بحث
بحث

بعد 3 سنوات من فك الحصار.. ما زالت مضايا مُعاقبة

لم يحمل فك الحصارالعسكري الذي فرضه النظام السوري وحزب الله على مضايا بين تشرين الثاني/نوفمبر 2011 و 14 نيسان/أبريل 2017،”المّن والسلوى”، إنما المزيد من المآسي، بعدما فقدت  كل المقومات التي كانت تشتهر بها قبل الثورة، من سياحة وزراعة وتجارة كانت تدر أموالاً طائلة على أبناءها، لتقع في قبضة أمنية ومخابراتية محكمة.

عندما فك الحصار الأمني تنفس الاهالي الصعداء. ظنوا أنهم سيستعيدون أجسادهم الهزيلة بفعل الجوع ، لينطلقوا مجدداً في بناء حياتهم. غير أن ذلك لم ير النور إلا في ما ندر وفق ما قال عدد من أبنائها المقيم والمبعد قسراً عنها.

المدينة التي كانت تعتبر من أبرز مدن الزبداني، ومشهورة بإكتفائها الذاتي، لكونها تقوم على السياحة والتجارة والزراعة، أيقن أهلها بعد الحصار أنها مدينة شبه محروقة ومقاصصة لأن شبابها خرجوا بعد درعا مباشرة، وتحديداً في 18 آذار/مارس 2011، للمطالبة بالحرية وإسقاط النظام، ما دفع  بالنظام وحزب الله إلى فرض حصار قاسٍ عليها من كانون الأول / ديسمبر 2011 حتى 14 نيسان/ ابريل 2017، تاريخ إخراج المعارضين والناشطين السياسيين منها، وفق مقتضيات إتفاق المدن الأربع ” كفريا – الفوعة- مضايا- الزبداني”، بينما إلتحق من بقي فيها، بالخدمة الإجبارية في الجيش ويقاتل في صفوفه.

مضايا اليوم، بلسان عدد من سكانها، تبدو وكأنها لا تزال تحت الحصار لأن الحياة الطبيعية لم تدب في شرايينها، فالأزمة المالية والإقتصادية في سوريا أرخت بظلها ، وأغرقتها بالركود، ويعيش أهلها جوعاً مقنعاً، لانعدام فرص العمل، فيما قلة تنعم ببعض من الرخاء بفعل مساعدة تتلقاها من  أبنائها المهاجرين، لا تتعدى حفنة من دولارات تصرف بحذر كي لا يساق حاملها للتحقيق.

يقارب الأهالي وبحذر كبير التحدث عن الوضع الراهن في مضايا، خوفاً من التعرض لملاحقات من النظام. ومن تجرأ على الحديث ل”المدن” وتمنى عدم ذكر إسمه، أكد أن مضايا “لم تستعد عافيتها الإقتصادية والمالية، لأن المواطنين الذين كانوا ينعمون بالبحبوحة المالية أفلسهم النظام وحزب الله ، بالضرائب التي فرضوها عليهم لقاء حصولهم على المواد الغذائية”.

الجوع الكافر الذي طاردهم خلال الحصار، مستمر بأوجه عديدة ولكن بوتيرة أخف تقول مواطنة تواصلت معها ” المدن”. وتوضح “يتجاوز سعر كيلو السكر ال2500 ليرة سورية، أي ما يوازي 2 دولار أميركي، عدا عن الأسعار النارية  للمواد الغذائية الأساسية الأخرى والخضار والفاكهة التي بتنا نبتاعها بعدما كنا نزرعها في سهل مضايا”.

لكن اليوم، تقول: “لا زراعة في السهل، لأن النظام وحزب الله  إقتلعا الشجر وأحرقا السهل وحولوه لموقع عسكري قائم لليوم، ومحرم علينا إستصلاحه، وما تبقى من أراضٍ زراعية، زرعها الحزب بألغام لم تنزع لليوم، ما يدفعنا لشراء ما نحتاجه بأسعار خيالية تفوق قدرتنا الشرائية”.

وإذ تؤكد أن المياه متوفرة “إلى حد كبير لأن مضايا مشهورة بالينابيع، فإن الكهرباء تؤمن ساعتين في اليوم. أما الطبابة فيوفرها مستوصف واحد لا يعالج كل الحالات المرضية، لوجود نقص بالأطباء والممرضين والمعدات الطبية”.

أما سوق مضايا التجاري الذي شكل قبل الأحداث وجهة تسوق أساسية لإهالي دمشق وحمص وحلب، لتوفر سلع إستهلاكية وكماليات مهربة من لبنان، فتح أبوابه لزبائن لا يملكون القدرة الشرائية، فيما أهالي دمشق وحمص وحلب باتوا يقصدون سوق الديماس.

ويجمع عدد من الأهالي على أن افتتاح سوق الديماس هو” بمثابة إلإقتصاص من مضايا”، لأن النظام، خلال فترة الحصار وبدعم من حزب الله والفرقة الرابعة “استنسخ تجربة السوق المهربة في منطقة الديماس، ودعم المهربين”.

ويقول مواطن ل”المدن”: “استبشرنا ببعض الإنفراج بعد فك الحصار وتأملنا بعودة الحياة، إلا أننا نشعر وكأننا لازلنا محاصرين لإن أدنى الخدمات مفقودة”. ويضيف بحزن: “بعدما كانت نسبة الفقر لا تتجاوز ال3 في المئة، لأن غالبية الأهالي من المالكين، ويعملون بالزراعة والمقاولات والتجارة، دخل الفقر مجمل البيوت”.

ويتابع: “كانت مضايا مقصداً سياحياً للسوريين من كل المناطق، وللخليجيين الذين تملكوا قصوراً وفيللاً في مضايا الجديدة المعروفة ب”فيلات الكروم”، لدرجة بلغت نسبة المالكين فيها من الخليجين 20 في المئة. وشكل السوق العقاري مصدر رزق للكثيرين، لاسيما وأن أسعار العقارات في مضايا الجديدة  كانت تراوح بين 200 و300 الف دولار ثمن بيت، ومليوني دولار ثمن فيلا، فيما اليوم تحولت لمدينة أشباح، ولا مردود مالياً فيها. كل ذلك تبخر اليوم”.

كل شيء في مضايا تغير. عقارب الساعة لم تعد إلى الوراء لتعيد زمنها الجميل والبحبوحة التي كان ينعم بها أهلها، يقول أحد المبعدين عنها ل”المدن”. ويضيف: “سرق النظام ثورتنا، وحاصرنا حزب الله ونكل بنا وبأرضنا بعدما احتضنا في بيوتنا عائلاتهم الهاربة من حرب إسرائيل على لبنان في تموز 2006، ولنفاجأ بمن تقاسم مع أولادنا لقمة العيش يقصفون بيوتنا بتباه، ويرمون لأطفالنا المخدرات، ويحرموننا من الطبابة والطعام، لدرجة أننا أكلنا العشب وورق الشجر، ونحرنا القطط لأكل لحمها بعدما نفذت كل أنواع المواد الغذائية. حولونا لإجساد تتهاوى على الطرقات بسبب سؤ التغذية، ونعاني لليوم  من عوارضها كالنقص في الكالسيوم”.

خلاص مضايا اليوم، وفق ما يقول المعارض المبعد إلى تركيا ابو سليمان: “بعودتنا  للنهوض بها”.

فهل يعودون؟ يجيب احد الناشطين  المبعدين: “لا أحد سأل عنا بعدما خسرنا شبابنا ودراستنا، وتشتتنا في العالم.. لا أحد يقول: وينن، شو أخبارن؟”.

المصدر: صحيفة المدن