بحث
بحث

“الزواج الثاني” تعميم على خطب الجمعة في دمشق

عنب بلدي – 
“الزواج الثاني هو أحد الحلول المقترحة للقضاء على ظاهرة العنوسة”، واحدٌ من أكثر التصريحات التي شاع تداولها بين السوريين مع بداية العام الجديد، والذي ألحّ القاضي الشرعي الأول بدمشق، محمود معراوي، على ضرورة العمل به بعد تزايد أعداد الإناث في المجتمع السوري على حساب الذكور.
ويبدو أن الحكومة في دمشق تنوي تطبيق التصريح، الذي تناوله السوريون بسخرية، وأخذه على محمل الجد ضمن منهجية واضحة، على خلاف غيره من التصريحات والوعود العابرة لمسؤولين في حكومةٍ أطلق عليها اسم “حكومة التصريحات”.

 شيوخ يوحّدون الخطبة ويعرضون“أرامل” للزواج
حوّل السوريون تصريح القاضي الشرعي الأول إلى مادة طريفة بغرض التسلية دون التعمّق في خفاياه، إذ تشهد العاصمة دمشق حملة ممنهجة من قبل الشيوخ للتأثير على الرجال “المقتدرين” وإقناعهم بالزواج من امرأة ثانية.
عنب بلدي تحدثت إلى “أبو محمد” (62 عامًا)، وهو من سكان حي البرامكة في دمشق، وقال إن جوامع دمشق وحّدت خطبة صلاة الجمعة، بتاريخ 17 شباط، للحديث عن موضوع الزواج الثاني.
وقال “حثّنا الشيخ خلال الخطبة على الزواج بامرأة ثانية، في حال كنا قادرين ماديًا، معللًا ذلك بتزايد نسبة العانسات في المجتمع”.
وبحسب “أبو محمد”، يركز الشيوخ على ضرورة الزواج بالأرامل وزوجات “الشهداء”، لكسب ثوابٍ من جهة، والقضاء على العنوسة من جهةٍ أخرى.
محمد خير، الذي يسكن حي الفحامة، أكّد أيضًا توجه الشيوخ في الدروس “الدينية” المُقامة في الجوامع، نحو حثّ الرجال على الزواج مرة ثانية.
وأضاف محمد خير أن بعض الشيوخ يلمّحون للحاضرين عن وجود نساء “أرامل” أبدين رغبتهن بالزواج. وروى قصة حدثت في جامع “تيروزي” في الفحامة، عندما عرض أحد الشيوخ امرأة قال إنها “زوجة شهيد ولا معيل لها”.
ووافق أحد الحاضرين على الزواج دون أن يرى المرأة، وكتب الشيخ كتابهما على الفور، بحسب ما ذكر محمد خير.
وتوقع مواطنون أنّ تعميمًا صدر عن وزارة الأوقاف والشؤون الدينية في سوريا، على جوامع دمشق لتوعية الرجال بـ “خطر تزايد أعداد النساء، وأثره في اختلال توازن المجتمع”.
لكن الأوقاف لم تعلن عن ذلك رسميًا، كما أنها لا تعمّم الخطبة إلكترونيًا، بل تسلّمها للشيوخ مباشرة.


الشرع يقرّ الزواج الثاني لمحاربة “الفساد“
استند معظم الشيوخ والقضاة الشرعيين أثناء إقرارهم بضرورة الزواج الثاني، على فكرة انتشار”الانحلال الأخلاقي” بين النساء في المجتمع السوري.
فمع التدهور الاجتماعي الذي خلفته الحرب، ونزوح كثيرين وفقدان بعض النساء للمعيل الوحيد لهن ولأطفالهن بالتزامن مع غلاء المعيشة، اتجهت بعضهن نحو سلوكٍ “لا أخلاقي” ، بحسب ما أكد مواطنون لعنب بلدي.
ويعتبر الشيوخ في حديثهم أن الزواج الثاني يصبح “حاجة ملحّة” بهذه الحالة، لحماية نساء “مجبرات” على الانحراف عن الدين والعادات.
الشيخ بلال عبده، المنحدر من دمشق ويقطن في تركيا، أكد أن الشرع يحلّل الأمر، ولم يوجب للرجل الزواج بأربع نساء، بحسب الحاجة وضمن شروط، من بينها الكفاءة المادية.
وأشار، في حديثٍ إلى عنب بلدي، إلى أن الزواج الثاني يأخذ نفس أحكام الزواج الأول، إذ يتطلب أن يكون الزوج قادرًا جسديًا (صحيًا) وماديًا.
ونصح الشيخ الرجال الراغبين المقتدرين ماديًا، بالزواج من المرأة “ذات العيال” وذات الحاجة المادية، وليس من الفتيات الصغيرات، لإنقاذ المجتمع من العنوسة.
وانتقد الشيخ الإعلام الذي يروّج أن الزواج الثاني هو “حياة نكد ودمار للعائلة والأولاد”، ما دفع النساء السوريات إلى عدم تقبله بأي شكل من الأشكال.
وعن “الفساد”، قال عبده إنه لم يتأكد من انتشاره في المجتمع، ولكن في حال ثبت ذلك، فإن الزواج الثاني “يرتقي بالوجوب” بشكل أكبر، وعلى المقتدر ماديًا أن يبدأ بنفسه.
وكانت عنب بلدي سلّطت الضوء في تقارير سابقة، على انتشار بيوت “دعارة” وعلاقات غير شرعية، في أحياء دمشق، وسط اتهاماتٍ من المواطنين لـ “شبيحة” موالين للنظام السوري بالترويج لها، حتى صارت أمرًا واقعًا.


