لم يعد الحصول على وظيفة في المؤسسات الحكومية وحتى الخاصة يجذب الشباب أو الباحثين عن العمل من خريجي الجامعات السورية، بعد أن كان الحصول على وظيفة براتب ثابت هدف لمعظم الخريجين، وذلك بسبب ضعف القدرة الشرائية لراتب معظم الوظائف التي تكاد لا تكفي لبضعة أيام من عموم الشهر، بحسب موقع الحل نت.
ورصد الموقع الحال الذي وصل إليه واقع الوظائف الحكومية بالتحديد، والتي جعلت الشباب يتجهون للبحث عن فرص عمل متنوعة بصرف النظر عن اختصاصاتهم الجامعية، فانتشر الشباب في مهن التسويق عبر الإنترنت، أو المهن البسيطة كسائقي سيارات أجرة، أو توصيل الطلبات للمنازل.
الدليفري
وأصبحت رؤية طلاب الجامعة على دراجات التوصيل وعند تجولك في شوارع العاصمة دمشق أمراً اعتيادياً، وأحياناً يكون معظم العاملين في توصيل الطلبات إلى المحال التجارية والمنازل من الخريجين، إذ يؤكدون فشلهم في إيجاد فرصة عمل في اختصاصاتهم المتنوعة براتب جيد لذلك يلجؤون للعمل في مهن بعيدة عن اختصاصاتهم.
وقال “سامر عبد الله” وهو طالب جامعي إنّ العمل في التوصيل مجدي أكتر من الوظيفة الحكومية، مشيرا إلى أن الراتب الحكومي لا يكاد يكفيه مصروفه الشخصي، فكيف يمكن له أن يكون مسؤول عن بيت بأكمله بالاعتماد على الوظيفة.
وأضاف العبد الله “أكملت سنة كاملة في البحث عن عمل في اختصاصي ولم أنجح، العمل في توصيل الطلبات يناسب طبيعة الدوام الجامعي، إضافة إلى أنه يساعدني على سد احتياجاتي الشخصية والمتعلقة بدراستي، وأنا أفكر بالاستمرار في هذه المهنة حتى بعد التخرج في حال لم أستطع إيجاد فرصة عمل مناسبة”.
عبد الله يوضح كذلك أن إيجاد فرصة عمل في توصيل الطلبات ليس بالأمر الصعب، ويقول “حتى وإن حصل شيء وتركت العمل فأستطيع إيجاد عمل آخر في هذه المهنة بوقت قصير ولا تحتاج لخبرات كبيرة ولا إلى مقابلات وتقديم سيرة ذاتية، ومردودها جيد إلى حد ما، هذا بالطبع إذا ما تمت مقارنتها بالوظيفة الحكومية”.
مهن بعيدة عن الاختصاص الرئيسي
وأكدت “شيرين أحمد” وهي طالبة في كلية الإعلام في دمشق فشلها في إيجاد فرصة عمل في المجال الإعلامي، فضلا عن الضعف الكبير في الرواتب، لذلك لجأت إلى العمل في التسويق الإلكتروني وإرسال البضائع عبر الإنترنت، حيث تعمل في مجال الألبسة والإكسسوارات النسائية.
وأضافت شيرين بالقول إنها “حصلت على فرصة مقابلتين في إذاعتين محليتين، لكن الرواتب كانت ضعيفة جدا ولم تتجاوز مئة ألف ليرة شهريا وبدوام 8 ساعات وست أيام أسبوعيا، هذا الأمر سيجعلنني رهن للوظيفة التي لن تقدم لي سوى مصروف أسبوعي أو أقل، لذلك اخترت هذا المجال وأقوم بنشر الإعلانات لبعض الألبسة وبيعها عبر الإنترنت”.
مع تدني قيمة الرواتب والأجور وانهيار العملة المحلية في سوريا، فمتوسط الراتب الحكومي لا يتعدى 150 ألف ليرة سورية أي ما يعادل20 دولار أميركي شهريا، وهو لا يكفي مصروف عائلة لبضعة أيام فقط، ومع استمرار ارتفاع الأسعار للسلع والمواد الأساسية، ازدادت الفجوة بين أجور الموظفين، وحجم الإنفاق، الذي لا يساوي سوى 15 بالمئة، من راتب الموظف في أفضل الأحوال.
خبراء وباحثون في الاقتصاد السوري أكدوا في وقت سابق أن الحكومة السورية عاجزة عن تطبيق أية آليات من شأنها تحسين الوضع المعيشي، وهي ترفض الاعتراف بذلك وتقدم الوعود المتعلقة بتحسين القدرة الشرائية للمواطنين، أما بالنسبة لزيادة الرواتب، فتطبيق هكذا قرارات سيكون بمثابة الضربة القاضية لأسعار مختلف السلع والخدمات.
وأضاف الباحثون أنّ رفع الأجور في المرحلة الحالية ستعني بشكل أو بآخر زيادة الأسعار بنفس النسبة وربما أكثر، وذلك لعدم وجود خطة مجدية تخدم قطاع التجارة والصناعة بما يضمن زيادة معدلات الإنتاج، وبالتالي تمكين المواطن من شراء المزيد من السلع والخدمات بعد الزيادة.
وتبدو الحكومة في دمشق عاجزة عن السيطرة على الأزمات الاقتصادية المختلفة، ولو كان بيدها أدوات اقتصادية حقيقية، لحاولت الحفاظ على قيمة العملة المحلية من الانهيار، وبالتالي أوقفت الزيادات الخيالية في أسعار السلع والخدمات، التي لم يعد المواطن يتحملها، وكان هذا الخيار الأفضل من ترك الاقتصاد ينهار ومن ثم اللجوء إلى رفع الرواتب 20 و30 بالمئة.
وبتطلب تحسين الواقع المعيشي للسوريين بحسب مختصين في الاقتصاد إلى وجود رؤية وخطة واضحة لتحسين واقع الإنتاج بمختلف قطاعاته، فضلا عن تحسين البنية التحتية وتأمين الخدمات الأساسية، بما يخدم القطاع الإنتاجي، وبذلك تتحرك العجلة الصناعية ويزداد الطلب على اليد العاملة، بالتالي يمكن الحديث عن تحسن في الواقع المعيشي للسوريين، لكن كل ما سبق فشلت دمشق في تحقيق الأدنى منه.