية بالحصول على حصة وازنة من المُلكية داخل “أجنحة الشام”، لا توجد مصادر مؤكدة حول قيمتها.

لكن مصادر أخرى، أبرزها، مجلة “إنتلجنس أونلاين” الفرنسية المتخصصة في شؤون الاستخبارات، تذهب إلى أن عصام شموط ما يزال “حصان طروادة” خاص بـ “رامي مخلوف”. وأن الأخير ما يزال قطباً من أقطاب الاقتصاد السوري، بدلالة نشاط مقرّبين منه في معرض إكسبو دبي، في العام الفائت.

وبالإشارة إلى دبي، تظهر عقدة لافتة في شبكة علاقات عصام شموط، حيث تقبع عائلة رامي مخلوف منذ أكثر من العام، وينشط نجلاه، ومن هناك، يدير شموط بعض شركاته، ويقضي جانباً من وقته. وربما تعلم من هناك، أن فن إدارة المال، يقتضي التشبيك مع كل الأطراف المؤثرة في مساحة العمل التي ينشط فيها رجل الأعمال.

وهكذا فعل شموط منذ العام 2014، تاريخ عودة عمل “شركته” للطيران، التي توقفت لعامين فقط، بعيد الثورة، لتتحول في غضون عامين تاليين، إلى تهديدٍ مباشر لاستمرار “شركة الطيران” الرسمية السورية، وفق تصريح لافت أدلى به، رئيس الوزراء الأسبق، عماد خميس، في صيف العام 2016.

ولتفسير صعود “أجنحة الشام” المتسارع بعد العام 2014، لا يمكن الركون فقط إلى إتقان شموط لفن “السباحة”، وإن كان لذلك أهميته الكبيرة فعلاً. إذ حينما دخلت مياه جديدة إلى الساحة السورية، سارع إلى مجاراتها. كانت البداية مع إيران، التي نقل شموط، عبر “شركته”، مقاتليها إلى سوريا، وساعد إحدى شركاتها –ماهان للطيران التابعة للحرس الثوري-، في شراء 9 طائرات إيرباص، مما جعل واشنطن تدرج شركته “سكاي بلو بيرد” للطيران، التي تعمل من دبي، على قائمة عقوباتها في العام 2015.

وحينما دخل اللاعب الروسي، جاراه شموط أيضاً، فنقل مرتزقة فاغنر ومقاتلين سوريين موالين لروسيا، إلى ليبيا، ونقل مهاجرين سوريين بالمئات من دمشق إلى العاصمة البيلاروسية مينسك، لزجهم على حدود بولندا وليتوانيا.

ولم ينسَ شموط، إرضاء اللاعبين الأمنيين وأثرياء الداخل السوري، فساهم عبر “أجنحة الشام” في تهريب وغسيل الأموال. ووفق تقرير صادر عن الخزانة الأمريكية في نهاية العام 2016، ساهمت الشركة عبر رحلاتها بين دمشق ودبي، في غسل أموال لصالح المخابرات العسكرية التابعة للنظام. 

ووصلت اختراقات شموط عبر “أجنحة الشام”، إلى برنامج الغذاء العالمي، الذي ساهم في رعايته بالعام 2021، وقبل ذلك، ساهم في نقل أدوية وإمدادات طبية برعاية أممية، بين دبي وبنغازي الليبية.

ورغم تميّز شموط في تشبيك علاقاته مع كل الأطراف، وهو العامل الرئيس في جعل “أجنحة الشام” لاعباً يصعب إخراجه من سوق النقل الجوي السوري، إلا أنه لا يمكن إغفال الجانب الخفي من جبل الجليد في قائمة المالكين لأسهم الشركة. ويبقى اللغز، هل بات رأس النظام وزوجته، شركاء فعليين فيها؟ أم ما يزال لـ رامي مخلوف مكانٌ هناك؟

المصدر: صحيفة المدن