بحث
بحث
أحد مخيمات اللاجئين السوريين في منطقة البقاع، شرق لبنان ـ مهاجر نيوز

استمارات حزب الله للاجئين السوريين: إخضاعهم قسراً لانتخاب الأسد

إن من سيلبون الدعوة هم من مؤيدي النظام، الذين وجدوا في وجع الشعب وشتاته فرصة للاسترزاق.

على أبواب انتخابات سوريا الرئاسية، يخرج من يزور مخيمات النازحين السوريين في البقاع، بانطباعات عن حجم الخيبة التي يعيشها هؤلاء من عدم تغير شيء في نظام بلدهم، بعد أكثر من ثماني سنوات على هربهم القسري منه.

البحث عن وطن بديل
أن تدعو السلطة نفسها التي هجّرتهم لانتخابات أخرى في سوريا، معناها أنها لن تكون أكثر من “مبايعة” لشخص رئيسها الحالي بشار الأسد. وعليه ليست الانتخابات الرئاسية المقبلة، كما يقولون، سوى مقدمة لسبع سنوات إضافية يقضونها بعيداً عن سوريا، فيما النظام ماض في قمع شعبه بالداخل والخارج، وفي إبتزاز من يرغب منه بالعودة.

يقول أحدهم: “أنا من الناس الذين دخلوا لبنان في شهر آذار 2011، أي أنني اليوم لا أعرف ماذا يوجد في سوريا، أتيت من حمص، ولم أشارك يوماً في أي مواجهة مع السلطة، وإن كنت قلبياً أرغب بالتغيير في سوريا، ولكن إذا أردت العودة إلى بلدي اليوم، فإنني أعلم أنني سأقع في قبضة النظام وأجهزته بتهمة جاهزة “إيواء إرهابيين”. هم يربطون العودة بلجان المصالحة، فيما مهمة هذه اللجان إخضاع الراغبين بالعودة، وكتم صوتهم نهائياً مقابل استعادة ولو جزء من ممتلكاتهم. ولذلك، يقول، “إذا عاد بشار رئيساً سأبيع ممتلكاتي بسوريا، وحتى لو لم يأوني لبنان، فسأبحث عن أي وطن آخر لي”.

يؤرخ النازحون في مخيمات البقاع للانتخابات المقبلة بكونها الثانية التي تجري في ظل توزع الشعب السوري بالشتات. فمع بداية عهد جديد للرئيس بشار الأسد قبل سبع سنوات، كان عمرُ “هربِ” السوريين من بلدهم لا يزال صغيراً، إلا أن أملهم بقي كبيراً بأن تكون تلك آخر ولاية للنظام الذي هجرهم من قراهم وأراضيهم وبيوتهم. ولكن ذلك لم يحصل. فبعد مئات آلاف الضحايا والقتلى، وأطنان الركام من الممتلكات والمنازل التي خلفتها حرب النظام على شعبه، فقد سوريو المخيمات الأمل بإمكانية عودتهم مجدداً إلى بلادهم.

يقول أحدهم: كنا على مقربة جداً من تحقيق حلمنا بـ”التحرر”. فثورتنا وصلت إلى باب القصر الرئاسي، ولكن تدخل حزب الله ومن خلفه إيران وروسيا وحتى أميركا، أنهك الثورة: “فقتلونا ودمرونا وحاصرونا وأعطونا وعوداً كاذبة”.

إخضاع اللاجئين
وهكذا تراقب مخيمات البقاعين الأوسط والغربي، بصمت “عملية التزوير” الجديدة لإرادة الشعب “برعاية حزب الله في البقاع”، الذي تحول ماكينة انتخابية لبشار الأسد. فأدار محركاته من منطقة بدنايل في بعلبك بما سمي “لقاء حواري” دعا إليه تحت إسم “رابطة العمال السوريين”. وخلص إلى تشكيل لجان ستملأ استمارات إحصائية بأعداد “الناخبين” بهدف تأمين وسائل نقلهم إلى مراكز الانتخابات، وفقا لما ورد من معلومات عن الاجتماع، الذي حضر فيه “بشار الأسد” كمرشح مطلق ووحيد.

منذ قدومهم إلى لبنان، توزع النازحون السوريون بحسب أهوائهم السياسية في المناطق اللبنانية. فحط أبناء الجزيرة والرقة في شمال البقاع أي بعلبك والهرمل، فيما استضافت تجمعات المخيمات في عرسال بالإضافة إلى البقاعين الأوسط والغربي بدءاً من برالياس إلى الفيضة ومجدل عنجر والمرج وغزة وباقي قرى البقاعين الغربي والأوسط، النازحين من مناطق المعارضة السورية أي حمص ومناطق دمشق ودرعا وإدلب وحتى اللاذقية، بحثا عن بيئة أكثر تناغماً مع توجهاتهم.

