بحث
بحث
انترنت

من الظل إلى العلن… كيف تطورت الحرب بين إسرائيل وإيران؟

تتصاعد “حروب الظل” بين إيران وإسرائيل، منذ أن بدأت الولايات المتحدة الانسحاب من المنطقة. ومع تعثر مفاوضات الملف النووي يبدو أن تل أبيب حصلت على ضوء أخضر ما من واشنطن، بالتصرف في “حربها” ضد طهران.

وحتى فترة قريبة كانت إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، تضغط على إسرائيل كي لا تقوم بأي أعمال من شأنها أن تنعكس على المفاوضات، التي كانت تُعقد في فيينا. ومع أن الهجمات الإسرائيلية ضد أهداف إيرانية لم تتوقف خلال المفاوضات، فإن تراجع نسبة التفاؤل بقرب التوصل إلى اتفاق نووي، دفع بتل أبيب للتصعيد من حدة عملياتها، سواء في سوريا أو في الداخل الإيراني.

وتزايدت خلال الفترة الماضية الهجمات في الداخل الإيراني، من عمليات اغتيال لقادة في “الحرس الثوري” وعلماء نوويين، إضافة إلى غارات إسرائيلية متواصلة ضد قواعد ومواقع ومخازن أسلحة تابعة لإيران أو لـ”حزب الله” في سوريا، كان آخرها استهداف مطار دمشق الدولي في 10 حزيران، حيث أدى الاستهداف إلى إخراجه من الخدمة على نحو كامل تقريباً.

وقالت “القناة 12” الإسرائيلية، في 12 حزيران، إن القصف الصاروخي الإسرائيلي، الذي استهدف مطار “دمشق” أحبط 70 في المئة من عمليات تهريب الأسلحة إلى سوريا من إيران. وجاء في تقرير القناة، أن أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية رصدت خلال الفترة الأخيرة تكثيف الإيرانيين الجهود لإدخال أسلحة “كاسرة للتوازن” إلى سوريا، مخصصة لمشروع “تطوير صواريخ دقيقة”.

واستشهدت القناة بتقارير أجنبية حول أنظمة تسمح بجعل الصواريخ دقيقة، كانت إسرائيل قد استهدفت مواقعها في سوريا من خلال 15 هجوماً خلال الشهر الأخير وحده، وفق القناة.

وفي كانون الثاني الماضي. كانت إسرائيل استهدفت بقصف صاروخي ساحة الحاويات في ميناء “اللاذقية”، مما تسبب باندلاع حريق كبير وكثير من الخسائر. وقالت صحيفة “تايمز أوف إسرائيل”، آنذاك، إن إيران تجلب الأسلحة الإيرانية إلى سوريا عبر الميناء الحيوي، الذي تستقبل فيه سوريا العديد من البضائع، إلى جانب “حزب الله” اللبناني.

اعتراف إسرائيلي “صريح”
وجهت إسرائيل منذ عام 2017 أكثر من 400 هجوم ضد إيران في المنطقة، أغلبيتها في الداخل السوري، وأدت لمقتل 300 شخص بينهم قادة عسكريون إقليميون، بحسب ما نقلت صحيفة “وول ستريت جورنال” عن مسؤولين إسرائيليين في نيسان الماضي، ونادراً ما تعترف إسرائيل رسمياً بتنفيذ مثل تلك الضربات، لكن تحولت سياستها أخيراً للتصريح العلني عن ضربات تنفذها. أيضاً نفذت عمليات داخل إيران واغتالت قادة تابعين لـ”فيلق القدس” في “الحرس الثوري”، وعلماء نوويين أبرزهم محسن فخري زادة.

ونقلت صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية عن مسؤول إيراني قوله، “نعتقد أن إسرائيل اغتالت عالمين إيرانيين بتسميم طعامهما، مهندس الطيران أيوب انتظاري والجيولوجي كمران أغملائي عانيا أعراض تسمم قبل الوفاة”.

كما استهدفت منشآت نووية بطائرات مسيّرة تطلق من الداخل الإيرانى، وعمليات استخباراتية وسيبرانية استهدفت بعض المرافق الحيوية، حيث ألقت إيران باللائمة على إسرائيل بالوقوف وراء انفجار غامض قطع الطاقة عن منشأتها لتخصيب اليورانيوم في “نطنز” نيسان 2021.

