بحث
بحث
رأس النظام بشار الأسد ، في صورة معدّلة ـ موقع درج

رفع الدعم الحكومي… صفقة النظام الجديدة لسرقة الناس

“البيض يا جماعة مش متذكرين طعمتو”…

قَطع طرق وإحراق أفران خبز وتكسير مراكز “تكامل” المسؤولة عن البطاقة الذكية… هكذا يعبّر السوريون عن جوعهم وخوفهم في مواجهة النظام الذي لا يتوانى عن انتزاع آخر لقمة من أفواههم بكلّ وقاحة، غير عابئ بآلاف العائلات المكسورة والمهانة تحت حكمه.

لا أتذكر آخر مرة أكلت عائلتنا فيها اللحم”
بعد منتصف ليلة 1 شباط/ فبراير، بدأت تصل السوريين في الداخل رسائل، تُعلِمهم باستبعادهم من فئة المستهدفين في الدعم الحكومي، بينما كان غيرهم أكثر حظاً ولم يستبعدوا. خلال هذه الحملة الشعواء استُبعِد أطفالٌ ومتوفون على أساس أنهم مسافرون، كما استبعد وزير سابق من الدعم فيما استبعد البعض لأنهم مسافرون، بينما لا يملكون في الواقع جوازات سفر حتى. حالة من الفوضى عمت الشارع السوري، وكان السؤال الملح: “هل استبعدوك أنت أيضاً؟”، بينما يظهر رجلٌ على شاشة التلفزيون السوري التابع للحكومة يقول: “لا أتذكر آخر مرة أكلت فيها عائلتنا اللحمة والآن يحرموننا الدعم”، متابعاً: “البيض يا جماعة مش متذكرين طعمتو”. ومع رفع الدعم قد تحرم عائلات كثيرة حتى من رغيف الخبز… إنها الإهانة والذل، إلى جانب الجوع والفقر. 

كانت البطاقة الذكية تشمل الأرز والسكر والشاي والزيوت النباتية والغاز المنزلي ووقود السيارات والتدفئة بأسعار معقولة، وعلى رغم صعوبة الحصول على هذه المواد والانتظار لساعات طويلة، إلا أنّها كانت تسدُّ جزءاً من احتياجات السوريين، الذين يقع حوالى 90 في المئة منهم تحت خط الفقر. 

فور وصول رسائل الاستبعاد، ارتفع سعر ربطة الخبز الحر إلى 1400 ليرة سورية بينما سعر المدعوم هو 150 ليرة سورية. 

ويصل سعر ليتر البنزين المدعوم إلى 1100 ليرة أما الحر فـ2500 ليرة وبينما كانت أسطوانة الغاز المنزلي المدعوم نحو 12 ألف ليرة سورية، أي ثلاثة دولارات ونصف الدولار تقريباً، أصبح الحر منها بـ31 ألف ليرة سورية، أي نحو 9 دولارات، لكنه غير موجود في الحقيقة، فتضطر العائلات إلى شراء الأسطوانة مقابل 100 ألف ليرة من السوق السوداء 29 دولاراً تقريباً، ما يساوي راتب موظف تقريباً! 

رفع الدعم لأجل النظام
ما يحصل في سوريا يعكس انفصال النظام السوري عن شعبه وعدم جديته في التعاطي معه ومحاولة تحسين أوضاعه، إضافة إلى الخطط الممنهجة لإفقار الناس واستعبادهم لمصلحة رؤوس النظام والتابعين له، وهؤلاء هم وحدهم الرابحون في النهاية!

بدأت عام 2021 خطة استبعاد بعض الفئات من الدعم الحكومي، وكان سبقها تقليل عدد المخصصات، وهذا ما سيوفر بحسب الحكومة مبالغ كبيرة على الموازنة، تحوّل إلى أماكن إنفاق أخرى، مع العلم أن رفع الدعم في كلّ دول العالم يجب أن يترافق مع زيادة في الرواتب الشهرية، لتغطي احتياجات ذوي الدخل المحدود.

