بحث
بحث
الرئيس الشرع في أول اجتماع للحكومة السورية الجديدة - انترنت

هل غيرت الولايات المتحدة موقفها من الحكومة السورية؟

على مدار أسبوع، امتد الجدل في الدوائر السياسية والإعلامية حول ما إذا كانت إدارة الرئيس دونالد ترمب غيرت موقفها من الحكومة الانتقالية في سوريا، بعدما خفضت الوضع القانوني للبعثة السورية لدى الأمم المتحدة في نيويورك من بعثة دائمة لدولة عضو إلى بعثة لحكومة غير معترف بها من الولايات المتحدة، فما حقيقة هذا الإجراء الأميركي ودلالاته في هذا التوقيت، ولماذا لم يرافقه إعلان رسمي واضح من الخارجية الأميركية يشير إلى هذا التغيير؟

إجراء إداري أم سياسي؟

منذ الخميس الماضي نشرت مواقع صحافية وإعلامية عربية إخطاراً أرسلته الخارجية الأميركية إلى الوفد السوري في الأمم المتحدة يفيد بإلغاء واشنطن تأشيرات “جي 1” التي تمنحها عادة للدبلوماسيين الذين يمثلون حكومات معترف بها، واستبدلتها بتأشيرات “جي 3″، التي تمنحها للمواطنين الأجانب المعتمدين لدى المنظمة الدولية، ولكن حكوماتهم غير معترف بها من الولايات المتحدة.

وفسرت بعض وسائل الإعلام العربية هذا الإجراء باعتباره دليلاً على تراجع الإدارة الأميركية عن الاعتراف بالحكومة السورية الموقتة.

وسائل الإعلام الأميركية لم تتطرق إلى الخبر ولم يرافقه أيضاً إعلان أو بيان رسمي صريح من السلطات الأميركية أو وزارة الخارجية يقول إن الإجراء يحمل هذا المغزى، ومع ذلك قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركي تامي بروس يوم الثلاثاء 8 نيسان الجاري إن تشكيل الحكومة السورية أو ما وصفته بـ”الهيئة الاستشارية”، شمل مجموعات إضافية في سوريا، لكنها اعتبرت أن هناك كثيراً مما كان يجب القيام به ولم يجر إنجازه بعد.

وفي ما بدا كنوع من الانتقاد وعدم الرضا، أشارت المتحدثة الأميركية إلى أن الولايات المتحدة لا تزال تنتظر اتخاذ مزيد من الإجراءات لأن هناك توقعات لم تتحقق بعد، ولذلك ستنتظر الإدارة الأميركية ما ستفعله الحكومة السورية، مشيرة إلى أن الإدارة الأميركية تتوقع أن تلتزم دمشق بقانون حقوق الإنسان، والالتزام بالقوانين العامة لما يجب أن تكون عليه الحكومة اللائقة.

ورقة ضغط

وفيما نقلت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) عن مصدر مسؤول في وزارة الخارجية السورية قوله إن خطوة تغيير الوضع القانوني للبعثة السورية في نيويورك هي “خطوة فنية وإدارية بحتة، ولا تعكس أي تغيير في الموقف تجاه الحكومة الجديدة”، بدا الإجراء الأميركي كورقة ضغط على الحكومة السورية التي ترى الإدارة الأميركي أنها تأخرت كثيراً في تلبية طلباتها، على رغم أن واشنطن لم تذكر صراحة أنها تغير موقفها أو تعدله نتيجة هذا الاستياء.

وتأتي هذه الخطوة في وقت أعلنت فيه الولايات المتحدة من قبل أنها ستواصل مراقبة تصرفات السلطات الموقتة وتحديد خطوات أميركا المستقبلية بناء على تقييماتها، لا سيما في ما يتعلق بالعقوبات، في إشارة إلى أن أي تغيير في السياسة الأميركية يعتمد على سلسلة من الإجراءات، تشمل أيضاً نبذ الإرهاب وقمعه بصورة كاملة، واستبعاد المقاتلين الأجانب من المناصب الرسمية، ومنع إيران ووكلائها من استغلال الأراضي السورية.