وأعلن “الحرس الثوري” الإيراني عن مقتل ضابط في القوات الجوية الفضائية التابعة له في حادثة سيارة أثناء أدائه مهمة وسط البلاد، ولكن وسائل إعلام إيرانية معارضة كشفت مصادر مطلعة، عن أن وفاة الضابطين الإيرانيين محمد عبدوس وعلي كماني، التابعين لوحدة الجوفضاء بـ”الحرس الثوري”، لم تكن إثر حادث، كما زعم مسؤولو النظام الإيراني.

ولم توضح المصادر السبب الدقيق لوفاة الضابطين المهندسين في “الحرس الثوري”، لكنها قالت إنهما كانا يعملان في “صناعة وتطوير السلاح لـ(حزب الله) في لبنان”.

وكانت وكالات أنباء مقربة من “الحرس الثوري” الإيراني أفادت بمقتل علي كماني ومحمد عبدوس، العضوين في وحدة الجوفضاء التابعة للحرس الثوري الإيراني بمدينتي خمين وسمنان، وذلك في خبرين منفصلين بينهما ساعات قليلة.

“لم نعد نلعب مع المخالب”
وصف رئيس الوزراء الإسرائيلي، نفتالي بينت، خلال حديثه مع مجلة الـ”إيكونوميست”، في وقت سابق من الشهر الحالي، هذه الاستراتيجية، بأن “تل أبيب باتت تعتمد معادلة جديدة في المنطقة، إذ تطبق عقيدة الأخطبوط مستهدفة إيران بشكل مباشر، لا أذرعها”.

وأشار إلى ما وصفه بـ”حرب الظل” التي تخوضها إسرائيل ضد إيران منذ نحو أربعة عقود، قائلاً، “نطبق عقيدة الأخطبوط. لم نعد نلعب مع المخالب، مع وكلاء إيران، لقد أنشأنا معادلة جديدة من خلال استهداف المنبع”.

ولفت إلى أن وكيلي إيران في المنطقة هما “حزب الله” اللبناني، وحركة “حماس” الفلسطينية في قطاع غزة، اللذان تدعمهما طهران، مؤكداً أنهما لم يطلقا صواريخ على إسرائيل في العام الماضي. وكان الرئيس السابق لشعبة الاستخبارات العسكرية “أمان” عاموس يادلين، قد أكد أن الإيرانيين يديرون خمس جبهات، وكلها بدأت في التصعيد.

ونقلت “القناة 12” عن يادلين قوله إنه “ليس هناك شك في أن لدى إيران رغبة كبيرة في الانتقام، وإذا كانوا في الماضي حاولوا الانتقام بالمثل، وكانوا يبحثون عن علماء إسرائيليين وعسكريين إسرائيليين، اليوم كل إسرائيلي، وربما كل يهودي، هو بالنسبة لهم هدف”.

وتابع أن الاستخبارات الإسرائيلية أحبطت هجوماً، وكانت السبب في إصدار تحذيرات من السفر واضحة وصريحة للغاية. وأضاف أن الإيرانيين لم يقرروا محاولة مهاجمة كل إسرائيلي فحسب، فقد قرروا أيضاً أنهم لن يفعلوا ذلك بحذر، حيث كانوا في الماضي يشغلون جميع أنواع الأشخاص بالوكالة، واليوم يحاولون استخدام وحدات “فيلق القدس” بشكل مباشر.

هل ترد إيران؟
على الرغم من التصعيد والضربات المتتالية وعمليات الاغتيال “المثيرة” على الأراضي الإيرانية، فإن طهران تكتفي حتى اليوم، وبعد كل ضربة، بالتصريح حول قرب الانتقام في الداخل الإسرائيلي، وليس خارجه، وبالتعهد برد انتقامي “في وقت تختاره”، و”الاعتصام بالحكمة”، وما إلى ذلك من حجج، لكن ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية، في 12 حزيران الحالي، أن الأمن الإسرائيلي أحبط محاولة إيرانية لضرب أهداف إسرائيلية في تركيا.