شمل الاستبعاد في البداية حوالى نصف مليون مواطن وحسب، هم المساهمون في الشركات المدرجة أسهمها في سوق دمشق للأوراق المالية، والمسافرون الذين لم يدخلوا إلى سوريا منذ نحو عام واحد وأصحاب السيارات التي تتجاوز سعة محركها 1500 CC، وسنة صنعها بعد عام 2008، باستثناء مالكي تلك السيارات من المتقاعدين والموظفين والعسكريين. يضاف إلى المستبعدين كبار ومتوسطي المكلفين ضريبياً، وهم المقاولون، المصدرون والمستوردون، المخلصون الجمركيون، أصحاب السجلات السياحية، المقاهي والكافيتريا. ولم يستثنِ القرار الأطباء منذ أكثر من عشر سنوات وأصحاب المقاهي الخاصة والمراكز الطبية والمختبرات ومراكز التجميل، الصيادلة، مستثمري الصيدليات. كما أضيف إليهم أصحاب المكاتب الهندسية والقانونية والمحاماة من ممارسي المهنة منذ أكثر من عشر سنوات، باعتبار أن هذه الفئات تستطيع شراء احتياجاتها من المواد المتوافرة في السوق بالسعر الحرّ، وهو أمر غير دقيق ويحتاج إلى المزيد من الدراسات المفصلة حول نوعية الحياة اليوم في سوريا ومدى انعكاس الانهيار الاقتصادي على السكان.

يعاني الكثير من المحامين من تراجع قيمة الأجور من جهة وعدم تحصيل مستحقاتهم بسهولة وقلة المراجعين من جهة ثانية، أما بالنسبة إلى أصحاب السيارات فمن غير المعقول رفع الدعم عن صاحب سيارة “كيا ريو” موديل 2008، بينما صاحب سيارة مرسيدس موديل ما قبل 2008 يحصل على الدعم، مع العلم أن سعر الأخيرة هو أضعاف سعر سيارة “كيا”، والتي اشتراها صاحبها قبل الأزمة وبالتقسيط، وسيكون شراء البنزين الحرّ معضلة حقيقة بالنسبة إليه.

من سيسرق الدعم؟
بعد سلسلة الاعتراضات المقدمة على المنصة الإلكترونية الخاصة، قررت الحكومة مواصلة تقديم الدعم لكل من تقدم باعتراض حتى البت بالأمر، وستفتح إدارة الهجرة والجوازات في وزارة الداخلية أبوابها يومياً من الثامنة صباحاً حتى الثامنة مساء للبت في اعتراضات من لم يشملهم الدعم بسبب مغادرتهم القطر لأكثر من عام، وتبين وجودهم داخل البلد.

اعتبرت الحكومة ما حدث مجرد “أخطاء تقنية” يمكن إصلاحها عبر الاعتراضات، لكن في الحقيقة هذا التسويف والمماطلة، من وسائل النظام الكثيرة لامتصاص غضب الشعب، وتطبيق قراراته في النهاية. وهو ما حدث في قرار رفع جمركة الهواتف الخليوية، إذ تشير “الهيئة الناظمة للاتصالات والبريد”، في حكومة النظام السوري، إلى أنها تمكنت من جمع 92 مليار ليرة سورية لمصلحة خزينة الدولة خلال الستة أشهر الماضية، بسبب الضرائب الإضافية المفروضة على المواطنين والتي لا مسوّغ لها سوى زيادة أرباح النظام مقابل إفقار المواطنين.

يتكرر الأمر ذاته اليوم، فالنظام السوري ما زال يكذب ويوارب، بخاصة أن المواد التي رفع عنها الدعم موجودة بوفرة في السوق السوداء، فهل من مصلحة بعض المتنفذين إجبار السوريين على الذهاب إلى السوق السوداء؟

المصدر: موقع درج