جعلت الحكومة السورية من الموافقات الأمنية وسيلة ممنهجة وموجهة لخدمة أهدافها الخاصة ضمن النزاع وهو ما يخالف مبدأ “سيادة القانون” ويُعتبر تفريطاً تاماً بمبدأ “الفصل بين السلطات”، وفق منظمة “سوريون من أجل العدالة“.
وقالت المنظمة إنّ الحكومة السورية كرّست أجهزتها الأمنية ووظّفتها في العديد من “القضايا المختلفة” التي أشار إليها “بشار الأسد” في إحدى خطاباته دون أن يسمِّها، بل أصبحت هذه الآلية منذ العام 2011 أداةً يستخدمها النظام في إعادة تشكيل الخريطة السورية، وذلك عبر اشتراط “الموافقات الأمنية” في شتى المعاملات الخاصة بالعقارات والممتلكات، والنشاطات التجارية والصناعية والخدمية، ومختلف معاملات الأحوال الشخصية كتسجيل الولادات والوفيات، وصولاً إلى استضافة فنان في حفل موسيقي.
وبصورة أكثر تحديداً، كشفت الوثائق والشهادات التي توفرت للمنظمة أن الحكومة السورية بقيادة أجهزتها الأمنية كانت طوال السنوات السابقة تحدث قائمتها بالحالات التي تعتبر “الموافقة الأمنية” شرطاً لإتمام معاملات المواطنين.
وتداول السوريون عبر مواقع التواصل الاجتماعي في شهر آب من العام 2015 صورة تعميم صادر عن المدير العام للمصالح العقارية “عبد الكريم إدريس”، تضمن ذكراً لقائمة سماها “قائمة الحالات التي تحتاج إلى موافقة أمنية مسبقة” وكان غرض التعميم المذكور إضافة حالة جديدة إلى هذه القائمة، هي: “حالة بيع العقارات أو الفراغ لمنازل ومحلات وأراضي.
وتتالت التعديلات خلال الفترة بين 2015 و2022 على القائمة المذكورة، بين إضافة حالاتٍ إليها أو حذف حالاتٍ منها، ورغم قلة القرارات والتعميمات المتعلقة بها والتي تم تسريبها خلال هذه الأعوام، إلا أن جميع المؤشرات التي توفرها الأدلة والقرائن تفيد بأن هذه القائمة اتسعت وتمددت حتى باتت تتضمن معظم المعاملات في سوريا.
وأوضحت أنّ “الموافقة الأمنية” أو “الدراسة الأمنية” أو “خلاصة السجل العدلي” مصطلحات تشير إلى نوع خاص من الموافقات منوطة بالأجهزة الأمنية في سوريا، وتُفرض عند قيام المواطنين بإتمام معاملات معينة لدى الدوائر الحكومية المدنية، وتتضمن قيام فرع أمني (أو عدّة فروع) بالتقصي عن صاحب المعاملة، حيث تعطى الموافقة أو لا تعطى، بناءً على سجل صاحب المعاملة لدى هذه الأجهزة الأمنية.
وأشارت إلى أنّ العمل بهذه الموافقات في سوريا بدأ بشكل أساسي بعد تولي حزب البعث السلطة عام 1963، لكن نطاق استخدامها من قبل الحكومات السورية المتعاقبة اتسع بشكل كبير بعد انقلاب حافظ الأسد ووصوله إلى سدّة الحكم عام 1970، وبعد صدور دستور عام 1973، وكل ما تلا ذلك من تفريط شبه تام بمبدأ الفصل بين السلطات الثلاث، وهيمنة السلطة التنفيذية على السلطتين التشريعية والقضائية.
وتنامت هذه الهيمنة وتجذرت أثناء الصدام الذي خاضته الحكومة السورية مع جماعة الإخوان المسلمين خلال الثمانينات، فأصبحت الموافقة الأمنية شرطاً لإتمام العديد من المعاملات المدنية، وأبرزها ما يتعلق بالتوظيف والسفر والنشاطات المدنية أو الاجتماعية أو الثقافية.
وكانت الموافقات الأمنية منذ الثمانينات وحتى العام 2011 عبارة عن نموذجين، الأول يعرف بورقة “غير محكوم” أو “لا حكم عليه” وخلال استصدار تلك الورقة كان يتوجب على المواطن تسوية وضعه مع الجهة الأمنية التي تشير إليه في حال كان مطلوباً لها.
أما النموذج الثاني للموافقة الأمنية، فكان يُعرف بـ”الدراسة الأمنية”، وهي طلبٌ خاص، لا يتقدم به صاحبه مباشرةً إلى الأجهزة الأمنية، إنما عبر الدائرة الحكومية المدنية المختصة بالمعاملة التي يود تقديمها، فإن كانت المعاملة عبارة عن طلب حصول على ترخيص مؤسسة ما أو وظيفة كان على صاحب الطلب أن يتقدم به إلى الوزارة المعنية، والتي تقوم بدورها بمتابعة الإجراءات المطلوبة مع الأجهزة الأمنية الواجب الحصول على موافقتها قبل منحه الترخيص أو إذن العمل.