وأعلنت الولايات المتحدة أنها ستواصل مراقبة تصرفات السلطات الموقتة وتحديد الخطوات المستقبلية بناء على تقييماتها، لا سيما في ما يتعلق بالعقوبات.

كما تطالب الولايات المتحدة النظام السوري الجديد باتخاذ خطوات قابلة للتحقق لتفكيك أسلحة بشار الأسد الكيماوية، والمساعدة في استعادة المواطنين الأميركيين وغيرهم ممن اختفوا في سوريا، وضمان أمن وحريات الأقليات الدينية والعرقية.

قلق مستمر

وتظهر كلمة سفيرة الولايات المتحدة لدى المنظمة الدولية دوروثي كاميل شيا، قبل هذا الإجراء بأسبوع واحد، مدى قلق واشنطن تجاه عملية الانتقال السياسي المتأرجحة في سوريا، إذ أكدت أمام مجلس الأمن في الـ25 من آذار الماضي دعمها “لعملية انتقال سياسي تثبت أن الحكم الرشيد غير الطائفي هو السبيل الأمثل لتجنب مزيد من الصراع”.

وأعربت بوضوح في ذلك الوقت عن قلق الولايات المتحدة من أن إطار مسودة الدستور لا يسير في الاتجاه الصحيح، وأن واشنطن تراقب الاختيارات الخاصة بالمناصب الوزارية.

كما رحبت دوروثي شيا باتفاق الـ10 من آذار مع قوات سوريا الديمقراطية (قسد) لدمج الشمال الشرقي في “سوريا موحدة”، ووصفت هذا الاتفاق بأنه “خطوة أولى متواضعة في السعي نحو سوريا مستقرة ومستقلة”، لكنها لم تخف التوجس من أنه لكي يكون هذا الاتفاق ذا معنى، يجب استكماله بتفاصيل تتضمن هيكلاً أمنياً موحداً للدولة يضمن ألا تشكل سوريا تهديداً خارجياً للدول المجاورة، وأن تكون قادرة على هزيمة تنظيم “داعش” المتمركز في سوريا أو غيره من الجماعات المتطرفة العنيفة، بما في ذلك الميليشيات المدعومة من إيران.

وأشارت إلى أن الولايات المتحدة تسعى إلى تحقيق السلام والأمن في المنطقة، وإلى سوريا مستقرة، خالية من النفوذ الخارجي، تحترم حقوق جميع السوريين، وتمنع الإرهابيين من استخدام ذلك البلد منصة لهم.

وخلال عطلة عيد الفطر، حذرت وزارة الخارجية الأميركية مواطنيها من تزايد احتمال وقوع هجمات والتي قد تستهدف السفارات والمنظمات الدولية والمؤسسات العامة السورية في دمشق عبر هجمات أفراد مسلحين أو باستخدام عبوات ناسفة.

كما أصدرت وزارة الخارجية الأميركية أيضاً تحذيراً في شأن السفر إلى سوريا من المستوى الرابع الذي يحظر السفر، بسبب ما وصفته بالأخطار الكبيرة المتمثلة في الإرهاب، والاضطرابات المدنية والاختطاف واحتجاز الرهائن والصراع المسلح والاحتجاز غير العادل.

تدخل مطلوب

وعلى رغم ذلك يبدو أن الولايات المتحدة لا تكتفي بدور الناصح الأمين وإنما تتدخل احياناً وتقدم مطالبها أو شروطها للحكومة السورية مثلما قدمت مجموعة من الشروط كي تخفف العقوبات جزئياً، بما في ذلك مطلبها بعدم تولي أي مواطن أجنبي مناصب عليا في الحكومة،.

وهو ما نقلته ناتاشا فرانشيسكي، نائبة مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون بلاد المشرق وسوريا، إلى وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني خلال اجتماع على هامش مؤتمر المانحين لسوريا في بروكسل في الـ18 من آذار الماضي، مما شكل أول تواصل مباشر رفيع المستوى بين واشنطن ودمشق منذ تولي الرئيس دونالد ترمب منصبه في الـ20 من كانون الثاني 2025.

