بحث
بحث
رجل الأعمال السوري أيمن الأصفري خلال لقاءه مع "تلفزيون سوريا"

رسائل الأصفري إلى الحكومة المؤقتة أم إلى السوريين؟

لا يمكن المرور بما قاله رجل الأعمال السوري البريطاني أيمن الأصفري في لقائه قبل أيام على تلفزيون سوريا (ممول من قطر، يبث من تركيا، ويعتبره البعض التلفزيون الرسمي للحكومة السورية المؤقتة) مرور الكرام، فالأصفري ليس رجل أعمال عادياً يحكي عن رؤيته الشخصية لسوريا، بل هو واحد من أهم رجال الأعمال في العالم، وتربطه علاقات ليست خفية مع مسؤولي السياسة في المجتمعين الدولي والعربي.

كما كان مشتبكاً بالسياسة السورية خلال فترة الثورة، سواء في علاقاته بمؤسسات المعارضة ورجالاتها، أو بتمويله مشاريع تنموية عبر تجمع  “مدنيّة” في المناطق التي خرجت عن سيطرة النظام خلال الأربعة عشر عاماً الماضية.

يضاف إلى ذلك طرح اسمه في وسائل إعلام عربية ودولية رئيساً للحكومة السورية قبل الإعلان الدستوري الذي ألغي منصب رئاسة الوزراء وحصرها بيد رئيس الجمهورية.

ما سبق يوحي بشكل مباشر بأن ما قاله الأصفري لم يكن سوى رسائل من المجتمع الدولي للحكومة الجديدة، خصوصاً مع تأكيده على أن سوريا لا تحتمل التجارب، وما من وقت لتجريب نظام حكم تعتبره الحكومة الانتقالية يتناسب مع الخصوصية السورية.

قدم الأصفري ما يريده المجتمع الدولي من حكومة الشرع الانتقالية للبدء في رفع العقوبات عن سوريا، والتي ما زالت سيفاً مسلطاً على الشعب السوري أولاً، وعلى الحكومة نفسها ثانياً، وعلى مستقبل سوريا ومستقبل إعادة بنائها أخيراً.

قد يتساءل البعض لماذا يريد المجتمع الدولي إرسال رسائل إلى حكومة الشرع الانتقالية عبر شخصية مثل الأصفري في حين يمكنه الطلب منها مباشرة، وهو ما حدث ويحدث فعلاً.

فثمة شروط أميركية وأوروبية واضحة لرفع العقوبات تتقاطع إلى حد كبير مع ما قاله الأصفري عبر “تلفزيون سوريا”، سواء في موضوع المواطنة والتشاركية وموضوع الجيش الوطني والسلم الأهلي والتخلص من الفكر الجهادي والمجاهدين الأجانب، وغير ذلك من طلبات وشروط يضعها المجتمع الدولي للبدء في رفع جزئي للعقوبات.

ويبدو أن حكومة الشرع المؤقتة لا تأخذها على محمل الجد، أو تعول على دعم تركي بدأ يصطدم أخيراً برفض إسرائيلي له يتجلى في منع إسرائيل إقامة قواعد تركية عسكرية في سوريا وقصفها مسبقاً للقواعد المهيئة للتمركز العسكري التركي، وفي فشل المباحثات الأخيرة بين تركيا وإسرائيل حول الوضع السوري، أو هي عاجزة عن تنفيذ هذه الشروط بسبب تقاسم النفوذ والسلطة بين الفصائل العسكرية المتشددة والأقل تشدداً، وبين الصقور والحمائم في “هيئة تحرير الشام” نفسها.

ثمة احتمال آخر: قد تكون حكومة الشرع الانتقالية غير مكترثة لرفع العقوبات ولا مشكلة لديها في أن تعزل سوريا عن العالم على الطريقة الطالبانية في حكم أفغانستان.

وبالمناسبة، ثمة فصائل ضمن وزارة الدفاع تتبنى فكر طالبان تماماً، ولديها آليات عسكرية كتب عليها عبارة “طالبان العز”، تتمركز في الساحل السوري، وتسير في أحياء العلويين، استفزازاً أو ترهيباً.

المجتمع الدولي ليس عاجزاً عن إخبار حكومة الشرع بما يريده مباشرة، لكن هناك تفاصيل ذكرها الأصفري في حواره كانت موجهة للسوريين وليس لحكومة الشرع، إذ قدم خطة عمل واضحة ومباشرة وتحمل حلاً جذرياً للخروج من الكارثة السورية الحاصلة اليوم، اجتماعياً واقتصادياً وأمنياً، ويمكن العبور معها بسوريا بأقل الخسائر الممكنة، وإعادتها موحدة بالكامل تحت قيادة، مركزية أو لا مركزية، بحسب ما يتم الاتفاق عليه دولياً وشعبياً، وتحت مظلة جيش وطني حقيقي لا جيش طائفي بعقيدة دينية جهادية.

