من يتجول في أحياء دمشق الراقية هذه الأيام لا يكاد يصدق أنها تقع في عاصمة بلد دمرته الحرب، فعوضا عن مظاهر الثراء الفاحش الناتج عما بات يعرف بـ”اقتصاد الحرب” ازدهرت مؤخرا مهن جديدة، منها مهنة الحارس الشخصي.
لا يمكن لمن يتجول في أحياء دمشق الراقية اليوم أن يصدق أنها عاصمة بلد يعيش حربا طاحنة منذ سنوات دمرت معظم مدنه وقتلت وأصابت وهجرت الملايين من سكانه.
مراكز تسوق، سيارات فخمة، محال تبيع أحدث الملابس والأحذية والعطورات وأدوات الزينة والتجميل حتى ليخال للزائر أنه في وسط تجاري لمدينة أخرى.
ومع انتشار مظاهر الغنى الفاحش في عدد من أحياء دمشق -أبرزها المالكي وأبو رمانة والمزة وكفرسوسة- تبرز ظاهرة “الحارس الشخصي” لتصبح واحدة من مهن عديدة أفرزتها الحرب الدائرة في البلاد.
وبات معظم الأغنياء الجدد ورجال الأعمال بحاجة لحراس شخصيين، إما بهدف استعراض الغنى والقوة والسطوة، أو بهدف الحماية داخل مدينة تغيب فيها سلطة القانون، وتحضر قوة السلاح والمليشيات المتنوعة المنتشرة في أرجائها.
ويتم توظيف هؤلاء الحراس إما بشكل فردي، أو عن طريق شركات حراسة يتم ترخيصها لتبدأ مزاولة عملها في مجال “الحماية والحراسة والأنظمة الأمنية”.
وقد صدر مرسوم رئاسي عام 2013 يسمح بترخيص شركات الحماية والحراسة الخاصة، ومنذ ذلك الحين تأسست عدة شركات حراسة وحماية في دمشق كان آخرها شركة “ألفا” التي أعلن موقع الاقتصادي السوري منذ أيام عن تأسيسها برأسمال خمسين مليون ليرة سورية، وبهدف تقديم خدمات الحراسة للمنشآت والممتلكات والوثائق والأفراد، ونقل الأموال والمجوهرات والمعادن الثمينة، حسب الطلب.
اقتصاد الحرب
ولا ترى الناشطة مرح الدمشقية في انتشار مهنة الحراسة الشخصية أمرا غريبا قياسا لأجواء باتت منتشرة في العاصمة السورية، وهي أجواء “لا تعكس واقع معظم سكان المدينة، لكنها تعبر عن طبقة اجتماعية جديدة أفرزها اقتصاد الحرب وتعتاش عليه يوما بعد آخر”.
ووفق حديث الناشطة الإعلامية للجزيرة نت، تتألف هذه الطبقة بمعظمها من رجال أعمال جدد، وعناصر أمنيين ومتطوعين في المليشيات المقاتلة إلى جانب النظام السوري، إضافة لمسؤولين عن حواجز النظام المنتشرة في أنحاء المدينة.
ويجني هؤلاء أرباحهم من إتاوات وسرقات وأنواع تجارة غير مشروعة، إلى جانب ما بات يعرف بـ”التعفيش”، وهو مصطلح محلي يقصد به سرقة أثاث وممتلكات المناطق التي يستعيد النظام السوري السيطرة عليها بهدف البيع أو الاستهلاك.
ونتيجة الثروات الطائلة التي تمكنت هذه الطبقة من جنيها خلال السنوات الأخيرة بدأت تتباهى بممتلكاتها من سيارات ومنازل وفلل، إضافة إلى توظيفها الحراس الشخصيين الذين تتنوع مهامهم من الحماية إلى مرافقة أفراد العائلة أثناء التسوق أو السهر أو حتى الذهاب للجامعات والمدارس.
وتضيف الدمشقية في حديثها أسبابا أخرى تتمثل في تدهور الوضع الأمني بدمشق وانتشار حالات الخطف والسرقة، “مما يجعل توظيف الحراس الشخصيين من أولويات الحماية وليس فقط المظهر الاجتماعي”.
وظيفة مغرية
ويروي أمجد -وهو اسم مستعار- للجزيرة نت حكايته مع أحد رجال الأعمال الذي رآه وهو يعمل في مركز للتسوق بحي كفرسوسة غرب العاصمة فما كان منه إلا أن توجه إليه بسؤال مباشر عن المبلغ الذي يتقاضاه شهريا ليعرض عليه “وظيفة مغرية”.
وقال أمجد “طلب مني أن أتوظف كحارس شخصي لدى ابنته بهدف مرافقتها إلى الجامعة وأماكن أخرى بسيارته الفاخرة، وعرض علي راتبا شهريا يبلغ 75 ألف ليرة (135 دولارا تقريبا)، كما أخبرني أن بإمكاني الاحتفاظ بالسيارة ليلا بعد الانتهاء من مرافقة الفتاة”.
ويعتقد الشاب العشريني الذي يدرس الحقوق في جامعة دمشق أن بنيته القوية هي ما لفتت نظر رجل الأعمال إليه، ودفعته “لتصيده” من بين عشرات الشبان، الأمر الذي يراه “حظا وفيرا، فهي مهنة سهلة وتدر ربحا لا يمكن تحصيله في دمشق”.