قالت الشَّبكة السورية لحقوق الإنسان، إن استبعاد الأفراد المتورطين في الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان ليس قراراً سياسياً انتقائياً، بل ضرورة قانونية وأخلاقية لمنع تكرار الجرائم واستعادة ثقة المواطنين بمؤسسات الدولة.
وجاء ذلك في تقرير تحليلي نشرته الشبكة بعنوان “الضرورة القانونية والأخلاقية لاستبعاد المجرمين من مؤسسات الدولة في المرحلة الانتقالية في سوريا”، ويؤكد التقرير على أن العدالة الانتقالية لا تتحقق في بيئة تبقي على البنى والشخصيات التي رسخت الاستبداد وشاركت في الانتهاكات.
ويشير التقرير إلى أن أي محاولة لإعادة بناء الدولة دون مساءلة وتطهير حقيقي ستظل شكلية وعرضة للانهيار، ما يُنذر بدوامة جديدة من الإفلات من العقاب والانتقام.
ويعتبر الإقصاء الإداري للمتورطين تجسيداً لمبدأ “ضمان عدم التكرار” المنصوص عليه في القانون الدولي لحقوق الإنسان، مؤكداً أن التغاضي عن هذا الإجراء يضعف مسار الانتقال ويتيح للإفلات من العقاب أن يتغلغل في مؤسسات الدولة المستقبلية.
ويستعرض التقرير مستويات التواطؤ البنيوي داخل أجهزة الدولة، موضحاً أن نظام الأسد استخدم مؤسسات الدولة من القضاء إلى الإعلام فالجيش كأدوات للقمع.
ووفقاً لقاعدة بيانات الشبكة، فقد قُتل ما لا يقل عن 202,021 مدنياً، وتم تسجيل نحو 160,123 حالة اعتقال تعسفي واختفاء قسري، وتوفي 45,031 شخصاً تحت التعذيب، ونُفذ 217 هجوماً كيميائياً و254 هجوماً بذخائر عنقودية و81,954 برميلاً متفجراً، بينما تم تهجير أكثر من 13.8 مليون سوري داخل البلاد وخارجها.
وقد وثقت الشبكة تورط 16,200 شخص، بينهم قادة أمنيون وعسكريون وقضاة وعناصر ميليشيات وشخصيات إعلامية واقتصادية موالية للنظام.
ويؤكد التقرير أن استبعاد المتورطين من مؤسسات الدولة لا يُعد انتقاماً، بل ضرورة قانونية وأخلاقية تستند إلى مبادئ راسخة في القانون الدولي وضمن العدالة الانتقالية، خصوصاً مبدأ “ضمانات عدم التكرار”.
ويستشهد بأحكام المحاكم الأوروبية والأمريكية لحقوق الإنسان التي أقرت بشرعية إجراءات التطهير المؤسسي وفق معايير قانونية واضحة وضمانات عدالة نزيهة، محذراً من أن الإبقاء على المتورطين يمثل تهديداً لمستقبل الدولة ويكرس ثقافة الإفلات من العقاب.
ويقترح التقرير إطاراً عملياً لتطهير الجهاز الإداري للدولة عبر تقسيم مستويات التواطؤ إلى ثلاث فئات: استبعاد دائم وإلزامي لكبار القادة المتورطين مباشرة، استبعاد مفترض مع إمكانية الاستئناف لمن شرّعوا أو برروا الانتهاكات، ومراجعة فردية للموظفين ذوي الرتب الدنيا غير المتورطين مباشرة مع إمكانية إعادة إدماجهم وفق شروط صارمة.
ويشدد على التمييز بين المساءلة الجنائية والتدقيق الإداري، حيث يركز الأخير على استعادة شرعية مؤسسات الدولة وليس على العقوبات الجنائية.
ويخلص التقرير إلى أن استبعاد الأفراد المتورطين في الانتهاكات أو الذين ساهموا في تبريرها يمثل التزاماً قانونياً وأخلاقياً، وخطوة عملية لتفكيك ثقافة الإفلات من العقاب، وإعادة بناء شرعية الدولة، واستعادة ثقة المواطنين، وتأسيس عقد اجتماعي جديد بين الدولة والمجتمع.
ويختم التقرير بالتأكيد على أن نجاح المرحلة الانتقالية في سوريا يتوقف على تفكيك إرث الاستبداد السياسي والمؤسسي، وأن العدالة الانتقالية لا تقتصر على المحاكمات أو التعويض، بل تشمل إعادة هيكلة شاملة للقيم والممارسات والمؤسسات، محذراً من أن إبقاء الجلادين في مواقع السلطة يشكل خطراً على مستقبل سوريا بأكملها.