وقالت الهيئة العامة للبث الإسرائيلي، “قبل نحو شهر أحبطت أجهزة الأمن الإسرائيلية هجوماً إيرانياً على أهداف إسرائيلية داخل الأراضي التركية”. وأشارت إلى أنه قبل أسبوع ونصف الأسبوع فقط أصدر مجلس الأمن القومي الإسرائيلي تحذيراً للمواطنين الإسرائيليين من السفر إلى تركيا، بسبب تحذير ملموس وتهديد حقيقي بشن هجمات انتقامية إيرانية على إسرائيليين، بعد عملية اغتيال كبيرة في “الحرس الثوري” نسبت إلى الموساد الإسرائيلي.

وأفادت “القناة 12” الإسرائيلية بأن إسرائيل وتركيا أحبطتا عدداً من “المخططات الإرهابية الإيرانية” خلال الأسبوعين الماضيين، بما في ذلك مؤامرات لإطلاق النار والاختطاف في تركيا.

وبحسب التقرير، فإن عدداً من الأشخاص المتورطين في هذه الأعمال مواطنون أتراك، والباقي إيرانيون، ولم يذكر التقرير هوية هؤلاء الأفراد. وبحسب القناة، قال بعض السياح الإسرائيليين، إن “عدداً من الأشخاص في إسطنبول حاولوا دعوتهم إلى مطعم أو جولة”. وأفادت وسائل إعلام إسرائيلية بأن “أنقرة” حذرت إيران من أنها لن تسمح بأن تصبح الأراضي التركية قاعدة للعمليات ضد إسرائيل.

وقالت قناة “کان” الإسرائيلية، إن أجهزة الأمن الإسرائيلية تعتقد أن الخلايا الإرهابية الإيرانية لا تزال موجودة في تركيا، وإن قوات الأمن الإسرائيلية والتركية تعمل على إحباط أي هجوم محتمل من قبل المجموعة.

وخلال محادثة هاتفية، شكر وزير الخارجية الإسرائيلي، يائير لبيد، نظيره التركي مولود تشاويش أوغلو، علی جهود “أنقرة” في حماية السياح الإسرائيليين.

وفي وقت سابق، أصدرت الحكومة الإسرائيلية مثل هذا المستوى من التأهب الأمني للمواطنين الإسرائيليين والسياح إلى أربع دول، هي: (العراق، واليمن، وأفغانستان، وإيران). وكانت إيران قد اتهمت “صهاينة” بالوقوف خلف اغتيال العقيد في “الحرس الثوري” صياد خدائي (أيار الماضي).

الرد قد يكون في أميركا الجنوبية
ونقلت وسائل إعلام رسمية إيرانية (في 12 حزيران الحالي)، أن السلطات الأرجنتينية احتجزت طائرة من طراز “بوينغ 747” تابعة لخطوط “ماهان” الجوية، مستأجرة لفنزويلا تقل طاقماً من 14 فنزويلياً وخمسة إيرانيين بمطار بوينس آيرس، العاصمة الأرجنتينية، بسبب شكوك حول أسباب دخولها البلاد. وطائرة الشحن الفنزويلية مملوكة لشركة “إمتراسور” التابعة لشركة “كونفياسا” العامة، محتجزة منذ عشرة أيام تقريباً في الأرجنتين، بعد أن أتت من المكسيك محملة بقطع غيار سيارات. ومُنع أفراد طاقمها من مغادرة البلاد، بينما يحقق القضاء في خلفياتهم، ولا سيما أي صلة محتملة بـ”الحرس الثوري”.

وكانت الأوروغواي منعت دخول هذه الطائرة في 8 حزيران. وتم حجز جوازات سفر أفراد الطاقم الإيرانيين أولاً، ثم الفنزويليين، لكن لهم الحرية في دخول ومغادرة فندقهم الواقع قرب مطار إيزيزا في بوينس آيريس. وصودر بأمر من قاض فيدرالي، 18 هاتفاً وسبعة أجهزة كمبيوتر وخمسة حواسيب لوحية ووثائق مختلفة لأفراد الطاقم.