ولهذا ربما تشهد العلاقة تحولاً من الولايات المتحدة من أجل الحفاظ على تواصل مباشر مع القيادة السورية للتأثير في قراراتها المتعلقة بحماية الأقليات، والتنمية الاقتصادية والقضايا الأمنية، لأن تجاهل المجتمع الدولي للقيادة السورية الجديدة بصورة تامة من شأنه أن يسمح للقوى الإقليمية بفرض مستقبل البلاد وفق شروطها الخاصة.

وإذا كان الرئيس ترمب أبدى انتقاداً مبطناً لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خلال لقائهما في البيت الأبيض يوم الإثنين الماضي، معتبراً أنه لا يستخدم أسلوباً عقلانياً في تصرفاته حيال سوريا، ربما يكون من المناسب الآن أن تعمل الولايات المتحدة على الاستعداد لتحول سوريا إلى دولة فاشلة عبر تجنب أسوأ الاحتمالات.

إذ تترنح سوريا على أرض مجزأة تفتقر إلى حكومة فعالة وتخضع لسيطرة مصالح أجنبية، ولهذا يجب على واشنطن رفض الخيار الزائف بين الاعتراف الكامل بالحكومة السورية الموقتة أو الانسحاب الكامل، وبدلاً من ذلك يتطلب الأمر أن تنخرط بانتقائية، فتمارس الضغط عند الضرورة، وتقدم الحوافز عند الحاجة.

ملامح تحول

وبينما يبدو التحرك الأميركي محدوداً وبطيئاً ومتردداً، فإن ملامح تحول قليلة بدأت تظهر خلال الأسابيع الأخيرة وفقاً لتقرير نشرته لجنة خدمات الكونغرس الأميركي في الـ13 من آذار الماضي كتبه المتخصص في شؤون الشرق الأوسط، كريستوفر بلانشارد، الذي أشار إلى أن الجيش الأميركي الذي حذر في عام 2024 من احتمال عودة ظهور فلول “داعش” في سوريا، استهدف عشرات الأهداف التابعة لـ”داعش” والقاعدة في سوريا منذ كانون الأول 2024.

كما تواصل مسؤولون أميركيون مع قادة سوريا الموقتين لمناقشة خطط الأمن والتعافي والانتقال، على رغم ما صرح به الرئيس ترمب بأن المصالح الأميركية في سوريا محدودة، وأنه سيقرر مستقبل الوجود العسكري الأميركي هناك.

ومن علامات التحول أيضاً ما أفادت به وكالات الأمم المتحدة وشركاء التنفيذ الأميركيين من إعفاءات أميركية للمساعدات المنقذة للحياة، والتراخيص العامة للسماح ببعض المعاملات في سوريا بموجب العقوبات الأميركية بعد أن تسببت التغييرات الأخيرة في سياسة المساعدات الخارجية الأميركية في اضطرابات كبيرة في المبادرات التي تمولها الولايات المتحدة في سوريا، بما في ذلك دعم مكافحة الإرهاب وتحقيق الاستقرار والبرامج الإنسانية.

لا تغيير في الأمم المتحدة

وفي حين توحي الإجراءات الأميركية الأخيرة في شأن خفض الوضع القانوني للبعثة السورية في نيويورك، بأنها ورقة ضغط إضافية على الحكومة السورية، إلا أن هذا الإجراء لم يغير من وضع الجمهورية العربية السورية في الأمم المتحدة بحسب المتحدث الرسمي باسم الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دوجاريك، الذي أوضح أن مسألة العضوية تخضع للميثاق، ومسألة الاعتراف من اختصاص الحكومات.

ووفقاً للمتحدث الأممي، فإن قرار الدولة المضيفة بتغيير تأشيرات أعضاء البعثة الدائمة للجمهورية العربية السورية لدى الأمم المتحدة لا يؤثر في مكانة سوريا داخل الأمم المتحدة، كما أنه لا يؤثر في مشاركة الأعضاء الدائمين في أعمال الأمم المتحدة ويسمح لهم باستمرار القيام بمهماتهم المتعلقة بعملهم مع الأمم المتحدة.

المصدر: اندبندنت عربية