نشرت صحيفة الغارديان تقريرا قالت فيه إن نظام بشار الأسد انتهز فرصة الزلزال الشهر الماضي، للعودة إلى المسرح الإقليمي والخروج من العزلة.
وبحسب التقرير فإن بشار الأسد الذي تجول في حلب بعد الزلزال لم يظهر بمظهر الرجل الذي يحمل مصير الأمة على ظهره، وعندما وقف لأخذ الصور مع السكان الذين اصطفوا للقائه وهو يتفقد الدمار الذي تركه الزلزال، بدا مرتاحا أكثر من اهتمامه وقلقه على الناجين من الكارثة، وكان الرئيس المبتسم يفكر باللحظة التي جاءت إليه أخيرا.
فبعد أيام من الكارثة كان مسؤولو الإغاثة الدولية يتدفقون من أجل مقابلته، وطلب إذنه للوصول إلى المناطق المتضررة والخارجة عن سيطرته، لتبدأ المؤسسات الدولية مرة أخرى التعامل مع الأسد على أنه رئيس دولة ذات سيادة وموحدة.
وسافر وزراء خارجية الدول العربية من الأردن والإمارات ومصر إلى دمشق لمقابلة الرئيس وتقديم التعازي له، وكانت رمزية هذه اللقاءات صورة عن حدث زلزالي ولكن من نوع آخر.
وبات الأسد ولأول مرة منذ عقد ويزيد على الحرب والفوضى، ظل فيه منبوذا من جيرانه ومنافسيه في المنطقة، بات في أعينهم الحل للأزمة التي أعطته الوصف في المقام الأول.
وحصل الرئيس الذي أشرف على تدمير بلده وتشريد نصف السكان وتسبب في الانهيار الاقتصادي الذي لا يقارن بأي بلد حول العالم، فرصة للعودة.
وعززت زيارته إلى عُمان في 20 شباط والتي كانت مرفقة بالسجاد الأحمر وموكب الحراسة والأعلام التي رفرفرت على جانبي الطريق، عملية إعادة تأهيل الأسد.
وقال مسؤول أمني إقليمي !هذه لحظة كانت قادمة، لم يعد هناك إمكانية لطرح فكرة أن المنطقة آمنة ببقاء سوريا منبوذة! لكن لا أحد يعرف عمّ سيتخلى الأسد وماذا سيحمل أصدقاؤه العائدون إليه من نفوذ.
ويُعتقد أن المسؤولين البارزين في السعودية والإمارات دفعوا بشكل قوي في موضوعين: فصل سوريا عن التأثير الإيراني، ووقف تصدير المادة المخدرة “كبتاغون” إلى دول الجوار.
وبدأ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم حاكم دبي، ورئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، المشهد للتحول وعودة الأسد من خلال دعوته لزيارة الإمارات في لقاءات غير رسمية.
وحدد الرجلان المطلوب من الأسد وتقديمه كرجل ضلّ طريقه ويمكن إعادته للحظيرة لو غيّر من سلوكه.
ولم يتغير إلا القليل سوى ما حدث على المواقف الإقليمية فقد حولت صناعة المخدرات المدعومة من مؤسسات الدولة، سوريا إلى منافس لكارتل سينالوا المكسيكي، وبموارد مالية تصل سنويا إلى 6 مليارات دولار، وأعلى من الناتج المحلي العام، فلم يكن هناك ما يؤشر إلى تخلي سوريا عن هذه الصناعة التي تنتج وتعلب وتهرب الحبوب إلى دول الجوار، خاصة منطقة الخليج.
وصادرت السلطات الإماراتية في الشهر الماضي 4.5 مليون حبة كبتاغون، خُبئت في علب الفول، وأصدرت السلطات الإيطالية مذكرة اعتقال للمواطن السوري “طاهر الكيالي” الذي اتُهم بتنسيق شحنة مكونة من 14 طنا من الكبتاغون كانت في طريقها إلى ليبيا والسعودية عام 2020.
ويقول المسؤولون الإيطاليون إنهم متأكدون من أنّ مصدر الحبوب هو “سوريا” وأنها مرتبطة بحزب الله اللبناني.
وضغط عاهل الأردن الملك عبد الله الثاني على وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن أثناء زيارته للمنطقة في الأسبوع الماضي، لوضع قيود على الأسد كي يوقف تجارة الكبتاغون التي يعتقد المسؤولون الغربيون والإقليميون أن “ماهر الاسد” هو من يشرف عليها وبتسهيلات من الفرقة الرابعة في جيش النظام السوري في المناطق الواقعة تحت سيطرتها.
وأكد الملك عبد الله على دور الميليشيات المدعومة من إيران في تجارة المخدرات عبر جنوب سوريا، بشكل خلق مشكلة كبرى لقوات حرس الحدود الأردنية.
ولا يُعرف إن كان الأسد سيبتعد عن إيران التي لا تزال محورية في نجاته. وبات المطلب هذا محلا للشك بعد الإعلان المفاجئ يوم الجمعة عن استئناف العلاقات الدبلوماسية بين إيران والسعودية.
وترى الصحيفة أن حقيقة وصول الأسد إلى نقطة إعادة التأهيل ليست أمرا بسيطا بسب الدعم الذي حصل عليه من إيران عندما واجه حربا ضده.
وعملت طهران على زيادة نفوذها وبناء ممر بري من أراضيها عبر العراق وسوريا إلى لبنان الذي يهمين فيه حزب الله على المشهد السياسي.
وهناك مشكلة في محاولة الضغط على الأسد الذي يحكم منذ عقدين وإبعاده عن إيران، لأن أي تحرك بهذا الاتجاه بمثابة مخاطرة وجودية و”هذه مجازفة لا يستطيع القيام بها” كما يقول مسؤول في المنطقة، و”لم يفكر الإماراتيون والسعوديون بهذا الأمر”.
مطلب آخر للأسد يتعلق بالتفاوض مع المعارضة السورية وتشجيع عودة اللاجئين إلى بلادهم، وهذا يبدو مشكوكا فيه مثل المطلب السابق. وحتى في الأيام الحالكة التي واجهته، لم يتعامل نظام دمشق مع المفاوضات بطريقة جدية.
وفشلت المحادثات المتكررة التي دعمتها روسيا والدول الغربية من جنيف إلى أستانا منذ عام 2013 ببناء زخم للتسوية في سوريا، ولم تتحقق مطالب تسوية تقوم على مشاركة الأطراف المتصارعة، بل على العكس، اعتمد النظام على القوة المفرطة لتقوية حكم الدولة البوليسية بدون خوف من العقاب.
وطالما طالب أعداء النظام، الأمم المتحدة بمحاسبته على جرائمه، لكن الدرس الذي سيتعلمه من الكلام المتشدد سابقا والاستقبال الحافل للأسد في عواصم دول عربية، هو أنه يستطيع عمل ما يريد بدون أن يغير من أساليبه.