تسهيلات قانونية للزواج بثانية
بقناعة القاضي الشرعي الأول، محمود معراوي، فإن هذا القرار لن يعجب كثيرًا من النساء بل “جميعهن”، إلا أنه اعتبره “الحل الأكثر واقعية ومنطقية”، حيال مشكلة “عالقة” كهذه.
وأشار إلى أن القضاء السوري بدأ يتساهل مع مسألة الزواج من ثانية، وقال “في السابق كان الزواج الثاني يتطلب من القاضي التأكد من ملاءة (قدرة) الزوج اقتصاديًا، والتأكد من إمكانية تحمل أعباء مصروف أسرتين”.
وتابع، في حديثٍ لصحيفة “تشرين” الحكومية، ”لم نعد ندقق على شروط زواج الرجل من امرأة أخرى، وهذه الشروط بدأت تطبق عند الزواج من ثالثة، وهي حالات قليلة”.
عنب بلدي تحدثت إلى محامية في دمشق، فضّلت عدم ذكر اسمها، وأكدت أن القانون السوري يمنع زواج الرجل على زوجته، في حال لم يكن مقتدرًا ماليًا.
إذ تنص المادة رقم “17” من قانون الأحوال الشخصية السوري على أنه “يحق للقاضي ألا يأذن للمتزوج أن يتزوج على امرأته إلا إذا كان لديه مسوّغ شرعي، وكان الزوج قادرًا على نفقتهما”.
إلا أن المحامية أكدت أن هذا القانون لم يُطبّق يومًا، حتى قبل عام 2011 وقبل انتشار ظاهرة العنوسة، إذ غالبًا يوافق القضاة على الزواج الثاني دون التحقق من “ملاءة” الزوج وقدرته المالية.


قرار الزواج بالعانسات قد يؤدي إلى “طلاق أخريات“
أجرت عنب بلدي استطلاعًا للرأي شمل ثلاثين امرأة متزوجة في دمشق، أجمعت معظمهن على الرفض “القاطع” لزواج رجالهن من امرأة أخرى، حتى وإن فرض القانون ذلك.
وقالت السيدة وفاء معصراني (40 عامًا)، متزوجة ولديها ثلاثة أولاد، إن ضرر هذا القرار أكبر من نفعه، لرفض المتزوجات دخول “ضرّة” (زوجة ثانية) على حياتها.
وأضافت أن “ظاهر القرار هو القضاء على عنوسة البنات في المجتمع، إلا أنه بالمقابل سيؤدي ذلك إلى طلاق أخريات، وبالتالي ستُخرب بيوت كثيرة”.
وهذا ما أكدته كثيرات، قلن إنهن لن يبقين على ذمة أزواجهن في حال تزوجوا بأخريات.
إلا أن السيدة “أم صلاح” (50 عامًا) كانت أكثر تقبّلًا من غيرها، عندما نوهت إلى انتشار ما سمّته “الفساد” بين النساء في المجتمع، وسلوكهنّ طريقًا “لا أخلاقي”، بسبب حاجتهن للمال وعدم وجود أي معيل لهن.
وقالت أم صلاح إن “قرار الزواج بثانية قد يقي بيئتنا المحافظة من تفشي الفساد بين النساء بنسبة كبيرة، إلا أنه يصعب على الزوجات، وأنا أولهن، تقبله بسهولة”.
وتشهد العاصمة دمشق ومحافظات سورية أخرى، ظاهرة تأخر الزواج بين الفتيات، وسط تزايد أعدادهن في السنوات الخمس الأخيرة، بنسبة تجاوزت 65% من مجمل فئات المجتمع السوري، بحسب إحصائيات رسمية.
ويعتبر البعض أن السبب الرئيسي هو قلة أعداد الشباب بين مفقود ومعتقل ومهاجر، بينما يلتحق آخرون بالخدمة العسكرية بشكل “إجباري” منذ سنوات، مطالبين الحكومة بالإفراج عن الشباب كحلّ بديل عن الزواج الثاني.
فضلًا عن صعوبة تحمل الشباب لمصاريف الزواج وسط الغلاء “الفاحش” الذي تشهده الأسواق السورية وارتفاع سعر الذهب.