بحث
بحث
سوق البزورية في دمشق - صوت العاصمة

هكذا تفقّر سوريا مواطنيها وتقتل صناعتها

قراران بتوقيت غير مناسب، إن لم نطلق حكم قيمة ونقول خاطئان. ومن شأنهما، بحال التصلّب وعدم العودة عنهما، أو إعادة النظر والتعديل، أن يأتيا على الصناعة السورية، وسيأخذان المستهلك السوري بطريقهما إلى مزيد من الفقر والبطالة.

القرار الأول اعتماد سوريا “الاقتصاد الحر” هكذا ومن أوسع الأبواب، إذ لا تتابع مسؤولاً، اقتصادياً أو غير اقتصادي، إلا ويتغنى أن النهج الاقتصادي هو الحر، ويتابع، إن كان مطلعاً، أن الليبرالية الكلاسيكية لن تكون سقفاً، بل البلد يسير نحو سياسة “النيوليبرالية”، بمعنى: ابتعاد الدولة حتى عن التدخل بالقوننة والمراقبة وترك الأسواق تصحح نفسها ضمن اقتصاد حر وأسواق مفتوحة.

وهذا التوجه قد يناسب اقتصاداً بحجم الصيني أو الألماني أو الأميركي، فهناك الاستقرار والذي لا تتمتع به سوريا، والتطور التقني والإنتاجي والذي لا تملكه سوريا، ووجود مواد أولية تفتقرها سوريا، وتقاليد اقتصادية وعلاقات واتفاقات لا تمتلكها سوريا.

هناك، ورغم الليبرالية “المنفلشة” أو المتوحشة، يوجد طرق حمائية عدة للإنتاج الذي يشغّل أيدي عاملة كبيرة ويستفيد من القيم المضافة للمواد الأولية المحلية، أو يعود على البلاد بعائدات صادرات كبيرة.

وبمعنى، حتى تلك الاقتصادات العملاقة، وأبطال التصدير الأوائل، والتي تساهم مجتمعة بأكثر من 48% من الناتج الإجمالي العالمي، تتردد حين تتحدث عن الأسواق المفتوحة، بل نراها حين تشعر باستهداف أو إغراق أسواقها، تسارع لحماية بعض الصناعات عبر فرض رسوم جمركية بوجه المماثل المستورد، ناسفة ما أتت عليه منظمة التجارة العالمية أو نصت عليه الاتفاقات أو ما تمليه الأسواق المفتوحة.

فكيف ببلد مثل سوريا، مهدمة البنى والهياكل، صناعاتها خارجة عن الإنتاج أو بالكاد تنتج بالحدود الدنيا بواقع خطوط وآلات قديمة، وتعاني من جميع أشكال الإعاقة وارتفاع التكاليف، أن تعلن عن اقتصاد حر من دون ضوابط، لتغرق أسواقها، كما هي اليوم، بسلع تركيا وعربية وصينية، ستأتي ولا شك، على الإنتاج المحلي العاجز عن المنافسة بواقع ظروفه الراهنة.

وأما القرار الثاني الطازج، فهو رفع الحكومة بدمشق أسعار الكهرباء بنسبة لا تقل عن 60 ضعفاً، وفق نظام الشرائح، بذريعة الخسائر ودعم الدولة للقطاع ومحاولات تأمين التيار على مدار الساعة وتحسين جودة الخدمة. ليقفز سعر الكيلو واط الساعي للمستهلك المنزلي، من 10 إلى 600 ليرة، هذا إن كان الاستهلاك أقل من 300 كيلو، أما إن ارتفع عن ذلك، فيرتفع السعر إلى 1400 ليرة للكيلو واط الواحد.

ولم تنج المؤسسات والمنشآت الصغيرة من الرفع الهائل، بل تم تحديد سعر الكيلو واط ضمن الشريحة الثالثة بسعر 1700 ليرة، وللمنشآت الكبيرة ذات الاستهلاك العالي، 1900 ليرة للكيلو واط الساعي.

والتبرير جاء محقاً بشكله وطرحه النظري، فعدا استدامة تأمين الكهرباء وجودة الخدمة، ماثلت الحكومة السورية الأسعار بدول الجوار وتكاليف الإنتاج، متناسية أمرين اثنين.

الأول أن دخل المواطن وقوة الإنتاج بدول الجوار، لا يمكن مقارنتهما البتة بحال السوريين ومنشآتهم، ما يعني زيادة في تفقير المواطن صاحب الدخل المنخفض والحكم على المنشآت بزيادة تكاليف الإنتاج، ما يعني مزيداً من المنافسة العرجاء أمام المستوردات، وبالتالي الخروج ربما عن الإنتاج وليس عن المنافسة فحسب.

والأمر الثاني الذي أغفلته الحكومة، خلال تبريرها ودفاعها عن القرار وعدالته، أننا على أبواب فصل الشتاء وزيادة استهلاك الكهرباء بواقع ارتفاع أسعار المشتقات النفطية (ليتر المازوت 11 ألف ليرة) سواء بالمنازل أو المنشآت، الأمر الذي سيزيد من الأعباء على السوريين ويضعف قدرة المنشآت على المنافسة أو ربما الاستمرار.

والأهم ربما بما أغفلته الحكومة بقرار رفع سعر الكهرباء، أنها سلعة محرضة تدخل بجميع أنواع الإنتاج، الصناعي والزراعي وحتى الخدمات، ما يعني ارتفاعاً مرتقباً لأسعار السلع والمنتجات وأجور النقل، ما يوصلنا، من دون عناء الشرح والتفصيل، إلى فقر الشعب وتضخم الأسعار ومزيد من تهاوي سعر الصرف.

المصدر: العربي الجديد