بحث
بحث
صورة تعبيرية ـ إنترنت

في القضاء العسكري بدمشق.. معتقلون قيل إنهم ماتوا وظهروا أحياء

لا توجد عائلة إلا ولديها معتقل أو مغيّب قسرياً يواجه مصيراً مجهولاً في معتقلات أقل ما يقال عنها أنها مسالخ بشرية

أمضت السيدة هيفاء أربع سنوات بانتظار أي معلومة عن مصير زوجها، المعتقل منذ نيسان في العام 2012، دون أي جدوى، لتنهي هذا الانتظار باتصال جاءها أواخر العام 2016 يبلغها بضرورة مراجعة “فرع الشرطة العسكرية” بدمشق لتسلّم ورقة تذهب بها إلى دائرة الأحوال المدنية لاستخراج شهادة وفاة لزوجها.

سلمت السيدة هيفاء أمرها لله، كما تقول، وأمضت أربع سنوات أخرى تضيف جملة “رحمه الله” كلما ذُكر اسم زوجها، إلا أن صوتاً داخلها كان دائماً يؤكد لها أن زوجها على قيد الحياة، وستراه مرة أخرى يوماً ما.

منتصف العام 2020، تعرّفت هيفاء على والدة أحد المعتقلين الذين خرجوا حديثاً من معتقل صيدنايا، لتفاجئ بعد شهور باتصال من هذه السيدة تخبرها أن ابنها، بعد أن سمع باسم زوجها، أكد أنه التقى به في المعتقل بعد عدة شهور من التاريخ الذي أبلغوها بوفاته به.

منذ ذلك الوقت، لم تترك هيفاء فرعاً أو محكمة في دمشق إلا وذهبت إليها تستفسر عن زوجها، حتى وصلت الأسبوع الماضي إلى “محكمة القضاء العسكري” بدمشق، حيث أبلغها القاضي أن زوجها حي يرزق في معتقل صيدنايا، فقدمت طلباً لزيارته وقُبل بعد أيام، شريطة ألا تتجاوز الزيارة ثلاثين دقيقة ومن خلف القضبان.

استقرار مزيف استعداداً للانتخابات
تتصدر قضية المعتقلين في سجون نظام الأسد المشهد في سوريا، حيث يمكن القول إنه لا توجد عائلة إلا ولديها معتقل أو مغيّب قسرياً يواجه مصيراً مجهولاً في معتقلات أقل ما يقال عنها أنها مسالخ بشرية، خاصة بعد تسريب صور “قيصر” التي تظهر حجم التعذيب الذي يتعرضون له.

وتبحث هذه العائلات عن أي قشة تتعلق بها حول مصير أبنائها، إما عبر دوائر القضاء الرسمية، التي قلّما تعطي أي معلومات عن المعتقلين، أو عبر سؤال المعتقلين المفرج عنهم إن شاهدوا أو التقوا بهم خلال فترة اعتقالهم، أو عبر سماسرة الفروع الأمنية، الذين يجنون ثروات طائلة من المتاجرة بالمعلومات حول المعتقلين.

إلا أن مشهداً جديداً، ظهر خلال الأسابيع الماضية، في ساحة “القضاء العسكري” في منطقة الجمارك بدمشق، حيث توجد هناك صباح كل يوم المئات من العائلات، بانتظار دورها للدخول والاستفسار عن أبنائها، حيث تسمح هذه المحكمة لأهالي دمشق وريفها تحديداً، بالاستفسار عن أبنائهم وإعطائهم معلومات عنهم، في إشارة فسّرها أحد المحامين أنها “مناخ مزيّف من الأريحية والاستقرار، يشيعها نظام الأسد في العاصمة دمشق استعداداً لمرحلة الانتخابات”.

يؤكد المحامي في دمشق، الذي فضّل عدم الكشف عن اسمه، أن هناك معتقلين مختفين منذ سنوات، ومنهم من تسلّم ذويهم وثائق وفاة رسمية من النظام، واعتقدوا أنهم توفوا، لكن “القضاء العسكري” أبلغهم أنهم أحياء، وبعضهم تسلّم تصريحاً للزيارة في معتقل صيدنايا، والبعض الآخر تسلم إحالة إلى “فرع الشرطة العسكرية” للتدقيق والبحث في إضبارة المعتقل، فيما أُبلغ آخرون أن أبناءهم أحيلوا إلى “محكمة قضايا الإرهاب” لأجل البت في قضاياهم.

وأضاف المحامي، في حديثه مع “موقع تلفزيون سوريا”، أن القضاة في “القضاء العسكري” و”محكمة قضايا الإرهاب” يتعاطفون مع أهالي دمشق وريفها، ويتعاملون معهم بشكل جيد جداً، حتى إنهم يحذّرون ذوي المعتقلين من دفع أي رشىً أو أموال للسماسرة مقابل الكشف عن مصير أبنائهم، مؤكدين لهم أن ذلك يعرقل الإفراج عنهم.

وأشار المحامي إلى أن “هذه المعاملة جديدة ومفاجئة من قبل القضاء العسكري تحديداً، فقد اعتاد الأهالي أن يُطردوا من مدخل بناء القضاء، وفي معظم الأحيان، لا يسمح إلا لمن يدفع الرشوة بالدخول، وعادة ما تكون الردود على تساؤلات ذوي المعتقلين بالطرد دون إعطائهم أي معلومات عن أبنائهم”.

