“أمي رح تموت.. بس شوية هوا”، عبارة كتبها أحد قاطني العاصمة دمشق، طالباً المساعدة بأسطوانة أوكسجين لوالدته التي أُصيبت بفيروس كورونا، وعجز عن العثور على مشفى يقبل استقبالها وتقديم الرعاية الطبية لها.
مئات الطلبات يومياً، منها من الأصدقاء والمعارف، ومنها من معامل التعبئة، والقسم الأكبر منها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، يتقدم بها قاطني العاصمة دمشق وريفها للحصول على أسطوانات أوكسجين وأجهزة التنفس المنزلية، لرعاية أفراد عائلاتهم المصابين بالفيروس، لا سيما بعد امتناع المشافي الحكومية عن استقبال هذه الحالات، والتوجيه بحجرهم ورعايتهم منزلياً.
ما أن بدأت أعداد المصابين بفيروس كورونا بالانفجار، حتى فُقدت أسطوانات الأوكسجين وأجهزة التنفس الصناعي من الأسواق والمراكز الطبية والصيدليات، وباتت السلعة الأفضل للاحتكار، والأكثر مردوداً للأموال كونها باتت كسابقتها من المواد الأساسية التي يزداد الطلب عليها بين الحين والآخر، وتمسي مسألة الحصول عليها مرتبطة بتجار الحروب في سوريا.
إلى جانب جشع التجار، كان لغياب السلطات التموينية وإهمالها مهمة ضبط الاحتكار والأسعار الدور الأبرز في تفاقم أزمة الأوكسجين في سوريا، فضلاً عن مسؤولية بعض الأهالي الذين سارعوا لدفع مبالغ باهظة للحصول على أسطوانات الأوكسجين، بهدف تخزينها في منازلهم لحين الحاجة لاستعمالها.
أسعار أسطوانات الأوكسجين ارتفعت بشكل مفاجئ قبل أشهر، مع بداية ارتفاع الطلب عليها، لتبلغ 250 ألف ليرة سورية، لكنها ما أن بدأت تُفقد من الأسواق، حتى ارتفعت لتتجاوز الـ 750 ألف ليرة سورية للأسطوانة الواحدة.
مجموعة من الشبان من مختلف المناطق، قرّروا الاعتماد على أنفسهم والآخرين في تأمين ما يلزم من مواد صحية وطبية لمواجهة انتشار الفيروس، بعد ما شهده الأهالي من تقصير وعجز في المنشآت الطبية الحكومية، التي تمثلت بإهمال مئات المصابين، وتفضيل بعضهم على بعض في معظم الأحيان.
أطلقت مجموعة الشبان مبادرة مجتمعية حملت اسم “عقمّها”، هدفت إلى نشر ثقافة النظافة العامة والشخصية والوقاية وتوفير لوازم التصدي لانتشار فيروس كورونا، وسرعان ما انتشرت في مواقع التواصل الاجتماعي، ليزيد أعضاء مجموعتها عبر موقع فيسبوك عن الـ 250 ألف متابعاً، تشاركوا فيما بينهم الأدوات الطبية المتوفرة لدى كل منهم، والخدمات الشخصية التي يستطيع كل شخص تقديمها للآخرين، وباتت مقصد الكثير في تأمين مستلزماتهم.
استطاعت المبادرة تأمين أسطوانات الأوكسجين لما يُقارب الألف شخص، إضافة لاستفادة قرابة الـ 4 آلاف شخص من الاستشارات الطبية والمعاينة والأوكسجين منذ تأسيسها، إضافة لتقديم المستلزمات الأساسية للأسطوانات، من ساعة وشوكة أنفية وقناع وجهي، فضلاً عن توضيح كيفية تعبئة الأسطوانات وصيانتها وسلامتها.
وقال مؤسس مبادرة عقمّها “الطبيب قاسم عواد” إن المبادرة تضم 166 ألف متطوعاً، بينهم من يقدم الاستشارات الهاتفية بشكل مجاني، وآخرون يقدمون المعاينات المنزلية بمبالغ رمزية لمن يستطيع الدفع، فيما تبقى المعاينات مجانية للعاجزين عن دفع المبلغ المقرر، مضيفاً أن المبادرة تضم فريقاً طبياً يعمل على مدار الساعة، وفقاً لما نقلته وكالة أنباء آسيا اللبنانية.
وأشار عواد إلى أن المبادرة تخدّم قرابة الـ 40% من الاحتياج الصحي في دمشق وريفها، مبيناً أن الهدف الرئيسي منها هو تخفيف أعداد المراجعين للمشافي، وتقديم الاستشارات الهاتفية لبقية المحافظات السورية.
وبيّن عواد أن المبادرة تعتمد في تقديم خدماتها على أموال المتبرعين والمجتمع المحلي والفعاليات التجارية، موضحاً أنها تعمل تحت رعاية جمعية الصم والبكم التي احتضنتها منذ انطلاقتها في آذار الفائت.
وأكّد مؤسس المبادرة أن “عقمّها” لا تتبع لأي جمعية أو مؤسسة أو شركة، مشيراً إلى أنها تعمل بموجب موافقات خطية وشفهية صادرة عن وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل ومديرياتها الفرعية في كل مدينة.
وأطلقت المبادرة إلى جانب عملها الطبي، العديد من الأنشطة المجتمعية التي تمثلت بحملات التعقيم في مختلف مناطق دمشق وريفها، آخرها في حي الزهور ومدينة جرمانا، إضافة لنشر وسائل النظافة الشخصية ومواد التعقيم في الأماكن العامة.
فريق الحرير