تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي، خلال الأيام القليلة الماضية، مقاطع فيديو توثق عبور صهاريج محملة بمواد نفطية كانت في طريقها إلى سوريا عبر الأراضي اللبنانية، في الوقت الذي يشهد فيه لبنان إقفالاً تاماً في إطار الخطة الحكومية للحد من تفشي فيروس كورونا.
ونشرت صحيفة اندبندنت عربية تقريراً قالت فيه إن حركة التهريب نشطت بشكل ملحوظ، وسط شلل شبه تام لحركة العبور على الطرقات والمعابر، مشيرةً إلى أن معلوماتها تؤكد نقل أكثر من 100 صهريج من النفط يومياً إلى سوريا عبر ممرات غير شرعية وغير خاضعة للرقابة الأمنية، وتقدر المعلومات بأن 40 في المئة من استيراد لبنان النفطي يهرب إلى دمشق.
وأضافت الصحيفة أن أكثر من مليوني ليتر من المازوت يهرب يومياً إلى سوريا، من خلال مافيا لبنانية من الموزعين والتجار مع مافيا الحدود والمعابر، وصولاً إلى مافيا على الحدود السورية وداخل سوريا من الموزعين والتجار، مستفيدين من أرباح كبيرة بسبب فارق الأسعار بين البلدين حيث يبلغ سعر صفيحة البنزين الرسمي المدعوم في لبنان حوالى 3 دولارات، أما في سوق سوريا فيصل إلى 15 دولاراً.
وأكّدت أن هذه الكمية الهائلة من عمليات التهريب “العلنية والمستمرة” لما كانت لتمر لولا الغطاء والحماية التي يؤمنها النظام السوري و”حزب الله” من ناحيتي الحدود، على الرغم من النفي المستمر للحزب بأن يكون له أي دور في عمليات التهريب.
القضاء يتجاهل
عضو تكتل “الجمهورية القوية” النائب ”زياد حواط”، نشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي، فيديو قيل إنه يُظهر عملية تهريب من لبنان إلى سوريا، وعلق عليه قائلاً “إنه الالتزام التام بقرارات الحجر”.
وشدد على أن “باستخفاف تام وخارج القانون، يستمر التهريب، فيما الشعب اللبناني يئن من الغلاء الفاحش، مع انخفاض سريع للاحتياطي، وخطة الحكومة لترشيد الدعم غائبة”.
وفي تصريح له، كشف حواط أن القضاء اللبناني تجاهل إخباراً تقدم به منذ أشهر عدة بشأن التهريب إلى مناطق سيطرة النظام، والمعابر غير الشرعية بين لبنان وسوريا، مؤكداً أن إخباره تضمن وثائق ومستندات بشأن عمليات التهريب على اختلافها.
وتابع أن القضاء اللبناني لم يتحرك ولا الأجهزة الأمنية، لا بل توسع موضوع التهريب غير الشرعي ليشمل البنزين والدواء والطحين والقمح وبعض المواد المدعومة. وأضاف أن “البلد مفتوح والحدود يسيطر عليها حزب الله”.
وأشار النائب اللبناني إلى أنه سيتقدم بإخبار ثانٍ إلى القضاء، مشدداً على أن “الوقود يهرّب بكميات كبيرة إلى سوريا”، وقال إن “التفرج هو مشاركة في الجريمة، لن أسكت، وسأتحرك مجدداً باتجاه القضاء”.
الطريق إلى سوريا
في المقابل، نشر رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي اللبناني النائب وليد جنبلاط، عبر حسابه في “تويتر”، مقطع فيديو يُظهر عدداً من الشاحنات على طريق اللبوة وتحمل محروقات مهربة من لبنان إلى سوريا. وقال “طريق اللبوة نحو سوريا 50 شاحنة مازوت في النهار مع مواد غذائية، أين أصبح ترشيد الدعم؟”.
حزب الله يدير التهريب
ومن جهته، يؤكد العميد المتقاعد في الجيش اللبناني جورج نادر، أن “حزب الله يسيطر على القرار السياسي في الدولة اللبنانية ويعطي القرار للأجهزة”، مؤكداً أن أغلب المهربين تابعون أو محسوبون على أصحاب السلطة، مشيراً إلى أنه “من صلاحية الجيش وواجباته ضبط الحدود”، لافتاً أن “هناك معابر شرعية وغير شرعية يتم التهريب من خلالها، والتقصير ناجم عن عدم القدرة اللوجستية والعددية”.
واعتبر أن “معبر القصير الذي يتم عبره معظم التهريب إلى سوريا هو برعاية وحضور حزب الله منذ بدء الحرب السورية”، معتبراً أن تقصير الجيش بالسيطرة على الحدود وعمليات التهريب بسبب غياب القرار السياسي، “الجيش هو قوة مسلحة تأمرها السلطة السياسية، والقرار يتخذه مجلس الوزراء”، مضيفاً بأن “حزب الله” يسيطر على القرار السياسي في لبنان.
