الوفد الروسي الذي وصل الإثنين إلى دمشق أقل ما يشبه الوفد، فلا عدد أعضائه (230 عضواً) ولا إعلان وزارة الدفاع الروسية عنه “بقرار من الرئيس بوتين وتعليمات وزير الدفاع شويغو” يذكر بالصيغة التقليدية للوفود الدبلوماسية.
وتصدرت الموقع الرسمي لوزارة الدفاع الروسية الذي أعلن عن الوفد وموعد وصوله ومهماته صورة كتب عليها باللغات الروسية والعربية والإنكليزية “الجلسة المشتركة لأركان التنسيق ما بين الوزارات لروسيا وسوريا من أجل عودة المهجرين إلى أراضي الجمهورية العربية السورية”.
يضم الوفد ممثلي 30 هيئة وإدارة تنفيذية إتحادية و5 مكونات إتحادية ومناطق عسكرية، ويترأسه رئيس مقر التنسيق بين الإدارات الروسية من أجل عودة اللاجئين إلى سوريا الجنرال ميخائيل ميزنتسيف.
وينضم إلى إجتماع هيئتي أركان التنسيق الروسية والسورية منسقا الأمم المتحدة والصليب الأحمر الدولي في سوريا.
صحافية روسية صديقة متابعة لشؤون المنطقة عقبت على الإعلان عن الوفد وعدد أعضائه وإتساع تمثيله، بما فيه العسكري، بالقول “هذا إنزال روسي في دمشق” وليس وفداً، ومن السذاجة الإفتراض أنه قادم لتحقيق تقدم في حل مشكلة المهجرين السوريين فقط، بل يبدو أن لديه الكثير مما يقوله للأسد.
ما إن إنتصف نهار الإثنين، يوم “الإنزال”، حتى بدأت ترد الأنباء الأولى عن “إنتصاراته” على الأرض، حيث أعلنت وكالة “تاس” عن توقيع 15 إتفاقية ومذكرة في “المجالات الرئيسية للتعاون الروسي السوري”.
ونقلت عن رئيس الوفد الجنرال ميزنتسيف قوله بأنه سيتم التوقيع أيضاً على 10 إتفاقيات وعقود أخرى، تقدم بموجبها هيئات السلطة التنفيذية الإتحادية المساعدة في المجالات الحقوقية وأمن شبكات التواصل الإجتماعي والإتحاد الجمركي والتعاون الإقتصادي التجاري والتعليم.
وتلا نبأ “تاس” بعد قليل إعلان الموقع الرسمي لوزارة الدفاع عن صدور “بيان مشترك لمقر التنسيق بين الإدارات الروسية والسورية حول مشاكل عودة اللاجئين والنازحين السوريين إلى ديارهم”.
الصحافية الروسية التي توقعت ألا تكون مهمة 230 مسؤولاً روسيا محصورة في قضية المهجرين فقط، على الرغم من كل تعقيداتها، بل لا بد أن لديهم ما يقولونه للأسد أكثر، لم تكن مطلعة على النقد اللاذع الذي تضمنه نص نشره في 21 من الشهر الجاري موقع RT الرسمي الناطق بالعربية بعنوان “إنزلاق دمشق نحو الأوهام يبدأ بخطوة واحدة”.
كتب النص المحلل السياسي في غير موقع روسي رامي الشاعر الذي يحرص على تعريف نفسه بأنه “مصدر وثيق الصلة بمؤسسات صناعة قرارات السياسة الخارجية الروسية”.
قال الشاعر بأن الوضع في سوريا ليس كما يبدو عليه في شريط الفيديو الذي يظهر فيه الأسد وهو يتناول “الشاورما” في أحد المطاعم الدمشقية “وسط ترحيب وحفاوة من المواطنين البسطاء”، بل هو “اصعب من ذلك”، ولعدة اسباب خارجية وداخلية.
ويرى أن حل الكارثة الإنسانية السورية، “ولا أبالغ بوصفها كارثة”، يبدأ بتنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2254، “ولا سبيل لحل الأزمة سواه”. فالسلطات السورية تتجاهل في الخطاب الذي تتبناه العامل الذاتي في عجزها عن فرض سلطتها شمال شرق وشمال غرب سوريا، والقضية لا تتعلق فقط بالتواجد والدعم العسكري الأمريكي أو التركي. فحتى بعد انسحاب الأمريكيين والأتراك من الأراضي السورية، ليس مضموناً أن تتمكن السلطة المركزية في دمشق من بسط سيطرتها على هذه المناطق دون حدوث تسوية على أساس قرار مجلس الأمن المذكور، وبمشاركة جميع السوريين المعنيين.
والأمر نفسه ينطبق على الجنوب السوري الذي يعاني من وضع “خطير للغاية، وقابل للإنفجار في أي لحظة”.
ويرى أن الأسد كان محقاً بقوله أن الحلول الأمنية وحدها لا تحقق الهدف، بل أمان وإستقرار المواطن، وقناعته وإنتمائه لأرضه هو ما يحقق السلام.
