بحث
بحث

المدن: ماذا أراد “داعش” من الهجوم على شارع نسرين؟



شنّت مجموعات انغماسية من تنظيم “الدولة الإسلامية”، صباح الأربعاء، هجوماً مُباغتاً، على نقاط سيطرة مليشيات النظام في حي التضامن وشارع نسرين، جنوبي العاصمة دمشق، مستخدمة جرافات وأسلحة خفيفة مزودة بكواتم صوت. وانتهت العملية بالسيطرة على كتلة من الأبنية ومقتل عدد من عناصر النظام. مصادر مقرّبة من “داعش” قالت إن التنظيم خسر عدداً من عناصره، بينهم انغماسي فجّر نفسه أثناء الاقتحام. وأسر التنظيم عنصرين من مليشيات شارع نسرين، وقام بقطع رؤوسهم على الفور، ووضعها في ساحة عامة ضمن مناطق سيطرته.

وبعد أقل من ساعتين على عملية التنظيم الانغماسية، في أكثر شوارع مليشيات النظام تحصيناً جنوبي دمشق، استنفرت مليشيا “الدفاع الوطني”، المسؤولة عن حماية المنطقة، وحشدت قواتها وجلبت مؤازرات من قطاعات قريبة، لاستعادة ما سيطر عليه التنظيم. وبعد قصف صاروخي ومدفعي مكثّف استهدف محاور الاشتباك وحي الحجر الأسود، معقل “داعش”، وسط تمشيط بالرشاشات الثقيلة، استطاع “الدفاع الوطني” التقدم واستعاد كافة النقاط التي خسرها قبل ساعات. ولم تكتفِ المليشيات باستعادة المنطقة التي سيطر عليها النظام، بل صعّدت قصفها الصاروخي وبقذائف الهاون على مناطق سيطرة التنظيم حتى ساعات متأخرة ليل الأربعاء/الخميس.

ويسيطر التنظيم على مخيم اليرموك والعسالي والحجر الأسود، وجزء كبير من التضامن، وله نقاط تماس مع النظام ومع فصائل المعارضة من جهة يلدا وحي القدم، ويغذي مناطق سيطرته معبرين أساسيين مع المعارضة، في بلدة يلدا ومع حي القدم.

هجوم التنظيم المُباغت تسبب بموجة نزوح لموالي النظام من شارع نسرين، الذي يُعتبر معقلاً لـ”الشبيحة”، وهو منعزل تماماً عن مناطق النظام في دمشق. وتسيطر على شارع نسرين مليشيا “الدفاع الوطني”، المكونة من أبناء الحي ذي الغالبية العلوية، بعدما تم إخراج مليشيا “الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين/القيادة العامة” إلى أطراف المنطقة في العام 2013.

وسارعت وسائل إعلام “الدفاع الوطني” و”الإعلام البديل”، لاحتواء الوضع والتأكيد على أن الأمور تحت السيطرة، وأن “الدفاع الوطني” استطاع احتواء الهجوم. وحضر كبار قادة “الدفاع الوطني”، وأبرزهم مؤسس المليشيا في دمشق فادي صقر، إلى نقاط الاشتباك، وعمل على طمأنة الأهالي وتوجيه طلبات لهم بعدم ترك منازلهم. وضيّقت حواجز قوات النظام المحيطة بالمنطقة حركة المدنيين الراغبين بالخروج، ومنعتهم من النزوح، بحجة أن المنطقة تحت سيطرة “الجيش السوري” وقواته الرديفة، ولا داعي للخوف.

مصادر “المدن” قالت إن مليشيا “الدفاع الوطني” استنفرت عناصرها في مراكز القطاع الجنوبي للمدينة، وقامت بنقل أعداد كبيرة إلى محيط التضامن ومخيم اليرموك تخوفاً من خرق جديد.

قوات النظام لم تتدخل فعلياً في معركة استعادة النقاط التي تقدم إليها “داعش”، رغم خطورة الوضع في المنطقة القريبة نسبياً من عمق دمشق. ولم تتحرك “الفرقة الرابعة” ولا “الحرس الجمهوري”، المسؤولتين عن حماية دمشق، على هذا المحور، ولم يتم تحريك الطيران الحربي أو الدبابات والمدرعات، وتُرك مصير المنطقة لمليشيا “الدفاع الوطني”، وبعض المجموعات التابعة لمليشيات فلسطينية موالية للنظام في المنطقة.