ومن هنا، تبدو التوقعات واضحة بالنسبة للمقيمين في هذه البيئة المعارضة. لا مشاركة “كبيرة” متوقعة من مخيمات البقاعين الأوسط والغربي في الانتخابات الرئاسية الوشيكة لسوريا. مقابل زحف انتخابي من مناطق بعلبك الهرمل، حيث بدأ حزب الله يعد العدة لتأمين أوسع مشاركة برعايته.

التزام الصمت
برأي أحدهم، فإن من سيلبون الدعوة هم من مؤيدي النظام، الذين وجدوا في وجع الشعب وشتاته فرصة للاسترزاق. وأغلبهم من أبناء الرقة والجزيرة والدير، وخصوصاً من أتقن منهم دور المرتزقة في كل المراحل التي مرت بها الثورة. فتلاحموا مع الجيش الحر، ورحبوا بداعش، ومن ثم ارتموا في أحضان النظام وجيشه. وعندما قيل لهم أن الأكراد يقومون بالتوظيف في مناطقهم، التحقوا بالأكراد للحصول على الرواتب.

أما من لا يريدون النظام ورأسه، فلا مكان لوصول صوتهم. حتى الورقة البيضاء الكفيلة بتبديل معادلة 99.99 بالمئة لن تكون متاحة أمامهم. ولذلك يقول أحدهم “سنلتزم في هذا اليوم بالصمت”، ونعتبر أننا غير معنيين به، وإن كنا في قرارة أنفسنا نتمنى التغيير.

رغم الحدود الفاصلة بين لبنان وسوريا، وتحرر لبنان أقله من وجود الجيش السوري في لبنان، لا يشعر السوريون بأنهم ينعمون بأمان كاف للتعبير بحرية عن رأيهم في انتخابات سوريا ومجمل قضاياها. ولذلك، يتحفظون عن إعطاء أسمائهم عند الإدلاء بأي تصريح، “حماية لأقاربهم المتواجدين بسوريا قبل أن يحموا أنفسهم” كما يقولون.

برأي أحدهم، “العسس موجود في وسطنا، والكثيرون من أبناء المخيمات مطلوبون لدى فروع الأمن في سوريا. ولذلك تجدهم يمتنعون عن السفر إلى بلادهم”. ومن هنا يؤكد بأن التجديد للرئيس بشار الأسد “يعني أن العودة ستتأجل بالنسبة لنا سبع سنوات إضافية. وفي الأثناء حتى أصغر أولادنا لن يعود لديهم أي ارتباط بهذه الأرض. وسيزيد النظام الفجوة بينهم وبين بلدهم”.

وحدة الحال في البلدين
لم يعد الكثير من أبناء المخيمات يبالون بانتخابات أو غيرها في سوريا. برأيهم الأسد سقط فعلياً، ومن يبقيه واقفاً على رجليه هو الصراع الأميركي الإيراني في المنطقة. ويتحدثون عن وحدة حال، تفصلهم عن سوريا بالجغرافيا، ولكنها تفرض عليهم أن يعيشوا ظروفها في لبنان.

الواقع الاقتصادي والمعيشي في البلدين هو واحد من مضاعفات هذه الوحدة، التي لا يعتبر نازحو البقاع أنها ستكون أقل وطأة عليهم في بلادهم.

إلا أنهم يرفضون بالمقابل تحميلهم تبعات الأزمة الكبيرة التي يمر بها لبنان، فيقول أحدهم “صار لنا أكثر من سبع سنوات في لبنان، هل سمع أحدهم بمزاولة سوري لمهنة الطب، أو الهندسة، أو الإعلام وحتى التجارة. كنا عمال مياومين في الحقول وورش البناء ولا زلنا كذلك. والفارق الوحيد أننا كنا في الماضي نعمل هنا لنرسل أموالنا إلى سوريا، بينما نحن اليوم ننفق كل مقدراتنا في هذا البلد”.

لا شك أن “القلة تولد النقار”، إلا أنه برأي نازحي مخيمات البقاع، النقمة على لقمة عيش السوري مصدرها “كراهية” يفتعلها مناصرو النظام تجاه السوريين المقيمين في لبنان، حماية لظهره في سوريا. يتفق بعضهم “أن هناك محاولة لتصوير النازحين بأنهم أعداء لبنان، بينما وجع اللبنانيين والسوريين متأتٍ من طرف حزب الله””، الذي برأيهم “قلب موازين القوى ضد إرادة الشعب في سوريا، ويجر اللبنانيين إلى إرادته، مستنزفاً آخر المقدرات للوصول إلى تسويات لمصلحته. ما يجعلنا بلدين وشعبين في رحمة أنظمة لم تسمع يوماً صوت الناس وأفقرت شعوبها وساهمت بتهديم بلادها”.

المصدر: صحيفة المدن