بحث
بحث
اجتماعات اللجنة الدستورية في قصر الأمم المتحدة بجنيف (أرشيف) ـ الأناضول

مسار اللجنة الدستورية السورية: التقدّم رهن الضغوط على النظام

إحداث خرق في عمل اللجنة، سواء في جولتها المقبلة إن عُقدت قريباً، أو جولاتها المقبلة في حال استمرار عملها، ليس محط تفاؤل

يرفع التفاؤل الذي عبّر عنه مبعوث الرئيس الروسي الخاص إلى سورية، ألكسندر لافرنتييف، بانعقاد الجولة المقبلة من اجتماعات اللجنة الدستورية السورية هذا الصيف، التوقعات بتعرّض النظام السوري إلى ضغوط للانخراط أكثر في هذا المسار، المتعثر على الأقل في جولاته الخمس الماضية، والتي لم تفرز أي نتائج حقيقية لجهة البدء بكتابة ووضع صياغات دستورية ضمن دستور جديد للبلاد. لكن يبدو أن لقاء رئيس وفد النظام إلى الجولة الـ16 من مباحثات أستانة (عقدت يومي الأربعاء والخميس الماضيين)، أيمن سوسان (مساعد وزير خارجية النظام) بالمبعوث الأممي إلى سورية غير بيدرسن، الذي شارك في أعمال الجولة، لم يكن مثمراً لجهة التوصل إلى موعد دقيق لجولة مقبلة (السادسة) من أعمال اللجنة الدستورية، التي انتهت آخر جولاتها (في يناير/ كانون الثاني الماضي) بالفشل، ما جعل المبعوث الأممي يعبّر عن خيبة أمله في نهايتها وما بعدها.

وبالتزامن مع تصريحات لافرنتييف يوم الأربعاء الماضي حول إمكانية عقد جولة جديدة لأعمال اللجنة الدستورية في صيف 2021، كانت وكالة “نوفوستي” الروسية تنقل عن مصدر مقرب من مفاوضات أستانة، بأن الجولة السادسة من أعمال اللجنة الدستورية ستجري قبل نهاية أغسطس/ آب المقبل في مدينة جنيف السويسرية، لكن المصدر لم يتحدث عما إذا كان بيدرسن قد توصل إلى اتفاق مع أطراف اللجنة على هذا الموعد، وبالتالي الاتفاق حكماً على الأجندات وجدول الأعمال.

أما سوسان، الذي تحدّث عن عقد جولة جديدة من “الدستورية” خلال لقاء على قناة “روسيا اليوم”، فأكد التكهنات التي تلت الانتخابات الرئاسية السورية (جرت في مايو/ أيار الماضي) وفوز بشار الأسد فيها، حول أن النظام سينتشي بعد الانتخابات من منطلق “تفوقه”، وأنه سيتعامل مع الاستحقاقات السياسية وغير السياسية حول الأزمة السورية بناء على هذا المعطى الجديد. وألمح سوسان في معرض حديثه عن عقد الجولة إلى أن فوز الأسد حسم الأمور في سورية، وبالتالي لا يمكن للأطراف الأخرى التعنّت بوضع شروط حيال صيغ الحل.

واتهم سوسان كذلك بيدرسن بتلقي ضغوط في عمله بتسيير أعمال اللجنة من أطراف مختلفة، بالإشارة إلى تركيا والدول الغربية.

وبالتالي، فإن إحداث خرق في عمل اللجنة، سواء في جولتها المقبلة إن عُقدت قريباً، أو جولاتها المقبلة في حال استمرار عملها، ليس محط تفاؤل، على الأقل في الوقت الحالي، إذ إن النظام الذي ماطل وعطّل انطلاق اللجنة ومن ثم جولاتها، من خلال اللعب على عامل الوقت بهدف الوصول إلى الانتخابات الرئاسية من دون دستور جديد للبلاد على الرغم من الضغوط الممارسة عليه سابقاً، يبدو اليوم بأنه يسير في اتجاه مزيد من التعطيل، لكن مع تحرره من ضغط عامل الوقت، إذ يعتبر النظام أنه حقق “انتصاراً” سياسياً داخلياً من خلال إنجاز الانتخابات وفوز الأسد فيها، مع حمل هذا المعطى للأروقة الدولية للحل السوري، للاستناد إليه.

لكن رئيس وفد المعارضة للجنة الدستورية، هادي البحرة، رأى أن “هناك إمكانية لعقد جولة جديدة من أعمال اللجنة الدستورية”، مشترطاً “الالتزام بمنهجية العمل والقواعد الإجرائية لعمل اللجنة”.

وأوضح البحرة، في حديث مع “العربي الجديد”، أن “جدول الأعمال للجولة المقبلة محدد منذ الدورة السابقة للاجتماعات، وهو المبادئ الأساسية في الدستور، التي تمثل الفصل الأول في مشروع الدستور، والتي تبني عليها وتلتزم بها مضامين الفصول اللاحقة”.

