بحث
بحث
دمار في مدينة عربين بالغوطة الشرقية في ريف دمشق ـ إنترنت

سوريا وعشر سنوات من أوهام الحل

ليس أمام السوريين اليوم الذين يطالبون بإسقاط كل الأطراف المسيطرة على ملف الأزمة السورية إلا أن يعودوا للعمل معاً على إعادة ترتيب أوراقهم وتجميع رؤاهم «توافقياً» على مستقبل سوريا

ما كان متوقعاً بعدما علا صوت الشعب السوري يُطالب باستعادة كرامته التي هدرها النظام الأسدي الحاكم ببطشه وفساده وسرقاته لخيرات سوريا على مدى أربعين عاماً، أن تستمر معاناته من دون أن يحقق شيئاً من مطالبه وليبقى عشر سنوات أخرى راضخاً لثلاثة احتمالات، إما الموت بنيران النظام أو الرضوخ لإذلاله أو الهرب والشتات في بقاع الأرض.

كما لا يمكن في حال من الأحوال القول أن مجريات الأحداث السورية خلال السنوات العشر الماضية كانت تسير بشكل منطقي وصولاً إلى ما وصلت إليه اليوم، فالصوت الذي خرج في العام 2011م من كل بقاع الأرض السورية يصرخ « الموت ولا المذلة « و «واحد واحد واحد الشعب السوري واحد» متأملاً أن يكون قادراً على تغير مستقبله إلى الأفضل، إما أنه قُتلَ بنيران النظام ونيران حلفائه روسيا وإيران أو أنه شُرّد في بقاع الأرض يبحث عن مأوى له.

تردي الأحوال الاقتصادية
أما من نجا من القتل وما زال يعيش على الأرض السورية فإنه يعيش اليوم حرماناً بأضعاف مضاعفة عن بداية الصراع نتيجة تردي الأحوال الاقتصادية في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام إلى ما دون خط الفقر برقم لا يمكن لأي خبير اقتصادي أن يقرأه لأنه غير مدرج أصلاً في التعداد العالمي لنسب الفقر.

إن متوسط الراتب الشهري لموظف في مؤسسات الدولة لا يتعدى الخمسين ألف ليرة سورية بعد كل الهبات التي منحت له من جيب سيادة الرئيس حسب تقارير صادرة عن مواقع إخبارية عديدة، وهذا المبلغ يعادل اليوم عشرين دولاراً فقط، في حين أن سعر ربطة الخبر المسعرة بخمسين ليرة سورية في حال توفرت في الأفران مع وقوف المواطن السوري في طابور الانتظار لعشرين ساعة قد وصل إلى 2000 ليرة سورية.

أما بالنسبة لبقية المواد الغذائية فإنه صار من المحال على الفرد السوري الذي يعتمد على راتبه في معيشته دون أن تصله أي مساعدات من أبنائه أو أقاربه الذين يعملون في الخارج، أن يكون قادراً على تأمينها ولو مرة كل عدة أشهر. هذا ولم أذكر بعد المقومات الضرورية لاستمرار الحياة اليومية، والتي هي اليوم معدومة الوجود في حياة الإنسان السوري الذي يعيش في الداخل وأولها الكهرباء التي صار يحسبها من الرفاهيات حـال وجـودها!

مفاوضات جنيف
لم تستطع مبادرات الجامعة العربية التي تدخلت في بداية الأزمة من إيجاد حلٍ سياسي مناسب للصراع السوري، إذ أن النظام رفض تلك المبادرات مدعياً أنه لا توجد ثورة على النظام في سوريا وأن ما يحصل هو بفعل جماعات إرهابية هدفها القتل والتخريب والتدمير ويجب محاربتها، وكان هذا هو ذاته رده بعد أن دُول الملف السوري إلى الأمم المتحدة، وفي كل جلسة من اجتماعاتها كان النظام السوري يضغط في اتجاه يجعل به محاربة الإرهاب هي التي لها الأولوية قبل الحديث عن أي حلّ سياسي، بينما روسيا الداعمة له والمحاربة عنه على الأرض السورية تُوقف أي قرار ضده بحق الفيتو الذي تملكه.

