بحث
بحث
سوريون في إحدى الدوائر الحكومية - فرانس برس

شبكات سمسرة تستغل حاجة السوريين إلى وثائق رسمية

باتت السمسرة سياسة متّبعة من قبل أجهزة النظام السوري ومؤسساته في التعامل مع تقديم الخدمات العامة للسكان في دمشق وغيرها من المدن السورية. وتنتشر شبكات سمسرة منظمة تعمل على تسهيل حصول السكان على خدمات في مختلف المجالات، في حين أنّ حكومة النظام فشلت في تحسين جودة الخدمات المقدمة.

ويُضطر سوريون كثيرون في داخل البلاد وخارجها إلى دفع مبالغ كبيرة لقاء حصولهم على وثائق حكومية. وعلى الرغم من الرسوم المحددة لتلك الوثائق، يسعى سماسرة، بالتعاون مع جهات أمنية ومدنية في داخل الإدارات الرسمية، إلى تقديم تلك الوثائق في مقابل مبالغ مالية كبيرة.
لكنّ الذين يلجأون إلى السماسرة يكونون بمعظمهم مجبرين على ذلك، إذ يرفض النظام منحهم أيّ وثيقة بحجّة أنّهم مطلوبون.  وبينما يلجأ البعض إلى شبكات السماسرة لتسريع استخراج أوراقهم وتلافي دخول في روتين وبيروقراطية معاملات الجهات الحكومية، ينشط السماسرة في استخراج أوراق ومستندات رسمية لأشخاص مطلوبين للنظام أينما وُجدوا، في الداخل أم الخارج.

ويعاني سكان في دمشق من بطء سير معاملاتهم وعرقلة بعضها من قبل موظفين مرتبطين مع شبكات سمسرة تستغلّ حاجتهم إلى استخراج أوراق رسمية.

وتنشط عمليات السمسرة بشكل كبير، خصوصاً في ظلّ فشل حكومة النظام في حلّ أزمة جوازات السفر المستمرة منذ سنوات، إذ أعلنت وزارة الداخلية في شهر مارس/ آذار الماضي عن توقيف ضابطَين وتسعة عناصر مرتبطين بشبكات السمسرة ومتورّطين بملفات فساد وتقاضي رشاوى قُدّرت بعشرات الملايين، من بينهم متّهمون بتزوير أختام رسمية وتنظيم معاملات جوازات سفر غير نظامية في مقابل مبالغ مالية كبيرة.

تجدر الإشارة إلى أنّ حكومة النظام تفرض على من هم في داخل سورية رسوماً مالية تُقدّر بنحو 50 ألف ليرة سورية (نحو 20 دولاراً أميركياً) بدل جواز سفر عادي و75 ألف ليرة (نحو 30 دولاراً) بدل جواز سفر مستعجل، فيما تفرض على من هم في خارج البلاد 300 دولار أميركي بدل الجواز العادي و800 دولار أميركي بدل الجواز المستعجل.

في شهر إبريل/ نيسان الماضي، قرّر وليد حسن (33 عاماً) الحصول على جواز سفر على الرغم من أنّه مطلوب للخدمة الاحتياطية، فوُجّه إلى سمسار يعمل في فرع الهجرة والجوازات بدمشق. يخبر حسن “العربي الجديد” أنّه “بعد شرح حالتي للسمسار، وضعني أمام خيارَين؛ الأوّل استخراج الجواز وأنا في داخل سورية، والثاني بعد خروجي منها إلى لبنان تهريباً، وبالتالي يكون استخراج الجواز من السفارة في بيروت”. لكنّه اختار الأوّل كونه أقلّ تكلفة مادية.

وهكذا اتّفق حسن مع السمسار على استخراج جوازه مقابل ألفَي دولار أميركي تُدفع بعد استخراج الجواز في خلال أسبوع واحد فقط من موافقته على العرض. يضيف: “أخذ مني السمسار صورة هوية وبصماتي على ورقة صغيرة وتوقيعي وصوراً شخصية”، لافتاً إلى أنّ شرط السمسار لاستخراج جواز السفر عدم استخدامه في داخل سورية.

ويعني ذلك أنّه لا يمكنه استخدامه للمغادرة من مطار دمشق، ولا يمكنه تجديده من إحدى السفارات السورية كي لا يكشف السمسار نفسه وبالتالي تُكشف الشبكة بكاملها. وطلب السمسار من حسن بعد انتهاء صلاحية الجواز (مدّته سنتان ونصف سنة) وخروجه به من لبنان إلى أيّ بلد آخر إتلافه واستخراج آخر جديد.

ولا يُحصَر عمل شبكات السمسرة في استخراج جوازات سفر. علي محمد (29 عاماً)، على سبيل المثال، سوري مقيم في لبنان أراد السفر إلى تركيا للعمل، لكنّ سفارة أنقرة في بيروت طلبت منه وثيقة عدلية تفيد بأنّه “غير محكوم”. ويخبر محمد “العربي الجديد”: “تواصلت مع محامٍ في دمشق وطلبت منه وثيقة تفيد بأنّه غير محكوم عليّ. وبعد نحو 10 أيام، أبلغني المحامي بإمكانية ذلك مقابل 600 دولار، وبشرط عدم استخدامها في داخل سورية. فأرسلت له المبلغ المطلوب وصورة عن هويتي، وبعد ثلاثة أيام فقط استلم أخي في دمشق الوثيقة مترجمة ومصدّقة من وزارة الخارجية”.

في هذا السياق، يخبر المحامي فادي الذي استخرج وثيقة محمد والذي تحفّظ عن كشف هويته لـ”العربي الجديد” أنّ “القصر العدلي يعجّ بالسماسرة أكثر من المحامين، لدرجة أنّنا لم نعد نعرف المحامي من السمسار”. يُذكر أنّ فادي يعمل في مكتب محاماة بدمشق يضمّ أكثر من عشرة محامين.

ويقول فادي: “أحياناً في عملنا اليومي، وبمختلف القضايا المتعلقة بحياة الناس، ثمّة ما يحتاج إلى تعامل بطرق غير شرعية، علماً أنّها قانونية نوعاً ما”. ويوضح أنّ “استخراج وثيقة تخرّج من الجامعة لشخص موجود في خارج البلاد، على سبيل المثال، أمر يحتاج إلى موافقة أمنية. ولا يمكن الحصول عليها إلا عبر شبكات السمسرة المنتشرة بالقصر العدلي والمرتبطة بجهات أمنية”.

المصدر: العربي الجديد