وبدستور لا يرتكز على الفقه الإسلامي بل يعزز مبدأ المواطنة والمساواة تحت بند القانون، ويعزز فصل السلطات بشكل حقيقي وليس كما ذكر في مهزلة الإعلان الدستوري، ويجعل الديموقراطية أساس الحكم، والشعب مصدر السلطات، ويحترم الحريات الفردية والعامة والعقائد والحق في العبادة لجميع المكونات السورية.

ذكر الأصفري أكثر من مرة أنه “مسلم سني مؤمن”، وتحدث عن الدولة المدنية لا العلمانية، واستنكر فكرة الخصوصية السورية قائلاً إن سوريا مثل كثير من الدول ذات التنوع العرقي والديني والمذهبي، فهي إذاً ليست استثناء كما يحاول مسؤولوها الجدد الإيحاء لمؤيديهم.

هذه التأكيدات في حوار الأصفري موجهة للسوريين، وللسنة منهم، وللسنة المؤيدين للحكومة الحالية تحديداً، ممن لديهم رعب من أنه لا بدائل لدى السنة عن الحكم الحالي، وأن أي تغيير يتم سوف يُعيد حكم “الأقلية” إلى سوريا، وهو ما يرفضونه بشكل قاطع ويجعلهم يتمسكون بحكومة الشرع على طريقة تمسك شبيحة نظام الأسد برئيسهم.

حوار الأصفري عبر “تلفزيون سوريا” رسالة إلى السوريين السنة أنه ثمة بدائل سنية كثيرة يمكنها أن تقود سوريا إلى بر الأمان، وأن المجتمع الدولي الذي أزاح بشار الأسد عن الحكم وأحضر هيئة تحرير الشام بديلاً عنه، يمكنه أيضاً أن يفعل ذلك مع الحكومة الحالية، ويهيئ بدائل عنها إن لم تستجب للطلبات.

ظهور الأصفري وحديثه ووضعه خارطة طريق واضحة ووطنية بكل معنى الكلمة، لا يعني بالضرورة أنه هو البديل عن أحمد الشرع، لكن ذلك حتماً رسالة للجميع أن ثمة بدائل سنية موجودة ومقبولة من المجتمع الدولي والعربي، ويمكنها أن تكون جاهزة للحكم في سوريا ما لم يتم تنفيذ الشروط المطلوبة.

وهذا هو سبب تكرار الأصفري جملة “لا وقت في سوريا للتجريب”. ما يعني أن المجتمع الدولي وضع خطة زمنية وطالب الحكومة الحالية بالتقيد بها كشرط رئيسي للاعتراف الدولي بها، خصوصا بعد الخطوة الأميركية بتغيير الوضع القانوني للبعثة الدبلوماسية في الأمم المتحدة، وتصريحها بأنها لا تعترف بأي حكومة سورية حالية، وما سيتبعه، كم يقول محللون، من تصريحات مشابهة من دول أخرى.

والحقيقة أن الدول التي اعترفت بالحكومة السورية الحالية قليلة، وما زال معظم دول العالم والكثير من الدول العربية يمتنع عن إعادة العلاقات الديبلوماسية الكاملة مع سوريا، ما يجعل مع الحكومة الحالية شبه معزولة دولياً.

تملك سوريا رصيداً كبيراً من خيرة النخب السنية، لديهم حضور كبير على المستوى الدولي، هذا غير الكثير من الكوادر الشبابية التي راكمت خبرات في كل المجالات خلال السنوات الماضية عبر احتكاكها بالمجتمعات الجديدة وحصولها على شهادات عليا من أكبر الجامعات في العالم.

فالسنة في سوريا لا ينقصهم البدائل بخبرات وثقافات ممتازة وشديدة الأهمية، الأمر الذي يجعل من خوف نسبة كبيرة من هم من نقد الحكومة المؤقتة والدفاع (التشبيحي) عنها مستغرباً ومستهجناً، وكأن السنة في سوريا لم ينجبوا غير هذه الحكومة التي لا يملك كثيرون من عناصرها الخبرات ولا الثقافة ولا المعرفة بالمجتمع السوري ولا التحصيل العلمي الجيد، ولا شيء غير انتمائهم للفكر الجهادي. فهل يمثل الفكر الجهادي سنة سوريا؟ الجواب هو حتماً لا، والدليل هو شبه الاجماع الشعبي على أهمية ما قاله الأصفري، وتراجع حدة الدفاع عن الحكومة الحالية عند انتقادها.

ربما يحتاج السنة في سوريا إلى الثقة بأن هناك مئات الآلاف من المؤهلين لقيادتها. وحوار الأصفري يصب في هذا الاتجاه.

المصدر: موقع +963 سوريا وأحوالها