ويعتبر الشاعر أن الأسد لا يلتفت إلى المسار الذي تجاوزته سوريا، ليس بفضل “الأصدقاء وحدهم ــــــ روسيا وإيران والصين ـــــ بل وبفضل الجهود الدبلوماسية والسياسية مع “العدو الغادر”، تركيا، والتي تكللت جميعاً، من خلال مسار أستانا، بوقف لإطلاق النار، ومناطق التهدئة، والشروع في أعمال اللجنة الدستورية المصغرة، التي تصر قيادات دمشق على تحويلها إلى منصات للتنظير في أصول المفاهيم، ومعاني الكلمات”.
حين توجهنا إلى الشاعر “وثيق الصلة بمؤسسات صناعة قرارات السياسة الخارجية الروسية” بالسؤال عن زيارة الوفد الروسي إلى دمشق، وما إذا كان سيحمل شيئاً للأسد مما جاء في مقاله، أو مايشبهه، قال بأن روسيا تقف منذ بداية الأزمة السورية موقفاً مبدئياً واضحاً في الحفاظ على السيادة السورية ووحدة أراضيها.
وهي تدعم حل المشاكل الداخلية عن طريق الحوار السوري السوري. وذكّر بمؤتمر الحوار السوري الذي دعت إليه العام 2018 في سوتشي وبالبيان الذي صدر عن المؤتمر و”اعتبر بمثابة طريق للبدء بتنفيذ القرار 2254″، وكذلك بالإتفاق على عمل اللجنة الدستورية.
وقال بأن وفد الحكومة السورية حاول في سوتشي “التلاعب بالبيان” الذي تم التوصل إليه بجهود الأمم المتحدة ومجموعة أستانا، لكن موقف روسيا كان “واضحاً جداً، من أن هذا الأسلوب مرفوض جملة وتفصيلاً”. ومن حينها تحاول دمشق التلاعب والمماطلة “كما ورد في مقالي الأخير ومقالاتي السابقة”.
ورأى أن قرار الرئيس بوتين إرسال وفد بهذا الحجم، يؤكد الإصرار على حل مشكلة اللاجئين والمهجرين، وهو تأكيد بأن “روسيا لا تميز بين فئات الشعب السوري وانتماءاته الطائفية والعرقية”، وعلى أنها “تحترم خيار الشعب السوري” وضرورة مشاركة كل السوريين في صنع مستقبل بلادهم. وروسيا لن تتخلى عن هذا النهج مهما صدر من تصرفات شاذة سواء من القيادة في دمشق أو من المعارضة. وستستمر في تنفيذ تعهداتها أمام من ساهم في وقف إطلاق النار والتوصل إلى نظام التهدئة، وستؤمن كل الظروف للعودة الآمنة لمن يرغب في العودة إلى المناطق التي غادرها بناء على الإتفاق بإشراف روسيا ومجموعة أستانا.
وفي رد على مقالة أحمد طرقجي في “المدن” أمس الإثنين “هكذا دمرت موسكو القرار2254″، والتي تطرقت إلى مقالته الأخيرة، قال رامي الشاعر بأن جذور الأزمة السورية تعود إلى ما قبل عشرين سنة “على اقل تقدير” وأساسها العامل السوري الداخلي. لكن النظام لم يتخذ أي إجراءات للحؤول دون تفاقمها وإنفجارها العام 2011، بل لجأ إلى تعزيز الأجهزة الأمنية وتوسيع السجون وابتكار الأساليب الحديثة لقمع أي وجهات نظر تخالف سياسته وتهدد أمن سلطته، مما جعل الإحتجاجات تتفاقم وتتسع.
ويأسف لظهور بعض الأصوات التي تنتقد تعامل روسيا مع الأزمة “من دون أن يتعمق” في دراسة لماذا تلجأ روسيا إلى المبادرات والجهود المتعددة التي يقوم بها المختصون بالملف السوري وملف الشرق الأوسط، والذين تلقوا تعليمات من الرئيس بوتين تنص على أن الأولوية الرئيسية هي “منع وقوع ضحايا مدنية”، وتفادي حدوث صدامات يمكن أن تتحول إلى حرب أهلية واسعة. ويرى أن الأوضاع مؤهلة لذلك، و”يكفي أن نذكر الإحتقان اليوم في درعا”، وما يمنع حدوث الصدام هناك هو جهود الشرطة العسكرية الروسية.
ويقول بأن روسيا تستخدم سياسة الصبر على أمل أن ينضج العامل السوري الذاتي في عملية الإنتقال السلمي إلى “نظام آخر” على اساس “تغيير أو تعديل دسنوري”. وهي تساعد السوريين على التوافق في ما بينهم، وإذا لم يحصل ذلك، فلن تنتهي الأزمة السورية وستطول عشر سنوات أخرى، وربما أكثر.
ويختتم الشاعر تعليقه على المقالة بتوجيه إنذار إلى منتقدي روسيا، إذ يقول “ليعلم جميع من ينتقد الجهود التي تبذلها روسيا ومجموعة أستانة أن لا خيار آخر، والبديل هو حرب أهلية واسعة ومزيد من الدمار والضحايا وتفاقم الأزمة الإنسانية لعامة الشعب السوري”.
المصدر: صحيفة المدن