وذكر موقع “مكرو بروس” الإخباري الأرجنتيني، أن هناك تقارير تفيد بأن بعض الإيرانيين الموجودين على متن الطائرة المحجوزة لهم صلات بـ”فيلق القدس” التابع لـ”الحرس الثوري” الإيراني. وأوعز القاضي الأرجنتيني فيديريكو فيلينا لسلطات الهجرة باحتجاز جوازات سفر المواطنين الإيرانيين الخمسة، بناءً على شكوى تقدمت بها الرابطة المتبادلة الأرجنتينية اليهودية (AMIA) ووفد الجمعيات الإسرائيلية – الأرجنتينية (DAIA).

ونفت شركة طيران “ماهان” الإيرانية، على لسان مدير العلاقات العامة، أمير حسين ذولا نواري، أي صلة لها بالطائرة. وقالت إن الطائرة باعتها لشركة طيران فنزويلية قبل ما يزيد على سنة.

وبحسب وزير الأمن القومي الأرجنتيني، أنيبال فرنانديز، فإن طائرة “بوينغ 747” فرضت عليها عقوبات أميركية، وعند وصولها “تلقينا بيانات من وكالات دولية حول الطائرة”، لا سيما أنها كانت مملوكة في السابق لشركة الطيران الإيرانية “ماهان إير” الخاضعة لعقوبات أميركية. وأضاف في مؤتمر صحافي “ثمة ما يشير إلى أن هناك شخصاً يحمل نفس اسم غلام رضا قاسمي، أحد أفراد الطاقم، انخرط في فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني”، مشدداً على أنه لم يتم التوصل إلى “شيء غير هذا التشابه في الأسماء”.

وتابع الوزير “وفق عمليات التقصي التي أجرتها الشرطة الفيدرالية، لم نصل إلى أي بيانات تغير منحى الأمور حتى الآن”. وذكر وزير الأمن أنه “لا أحد من أفراد الطاقم موضوع نشرة حمراء” من الإنتربول، وأنه “ليس هناك سبب موضوعي آخر” كان يحول من دون أن تدخل الطائرة الأرجنتين في 6 حزيران، لكن وزير الأمن الأرجنتيني، عاد واستبعد، وجود صلة بين أحد أفراد طاقم الطائرة وفيلق القدس الإيراني، مرجحاً ألا يعدو الأمر كونه تشابهاً في الأسماء.

وزير الداخلية الإيراني مطلوب للإنتربول
وكان فرنانديز صرح في وقت سابق عن أفراد طاقم الطائرة الإيرانيين الخمسة المحتجزين، بأن أحدهم، وهو غلام رضا قاسمي، من أقارب وزير الداخلية الإيراني أحمد وحيدي، وكان وحيدي متورطاً في تفجير “آميا” كقائد لفيلق القدس، وصدرت بحقه مذكرة توقيف دولية.

وفي مقابلة مع محطة إذاعية أرجنتينية، قال فرنانديز، إنه إضافة إلى ذلك، حددت المسوحات الروتينية في الأرجنتين أشياء غير منطقية، “عدد أفراد طاقم الرحلة الذين تم الإعلان عن أسمائهم وتسجيلهم أقل من الذين صعدوا إلى الطائرة، وهذا أدى إلى استمرار التحقيقات”.

وكتبت الوكالة الفرنسية للأنباء، أن الأرجنتين لطالما كانت حساسة تجاه وجود ركاب إيرانيين على متن طائرات تهبط في البلاد، بسبب تحذيرات الإنتربول الحمراء في شأن الإيرانيين المتهمين بتفجير مبنى الجمعية التعاضدية اليهودية الأرجنتينية (آميا) في عام 1994 في بوينس آيرس.

وكان تفجير “آميا” قد أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 85 شخصاً وإصابة 300 آخرين. وكانت الأرجنتين قد نددت في وقت سابق بتعيين أحمد وحيدي وزيراً للداخلية الإيرانية.

يُذكَر أن غلام رضا قاسمي، القائد المتقاعد في “الحرس الثوري” وعضو سابق في مجلس إدارة شركة “قشم فارس إير”، شارك في تهريب الأسلحة من إيران إلى “حزب الله” في لبنان مرة واحدة على الأقل في عام 2018. وقدمته بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية على أنه طيار الطائرة المحتجزة في الأرجنتين، قائلة إنه كان عضواً في الوحدة 190 في “فيلق القدس” التابع للحرس الثوري، بحسب موقع “إيران إنترناشيونال” المعارض.

المصدر: إندبندنت عربية