انفجار القصر
من جهة ثانية، لفتت معلومات الصحيفة إلى أن الانفجار الذي وقع في الرابع من يناير (كانون الثاني) الحالي عند الحدود السورية قرب قرية “مطربا” في منطقة القصر بمحافظة بعلبك – الهرمل شمال شرقي لبنان، قد ضرب جزءاً من خزانات للغاز والمازوت التي يخزنها مهربون تمهيداً لنقلها إلى الموزعين في سوريا.
وتشير المعلومات إلى أن الحادث كاد أن يتسبب بكارثة كبرى لو وصل إلى خزانات إضافية موجودة بالمكان، لا سيما أن الانفجار أحدث دوياً هائلاً وأدى إلى نشوب ألسنة من اللهب وصل ارتفاعها إلى 10 أمتار.
وتضيف المعلومات أن هذا الانفجار يؤكد أن للمهربين “بنية تحتية” يستخدمونها في نشاطهم المتنامي، وأنهم يمتلكون أيضاً مخازن ضخمة في منطقة القصير السورية حيث يخزنون البضائع المهربة من سلع وطحين ومواد غذائية، وكأن للمهربين “سوقاً حرة” مزدهرة بين جانبي الحدود اللبنانية والسورية.
وتؤكد المعلومات أن عصابات التهريب الناشطة تعمل أيضاً على خط تهريب المخدرات والحشيشة من وإلى سوريا ومنها إلى العديد من الدول العربية، لا سيما عبر معبر نصيب الحدودي مع الأردن حيث أحبطت الشرطة الأردنية العديد من شحنات تهريب الكبتاغون والحشيش إلى داخل البلاد.
وبعد وقوع الانفجار لم يصدر أي بيان رسمي من السلطات اللبنانية يبين تفاصيل الانفجار وأسبابه، حتى أن وسائل الإعلام لم تتوجه إلى المكان، وهو أمر بات معهوداً في المناطق التي تعتبر تحث نفوذ “حزب الله” كما حصل في انفجار بلدة عين قانا الجنوبية في وقت سابق.
التصدي لإجراءات الجيش
وفي وقت تتعاظم حركة التهريب إلى سوريا، يعاني أهالي منطقة البقاع من شح في الحصول على المازوت والطحين، حيث تفيد المعلومات بأن التهريب يستنزف حصة أهالي المنطقة، إلا أن اتحاد بلديات الهرمل المحسوب سياسياً على “حزب الله” حمل مسؤولية انقطاع هذه السلع إلى إجراءات قام بها الجيش اللبناني في منطقة حربتا، حيث منع قافلة من عدة شاحنات محملة بالمازوت والطحين متجهة إلى منطقة الهرمل بسبب معلومات وصلته أن القافلة متجهة إلى الحدود السورية.
ورداً على خطوة الجيش اللبناني، أعلن اتحاد بلديات ومخاتير قضاء الهرمل عن اجتماع طارئ في مبنى الاتحاد، معتبرين في بيان أن “الإجراءات التي تم اتخاذها أخيراً على حاجز الجيش اللبناني في منطقة حربتا والتي تبعد عشرات الكيلومترات عن الحدود السورية، لم تثمر في مكافحة التهريب بل قلصت الكمية التي تصل إلى المواطنين إلى حدودها الدنيا التي تحتاجها المنطقة، وزادت من أسعار المحروقات بشكل كبير”.
وأضاف البيان “إن ما تقدم هو رسالة مفتوحة إلى قيادة الجيش، وإذا لم تعالج هذه المشكلات، فإننا سنترك منازلنا ونسلم مفاتيحها إلى قائد الجيش”.
قنبلة موقوتة
في سياق متصل، يقول مصدر أمني لبناني (غير مفوض بالتصريح)، إن عصابات التهريب تحظى بغطاء حزبي وسياسي كبير ما يحميها من الملاحقات القضائية والأمنية، مشيراً إلى أن هذه العصابات وتداخلها مع بعض العشائر في البقاع باتت وكأنها “قنبلة موقوتة” قابلة للانفجار بأي لحظة نتيجة الاختلافات التي تحصل بين فرقاء التهريب وتقاسم الحصص، مشيراً إلى أن عدداً من جولات الاشتباكات التي تحصل على الحدود اللبنانية ـ السورية، لا سيما في بلدة القصر الحدودية، هي على خلفيات التهريب والمعابر غير الشرعية في المنطقة والتي تسيطر عليها العائلات بحماية حزبية، وفقاً لما نقلته اندبندنت عربية.