هكذا مضى عداد السنوات لإنهاك الشعب السوري حتى أوجدت روسيا مساراً في اتجاه آخر، حيث ادعت والنظام أن به الحل للأزمة السورية ودعت الأطراف إلى مؤتمر أستانا بداية عام 2017م الذي غير مسار مفاوضات جنيف المستندة على قرار الأمم المتحدة 2254، من حلّ شامل إلى وقف إطلاق نار وتقسيم مناطق سيطرة المعارضة وصولاً إلى خفض تصعيد، أدى بالنهاية إلى مصالحات أعادت النظام إلى أغلب المناطق التي كانت بيد المعارضة.

وسائل الضغط
كانت نتيجة ذلك الإعلان عن لجنة دستورية، وبهذا الإعلان جرى اختزال السنوات الطويلة من الثورة التي عمل فيها النظام على قهر وقتل وإذلال وتهجير الشعب السوري وتدمير سوريا إلى مجرد حديث يتداول عن اجتماعات لجنة بين كتابة دستور جديد للبلاد أو تعديل آخرِ دستور لنظام الأسد الذي أخرجه عام 2012.

وآخر ما حرر في القضية السورية كان من قبل المبعوث الأممي غير بيدرسون إقراره بفشل اللجنة الدستورية في التوصل إلى كتابة دستور جديد للبلاد بسبب عدم تعاون وفد النظام وتعنته بجدالات كسباً للوقت من أجل الانتخابات القادمة التي ستجري منتصف 2021م.

لقد ضيعت المعارضة السورية كل وسائل الضغط التي كانت تملكها في بداية الثورة بخسارتها للأرض التي كانت تسيطر عليها، وهيئاتها التي نصبت نفسها على عرش الثورة وخضعت لأوامر دول رأت في الصراع السوري وجبة سياسية شهية عليها تناولها لتحقق منها مكاسباً هي المسؤولة عن تلك الخسارات، وها هي اليوم تحصد نتيجة أفعالها وقراراتها اللامسؤولة مشاعرَ غضبٍ عليها من السوريين ومطالبات بإسقاطها.

لقد صار صوت السوري الحر مع بداية عام 2021م وبعد أن كبرت معاناته عشر سنوات: يسقط النظام .. تسقط المعارضة!

لكن لم تعد كافية للخروج من قاع الجحيم أصوات تعلو وتطالب بإسقاط هذا الطرف أو ذاك مع استمرار التنابذ والاختلاف على طريقة الخروج، خاصة وأن جميع الدول التي لجأت لها المعارضة السورية لم يعد حل الأزمة السورية من أولوياتها وهي تقبع في غرفة العناية المركزة نتيجة تدهور اقتصادها بسبب الوباء العالمي: كورونا، كما أن الإدارة الأمريكية الجديدة برئاسة بايدن والتي علق كثر الآمال عليها لاتخاذ خطوات لحل الأزمة السورية، أعلنت برنامجها تجاه منطقة الشرق الأوسط ولم يكن العمل على وضع حلول للقضية السورية ضمنه.

وفي ظل هذه الظروف الدولية المحبطة حالياً ليس أمام السوريين اليوم الذين يطالبون بإسقاط كل الأطراف المسيطرة على ملف الأزمة السورية إلا أن يعودوا للعمل معاً على إعادة ترتيب أوراقهم وتجميع رؤاهم «توافقياً» على مستقبل سوريا الذي يطالبون به، وذلك في حوارٍ يجمعهم كلهم مثقفين ومفكرين وسياسيين ليخرجوا للمجتمع الدولي بقرار واحد هو البديل المقنع والمخرج الوحيد.

المصدر: القدس العربي