مصادر خاصة مقربة من قيادة عمليات النظام العسكرية في دمشق وريفها، قالت لـ”المدن”، إن “القيادة اتخذت قراراً بعدم التدخل في الهجوم، وترك مصير المنطقة للدفاع الوطني في شارع نسرين، بعدما حوّل المنطقة إلى دويلة مستقلة عن دمشق، يُمنع دخول الفروع الأمنية والقوات الرديفة إليها”. وأكدت المصادر أن تواجد مجموعات من قوات النظام، كان في محيط المنطقة، كنقاط دفاعية خلفية، في حال فشل “الدفاع الوطني” في استعادة المنطقة التي سيطر عليها التنظيم. وتلك الخطوة جاءت بحسب المصدر، كنوع من العقوبة لـ”الدفاع الوطني” الذي يتمركز على ذلك المحور، واهماله له، وعدم توفيره لقوات لازمة لحماية المنطقة، بعد هدوء مسمتر منذ أكثر من عامين على جبهات التنظيم مع النظام، واقتصار الهجوم على بعض عمليات القنص بين الطرفين.

الهجوم الذي شنّه التنظيم على ذلك المحور، بعد أكثر من سنتين من الهدوء، يأتي أيضاً بالتزامن مع تخبط كبير في صفوفه ضمن مناطق سيطرته جنوبي دمشق، وخروج مستمر لقيادات وأمنيين وشرعيين باتجاه مناطق مختلفة، ابرزها حوض اليرموك في ريف محافظة درعا، عبر تنسيق كامل مع مخابرات النظام، وكذلك عبر “معبر بردى” القريب من منطقة السبينة والفاصل بين مناطق سيطرة النظام والتنظيم. هذا فضلاً عن الانشقاقات والخلافات الحاصلة في صفوف التنظيم بعد عودة الحديث عن اقتراب إخلاءه للمنطقة، وسط اعتراض مجموعات منه على الخروج من المخيم والأحياء الأخرى وتسليمها للنظام أو فصائل المعارضة. التنظيم كان قد أعلن قبل يومين عن حظر للتجول ضمن مناطق سيطرته يبدأ من العاشرة مساءً حتى الصباح، مع رفع متاريس ترابية جديدة، باتجاه “معبر بردى” الذي يخرج منه العناصر والقيادات باتجاه المحافظات الأخرى، خوفاً من خروج جديد يُشكل خللاً في هيكلية التنظيم جنوبي دمشق.

العملية الانغماسية وتوقيتها، وغياب هدف واضح لها، عززت من مجموعة من الفرضيات المختلفة لتفسيرها. ورجّحت مصادر أهلية داخل مناطق سيطرة التنظيم في حديث مع “المدن” أن مجموعات من التنظيم أرادت ردّ الاعتبار للتنظيم بعد إعلان هزيمة “الخلافة” في أكبر معاقلها شرقي سوريا، فضلاً عن خروج قيادات من التنظيم من المنطقة، وسط انقطاع للدعم المالي منذ أكثر من خمسة شهور.

ملف الجنوب الدمشقي، بما يحتويه من معارضة و”داعش” و”هيئة تحرير الشام”، يُعتبر من أعقد الملفات لدى النظام، نظراً لكثرة الجهات العاملة فيه، واختلاف المصالح والتوجهات المستقبلية بالنسبة للمنطقة ومصير المدنيين خاصة الفلسطينين. وعلاقة التنظيم المفضوحة مع بعض أجهزة النظام الأمنية، قد تكون سبباً لتحرك التنظيم وضرب شارع نسرين تحديداً. فقد يكون الصراع بين أجهزة النظام المختلفة، هو وراء تحريك التنظيم في قطاع “الدفاع الوطني”، في شارع نسرين. ردة فعل قوات النظام الحيادية، قد تشير إلى رغبة في كسر شوكة “الدفاع الوطني” على هذا المحور، وهو ما لم يتحقق. وسبق لأجهزة النظام المتصارعة، أن سّهلت هجمات سابقة للتنظيم، كما حصل في استهداف قيادة الشرطة وقسم شرطة حي الميدان وسط العاصمة دمشق، بعمليات انغماسية من عناصر جاؤوا من مناطق سيطرته في الجنوب الدمشقي.

المصدر: جريدة المدن الالكترونية 

اترك تعليقاً