وأوضح أنه من المعروف عن قضاة “القضاء العسكري” و”محكمة قضايا الإرهاب” تلقيهم الرشاوي وعملهم على أساس المحسوبية، ومنهم من كوّن ثروات من قضايا المعتقلين، متسائلاً “من أين لهم هذا التعاطف الذي ظهر فجأة؟”.

واعتبر المحامي أن ذلك “يأتي في سياق تخدير أهالي المناطق التي يسيطر عليها نظام الأسد، مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية، والإيهام بأن هناك جو من الاستقرار والأريحية استعداداً لإطلاق حملته الانتخابية”.

هل تعديلات “محكمة قضايا الإرهاب” شكلية؟
تتزامن هذه المعلومات مع مرسوم جديد صدر عن رئيس النظام، بشار الأسد، في 7 شباط الجاري، يتعلق بـ “محكمة قضايا الإرهاب”، وتضمن 9 مواد، تنص الأولى منها على إنهاء تكليف 12 قاضٍ في المحكمة، وهم محمد الحلبي، باسل فلوح، عبده الدرخباني، الرائد وسام عضوم، الرائد سامر عباس، الرائد أمير إبراهيم، طلال الجيرودي، محمد الصباغ، محمد الصقر، رامي سلمان، مجد حمود، فادي مهنا.

ونصّ المرسوم على تعيين قضاة بدلاً عن المنهي تكليفهم، وضمت قائمة القضاة الجدد: عمر المصري، محمد سعد الدين، إبراهيم عبد القادر، العقيد محمود خليل، العقيد فراس ديب، المقدم حسين حومد، وائل موصللي، سائر حسون، ناجي نخلة، فائزة تش، نورا الحسن، سحر سليطين.

كما نصّ المرسوم على إنهاء تكليف القاضي نهاد محمود الشحادات، القاضي المؤازر للفرقة المختصة بالنظر في قضايا الإرهاب والتفتيش القضائي بمحكمة الإرهاب، وتكليف القاضي ياسر محمد سالم عياش بدلاً عنه.

كما نصّت القرارات الصادرة عبر المرسوم بإعادة تشكيل ثلاث غرف لدى محكمة الجنايات الناظرة في قضايا الإرهاب، لتصبح في رئاسة الغرف كل من القضاة زاهرة بشماني، محمد حجة، عمر الحمصي، في حين ضم الأعضاء 6 قضاة من المكلفين في قضايا المحكمة.

وقرر رئيس النظام في المرسوم الصادر عنه إعادة تشكيل دوائر التحقيق لدى “محكمة قضايا الإرهاب”، لتضم 11 قاضياً، وهم وسام زيتون، صقر حسون، عدنان لطف الله، وائل موصللي، محي الدين القادري، أيمن اسمندر، محمد حداد، عمر دهيمش، ناجي نخلة، أحمد الزوكاني، محمد عواد، كما قرر تكليف 4 قضاة في النيابة العامة لدى “محكمة قضايا الإرهاب”، وهم علاء صالح، فائزة تش، سحر سليطين، نورا الحسن.

حول هذا المرسوم، قال رئيس هيئة القانونيين السوريين، المحامي خالد شهاب الدين، في حديث مع “تلفزيون سوريا”، إن “آخر تغيير بهذا الحجم من التبديلات في القضاة ضمن محكمة الإرهاب كان في العام 2012 عند تأسيسها، بديلاً عن محكمة أمن الدولة، والتغيير الآن بعد تسع سنوات يدل على أن هناك أهداف خطيرة للنظام”.

وأوضح المحامي شهاب الدين أن “أول هذه الأهداف هو تجميل السلطة القضائية في هذه المحكمة والتي من المعروف أنها فاسدة ومرتشية، والإيحاء بأن هناك إصلاح في مؤسسة القضاء، بالإضافة لهدف آخر أكثر خطورة، وهو توريط المزيد من القضاة عبر إدخالهم إلى هذه المحكمة، وجعلهم شركاء في إصدار قراراتها، وهو الذي يحكم قبضته عليها”.

وتشير بيانات “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” إلى أن ما لا يقل عن 10767 معتقلاً لا يزالون يخضعون لمحاكمات في “محكمة قضايا الإرهاب”، كما نظرت المحكمة في قرابة 91 ألف قضية، وأجرت 3970 حالة حجز على أموال وممتلكات معتقلين، منذ آذار من العام 2011.

وبحسب تقديرات الشبكة فإن نحو 1.2 مليون مواطن سوري قد مرَّ بتجربة الاعتقال في سوريا، منذ آذار 2011، وتحوّل خلال هذه الحقبة ما يقدر بـ 99 ألف شخص إلى مختفين قسرياً، نظام الأسد مسؤول عن معظمها.

وذكر تقرير آخر للشبكة أنَّ قرابة 130000 معتقل لا يزالون في سجون نظام الأسد، معظمهم تم اعتقالهم للمشاركة في الحراك الثوري، أو لأنهم أقارب معارضين للنظام، أو نتيجة مواقفهم السياسية.

المصدر: تلفزيون سوريا