وأشار البحرة إلى أن “عقد الدورة السادسة يتوقف على ضمان التزام الأطراف كافة بهذه الأجندة لجدول الأعمال، وبالمنهجية المقترحة التي تقدّم بها المبعوث الخاص إلى سورية”.

من جهته، أشار المتحدث باسم هيئة التفاوض السورية المعارضة، عضو القائمة الموسعة للجنة الدستورية عن لائحة المعارضة، يحيى العريضي، إلى أنه “ليس هناك اتفاق حول موعد لانعقاد الجولة، إذ لم يحصل تفاهم نهائي على جدول أعمالها”.

وحول تمسك وفد المعارضة بالشروط التي حدّدها رئيس هيئة التفاوض السورية أنس العبدة في آخر لقاء جمعه مع المبعوث الأممي في إسطنبول قبل أشهر، أشار العريضي إلى أن “المعارضة وضعت محددات وليس شروطاً”، مؤكداً أن تلك المحددات “لا تزال ثابتة، وهي الآلية المنتجة، والسقف الزمني المحدد، وجوهر مواد الدستور كجدول أعمال”.

وعن التوقعات بأن يذهب النظام نحو مزيد من المماطلة بعد إجراء الانتخابات، واعتقاده بحسم الأزمة السورية لصالحه، أشار العريضي إلى أن “النظام في الأساس يرفض الحل السياسي، ولا يعترف بمن يخالف إرادته الاستبدادية والإجرامية، ولا يأتي إلى أي جولة تُسمى مفاوضات إلا تمثيلاً على المجتمع الدولي، أو صاغراً بحكم الضغط المصلحي للاحتلال الروسي”.

ورأى أن ما فاقم هذا الموقف “مسرحية النظام الانتخابية، لكن كل الظروف الدولية، والوضع الداخلي، ومأزومية من يحميه، عوامل تفتت هذا التمترس الخلّبي”، مشيراً إلى أن النظام لا يزال يعول على أن “يحظى بمساومة أو بتنازل من جانب الهيئة، وهذا لن يحدث إطلاقاً”.

أنور مجني، عضو القائمة الموسعة لوفد المجتمع المدني في اللجنة الدستورية، رأى أن النظام يتعرض لضغوط لعقد جولة جديدة من اللجنة، مشيراً في حديث مع لـ”العربي الجديد” إلى تخوف النظام أيضاً من عقد هذه الجولة. وأضاف مجني أن “هذا يعطي مؤشراً إيجابياً إلى أهمية اللجنة الدستورية، لأن النظام لديه كل هذه المخاوف من عقد الجولة، لكن أيضاً هناك مؤشر سلبي، يكمن في عدم تحديد موعد لانعقاد جولة جديدة من الدستورية خلال جولة أستانة الأخيرة”.

وأشار مجني إلى أن “زيارة نائبة بيدرسن، خولة مطر، إلى دمشق، قبل فترة قريبة، لم تأت بنتائج تذكر على ما يبدو، وهذا ما ألمح إليه بيدرسن في إحاطته الأخيرة أمام مجلس الأمن نهاية شهر يونيو/ حزيران الماضي، وبالتالي فإن التحديات أمامنا تكمن في عدم الاتفاق على الموعد، وبالتالي على الأجندة”. وأوضح أن بيدرسن “طرح صيغة جديدة لعقد الجولات المقبلة، والمعارضة وافقت عليها، لكن النظام لم يبدِ موافقة، وأرسل بيدرسن نائبته إلى دمشق، لكن لم تحصل على نتائج في هذا السياق، وقد يكون تم اتفاق ضمني على الموعد، لكن لم يعلن إلى الآن، وننتظر الأيام المقبلة لتخبرنا بذلك”.

وأكد مجني أنهم في وفد المجتمع المدني، أو ما بعرف بـ”الثلث الثالث”، يتابعون اجتماعاتهم “بدعم وتيسير تقني من إحدى المنظمات السورية، من خلال عقد اللقاءات مع الفاعلين في الداخل، والوقوف على آخر التحديثات وتطوير الأوراق التي ستقدم في الجولات المتعلقة في مضامين الدستور”. لكنه أشار إلى أن “المشكلة المتعلقة بقائمة المجتمع المدني، تكمن في عدم وجود رئيس لهذه القائمة، فالأجندة للجولات يتم الاتفاق عليها بين كل من رئيسي وفدي هيئة التفاوض والحكومة السورية (حكومة النظام) بالتنسيق مع المبعوث الأممي، بالتالي نحن لا نكون مشاركين في تحديد المواعيد والأجندة، لكن المبعوث الأممي يقوم كل مرة بإطلاعنا على المتفق عليه، ما يعني أننا نكون متفاعلين مع جدول الأعمال، وليس مساهمين فيه بشكل مباشر”. لكنه أكد أن “من الواضح أن الجولة المقبلة ستناقش المبادئ الأساسية في الدستور، ونحن نتحضر في وفد المجتمع المدني لذلك”.

المصدر: العربي الجديد